الانتخابات الليبية والاستفتاء عليها: أوراق للضغط أم سعي للاستحقاقات؟

30 أكتوبر 2024
علم ليبيا على محطة نفطية وسط البلاد، 23 سبتمبر 2021 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يسعى المجلس الرئاسي الليبي، بدعم من حكومة الوحدة الوطنية، إلى تفعيل مفوضية الاستفتاء لطرح قضايا الانتخابات والمصالحة الوطنية للاستفتاء الشعبي، مع حشد دعم خارجي لضمان تفاعل الشعب.
- تعمل الحكومة على تطوير منظومة إلكترونية للاستفتاءات، تشمل قضايا الانتخابات والمصالحة، بهدف كسر احتكار القرار السياسي، رغم معارضة مجلس النواب الذي يعتبرها محاولة لسحب صلاحياته.
- يرى المحللون أن المفوضية ضرورية لتمكين الشعب، لكن يجب أن تكون مستقلة لضمان النزاهة، مع التأكيد على الشفافية وعدم التدخل الخارجي.

بينما لا يزال الجمود السياسي يسيطر على مشهد الأوضاع في ليبيا، يستعد المجلس الرئاسي بدعم من حكومة الوحدة الوطنية للدفع ببعض قضايا الاستحقاق للواجهة، في إطار المناورات والالتفافات التي تجريها الأطراف للحفاظ على مواقعها والضغط على خصومها بأوراق جديدة.

ومن بين الاستحقاقات الوطنية، الانتخابات والمصالحة الوطنية، اللتان يسعى المجلس الرئاسي للدفع بهما للواجهة من خلال مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني، التي أنشأها في أغسطس/ آب الماضي، حيث كشفت مصادر ليبية مقربة من المجلس الرئاسي استعداد المجلس لتفعيل المفوضية بطرح استحقاق الانتخابات والمصالحة للاستفتاء عليه من الشعب، وسط محاولات لحشد دعم خارجي، خاصة من جانب الأمم المتحدة، لهذه الخطوة.

ووفقاً لمعلومات أدلت بها المصادر ذاتها لـ"العربي الجديد" فإن اجتماعات بين مسؤولين في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية بصدد وضع اللمسات الأخيرة على منظومة إلكترونية لتكون نافذة الاستفتاء للمفوضية، للبدء في طرح ملفي الانتخابات والمصالحة من خلالها على الشعب ليعطي رأيه، بالإضافة للعديد من الأسئلة الأخرى المتعلقة برأي الشعب في أداء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة ووضعهما الحالي منقوص العضويات ووضع رئاستي المجلسين، وقضايا القوانين الانتخابية ومسودة الدستور الدائم. ويقوم فريق تقني تابع لوزارة الاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية بالتنسيق مع المجلس الرئاسي ببناء المنظومة الإلكترونية.

وبعد أن أصدر المجلس الرئاسي في 11 من أغسطس/ آب الماضي قراراً بإنشاء المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني، بمهام وصلاحيات تمكنها وتخولها طرح العديد من القضايا الأساسية والكبرى في الشأن السياسي على الشعب للاستفتاء عليها، أصدر قراراً آخر بتشكيل رئاستها وعضوياتها. وفي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أعلن المجلس الرئاسي عن اتفاق رئيسه محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، "على تفعيل مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني لضمان الحوكمة والرشد وضمان تفاعل الشعب مع القرارات السياسية والاقتصادية".

وفي الأسبوع الماضي ألمح الدبيبة، خلال كلمة له في احتفالية بمدينة مصراته، بعزم حكومته اتخاذ "خطوات" وصفها بـ"الحازمة" للوصول إلى إجراء انتخابات عامة في البلاد، دون أن يفصح عن شكل هذه الخطوات، وكرر العزم ذاته، خلال كلمته في افتتاح اجتماع مجلس الوزراء أول من أمس، ضد ما أسماه بـ"الحلول التلفيقية" للأجسام السياسية التي أكد أنها تحتاج "تجديد شرعيتها" في إشارة لمجلسي النواب والدولة، إذ قال "لن نسمح لمن فقدوا شرعيتهم منذ أكثر من عشر سنوات أن يفرضوا شروطهم على الشعب الليبي". وأكد الدبيبة أن حكومته "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام من يريد مصادرة إرادة الشعب الذي يجب أخذ رأيه في كل الحلول التي تحقق إرادته في إجراء" الانتخابات.

