في الوقت الذي نفى فيه اثنان من المسؤولين العراقيين في بغداد ومدينة النجف، في حديثين منفصلين مع "العربي الجديد"، صحة مزاعم التيار الصدري حول وجود تهديدات تستهدف المراقد الدينية بالعراق، والتي على أساسها شهد العراق، مساء الإثنين الماضي، انتشاراً غير مسبوق لعناصر مليشيا "سرايا السلام"، بمدن جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد، ما زالت حكومة مصطفى الكاظمي والمؤسسة العسكرية والأمنية تلتزم الصمت إزاء ليلة انفلات غير مسبوق للسلاح. وقد غلب على الاستعراض طابع المباهاة بالعدد والسلاح، وسط استمرار نزوح للناشطين، الذين اعتبروا أن إحدى رسائل هذا العرض المليشياوي موجهة إليهم بالدرجة الأولى، وأن الدولة غير قادرة على أن تفعل أي شيء لحمايتهم.
وبحسب مسؤول عسكري في مكتب القائد العام للقوات المسلحة ببغداد، فإن "أي تهديد أمني لتفجير أو استهداف المراقد الدينية المقدسة، في الكاظمية أو النجف أو كربلاء أو سامراء، لا أصل له". ونفى أيضاً مزاعم التيار الصدري بأن الاستعراض العسكري وانتشار مسلحي "سرايا السلام" تم بالتنسيق مع الحكومة والقوات الأمنية. وأوضح أنهم "كانوا مهيئين لذلك، ولم يبلغوا أحداً، لا بالمعلومات التي لديهم ولا بأنهم سيُخرجون عناصرهم المسلحين للشوارع". وأضاف المسؤول، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "مكتب رئيس الوزراء طلب من الجهات المسؤولة في سرايا السلام، التابعة للتيار الصدري، تزويده بالمعلومات التي قالت إنها حصلت عليها، وتشير إلى عمليات إرهابية لاستهداف المراقد الشيعية تنفذها عناصر بعثية وداعشية، لكنها لم ترد حتى الآن".
نفى مسؤول عسكري وجود أي تهديد أمني لتفجير أو استهداف مراقد دينية
في المقابل، قال مسؤول في ديوان محافظة النجف، جنوب العراق، إنه تم التواصل مع أجهزة الأمن الوطني والمخابرات والاستخبارات العسكرية، وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات الجيش والشرطة، بعد إعلان الصدريين عن وجود تهديدات، وأكدوا أنه لم يسجل لديها أي تهديد إرهابي وشيك على المراقد. كما أن العتبات العلوية والحسينية والعباسية تواصلت مع الحكومة من أجل أخذ احتياطات قد تتطلب إغلاق المراقد وإخلائها، لكنهم تلقوا الرد نفسه بأنه لا يوجد شيء مما ذكره الصدريون. واعتبر أن "المعلومة مختلقة، ولم يقدم الصدريون أي توضيح أو دليل على كلامهم. كما أن ما جرى من استعراض مسلح لا يمكن اعتباره محاولة لإحباط هجوم على المراقد، كونه وقع بين منازل العراقيين وشوارعهم، وبعيداً عن المراقد المقدسة".
ومساء أمس الأول، الاثنين، نشر حساب "صالح محمد العراقي"، الذي يعرّف بأنه وزير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على حسابه بموقع "تويتر"، بياناً تحدث فيه عمّا سماه بالاتفاق بين "البعث وداعش وبعض المندسين"، لتنفيذ هجمات على مراقد، مطالباً مليشيا "سرايا السلام" بالنفير والحذر. وعقب ذلك، شهدت مدن النجف وكربلاء وذي قار والبصرة وميسان والقادسية وبابل وسامراء، فضلاً عن العاصمة بغداد، انتشاراً واسعاً للمسلحين الملثمين، يستعرضون بأسلحة مختلفة، بينها قاذفات مضادة للدروع ومدافع هاون وأسلحة رشاشة متوسطة وخفيفة، على مرأى من قوات الجيش والشرطة، التي تجنبت الاحتكاك بهم، فيما انسحب بعضها من مناطق تمركز المليشيا. لكن الأكثر خطورة كان المتعلق بالاعظمية، إذ نزل مسلحو التيار الصدري إلى المدينة، واستعرضوا أمام جامع الإمام أبو حنيفة النعمان، ما خلق حالة من التوتر في المنطقة، التي عرفت في السنوات السابقة أحداثاً مماثلة تفجرت عنها فتن وأزمات كبيرة ذات طابع طائفي.
وفي حديث خص به "العربي الجديد"، قال المتحدث باسم "سرايا السلام" صفاء التميمي، إن "الانتشار، والدخول في حالة الجهوزية، مبني على معلومات دقيقة وليس على تكهن". وأشار إلى أنهم سيسلمون المعلومات للقوات الأمنية من أجل أن تتحرك للتصدي لأي عمل إرهابي يهدد النجف وكربلاء وبغداد. وأضاف "المعلومة التي وصلت إلينا، كانت بمستوى مهم جداً، وليست معلومة اعتيادية. ولهذا كان يجب أن يكون هناك تحرك سريع، وبدون انتظار، من قبل عناصر سرايا السلام. كما أن انتشار عناصر السرايا لم يشهد أي مشاكل مع القوات الأمنية أو المواطنين. وهذا الانتشار منع حصول خروقات أمنية في بغداد والنجف وكربلاء". واعتبر أن "انتشار عناصر السرايا جاء من أجل دفع التهديد الإرهابي عن بغداد والنجف وكربلاء، ولم يكن هذا الانتشار من أجل أي رسائل سياسية أو غيرها".
خلق استعراض مسلحي التيار الصدري في الأعظمية حالة من التوتر في المنطقة
واعتبر النائب باسم الخشان أن ما جرى ببغداد ومدن جنوبي العراق رسائل سياسية للقوى المنافسة، تحديداً من المكون العربي الشيعي وللناشطين المدنيين. وقال الخشان، لـ"العربي الجديد"، إن "ما حصل مساء الإثنين، يؤكد مدى سيطرة وهيمنة السلاح المنفلت على الشارع، وهذا السلاح بكل تأكيد سيكون له دور في التأثير على الانتخابات البرلمانية المقبلة والتلاعب في نتائجها من خلال عمليات الترهيب والتهديد بهذا السلاح". وأضاف أن "ما حصل سيدفع الأطراف السياسية الأخرى، التي تملك مليشيات مسلحة إلى الرد على الاستعراض المسلح باستعراض مماثل، حتى تُبين مدى قوتها هي أيضاً ومدى سيطرة قواعدها الشعبية على الشارع. ولهذا الصراع الانتخابي الجديد ربما يكون هذه المرة عبر السلاح المنفلت، وهذا يشكل تهديداً حقيقياً للسلم الأهلي والمجتمعي".
من جهته، وصف عضو التيار المدني والناشط أحمد حقي "حركة الصدريين" بأنها "استعراض قوة أمام مكونات البيت السياسي الشيعي والفصائل المسلحة الأخرى، وأمام الناشطين الذين يعتبرهم الصدر تهديداً لمناطق شعبيته في الجنوب العراقي". وشرح، لـ"العربي الجديد"، بأن "الاستعراض المبني على معلومات مفتعلة، وبرد فعل غير منطقي من ناحية العلوم الأمنية لإحباط اعتداء إرهابي على أقل تقدير، يأتي بعد أيام من مناوشات حادة بين الصدريين ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي لمّح إلى سعيه للعودة لرئاسة الحكومة المقبلة، فضلاً عن تزامنه مع سلسلة عمليات استهداف للناشطين المدنيين من قبل أتباع الصدر، يبدو أنها بأوامر مباشرة منه". وأوضح أن "عدداً غير قليل من الناشطين لم يبيتوا في منازلهم خوفاً من انتشار الصدريين، وحكومة الكاظمي عاجزة عن حماية نفسها، لذا لا يُنتظر منها شيء لحماية الناشطين، أو أي شخص يحاول التحدث بحرية عن الوضع المزري الراهن".
وحول ذلك، اعتبر الخبير بالشأن السياسي العراقي مجاهد الطائي أن استعراض القوة من قبل مليشيات الصدر (سرايا السلام)، "جاء بناءً على افتراض لم تؤكده السلطات المعنية بوجود تنسيق بين داعش والبعث لضرب المراقد المقدسة". وأوضح أن "ما حصل استعراض مكرر يرغب الصدر بأن يظهر فيه بمظهر حامي المذهب والمراقد، وكطرف يحول دون وقوع هجمات مفترضة. لكن في الحقيقة انعكاس هذا الاستعراض سيكون على القوى السياسية المنافسة، والتي بدأ بعضها بالتلميح أو التهديد بعودة الإرهاب، بالإضافة لخلق أجواء الحرب الطائفية بخطاب تصعيدي قبل الانتخابات. فهو استعراض مع من يريد توظيف أدوات العنف لحجز مقعد في المعادلة المتغيرة، والتي تتجه نحو التصعيد". واعتبر الطائي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما حصل هو تهديد مباشر لمن ينتقد التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، لأن أثر تظاهرات تشرين (أكتوبر/ تشرين الأول 2019) لا يزال مستمراً، ولا تزال جميع الشخصيات السياسية والزعامات الدينية تحت مشرحة النقد، وهو ما يريد التيار الصدري إنهاءه، بعد المشاركة الفاعلة في إنهاء التظاهرات وضرب وخطف واغتيال الناشطين".