لكن قرار إنشاء المفوضية عارضه مجلس النواب بقوة منذ صدوره، إذ عارضها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، معتبراً أنها خطوة لسحب صلاحيات المفوضية العليا للانتخابات، كما أن عدداً من أعضاء مجلس النواب اعتبروا خطوة إنشاء المفوضية وسيلة للالتفاف لتحقيق المجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس لمصالحهما، خاصة بعد فشل المجلس الرئاسي في أن يكون طرفاً أساسياً في اختيار محافظ المصرف المركزي وأعضاء إدارته، بعد أن كان سبباً في تفجير قضية المصرف منتصف أغسطس/ آب الماضي.

وفي الوقت الذي يعتبر فيه الناشط السياسي فاضل الطويل أن إنشاء جسم كمفوضية الاستفتاء "خطوة ضرورة" تمكن الشعب من المشاركة وإبداء رأيه وتكسر احتكار مجلسي النواب والدولة للقرار السياسي، إلا أنه يشدد على أهمية استقلالها بأن "تتبع لجسم محايد كالمجلس الأعلى للقضاء على سبيل المثال، أما تبعيتها للمجلس الرئاسي أو غيره من أطراف الصراع فلن تحقق عدالة النتائج ونزاهتها".

ويرى الطويل في حديثه مع "العربي الجديد"، أن إجراء الاستفتاء من خلال منظومة إلكترونية "يعني علمه المسبق بأنه لا يستطيع فتح صناديق داخل مراكز استفتاء في أراضي سيطرة مجلس النواب وخليفة حفتر، ويعني ذلك علمه بأن النواب وحفتر يرفضان مسبقاً هذا الاستفتاء، ويعني أكثر أن المجلس الرئاسي لم يعد طرفاً محايداً كما يحاول أن يظهر نفسه بل طرف صراع بعد أزمة المصرف المركزي".

ويرجح الطويل أن الاستفتاء المعتزم إجراؤه "سيكون في شكل استبيانات إلكترونية للتأسيس عليها في تقارير ستصدرها المفوضية، ربما خطوة لخطوات تلحقها في طريق فرضها أمراً واقعاً، خاصة إذا حصلت هذه الخطوة على دعم خارجي ولو بالثناء والرضا عنها"، مضيفاً: "التحدي أمام المجلس الرئاسي الآن في كيفية وصوله إلى آليات مراقبة تضمن سلامة وحياد النتائج، عندها سيلقى الدعم الشعبي الذي سيكون أكثر قوة من الخارجي، ويثبت حياده بالفعل".

لكن ذلك لا يبدو ممكناً، وفق رأي الباحث في الشأن السياسي عيسى همومه، الذي يرى أن المجلس الرئاسي يسعى إلى أن يشغل مكان المجلس الأعلى للدولة، وآلية مفوضية الاستفتاء هي من وسائل التمكين لنفسه في هذا الموقع باعتباره طرفاً أساسياً أمام مجلس النواب، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإنصاف والنزاهة يقتضيان بأن تطرح المفوضية وضع جميع الأجسام السياسية الحالية، بما فيها المجلس الرئاسي نفسه، أمام الشعب للاستفتاء عليها، وهو ما لا يفكر فيه المجلس الرئاسي طبعاً، ولذا فالمفوضية وسيلة للتموضع في خريطة الصراع التي بقي المجلس الرئاسي بعيداً عنها لسنوات".

ويؤكد همومه أن ملف الانتخابات والمصالحة الوطنية استحقاقات "يستثمرها الجميع لمصالحه، لكن الجميع أيضاً لا يريدون إجراءها، فهم من رفضوا كل مبادرات الحوار، وشاركوا في عرقلة كل مسارات التقارب، وورقة البقاء بالنسبة لهم التأزيم ليس إلا، وفي هذا السياق يأتي إنشاء المفوضية لتصدير ملفات الاستحقاق كأوراق جديدة لمحاصرة مجلس النواب وتحجيمه، بعد أن نجحت أطراف في تحجيم مجلس الدولة الذي لم يعد له وجود إلا اسمه فقط".

ويستدرك همومه قائلاً: "نية وقصد المجلس الرئاسي في هذه الخطوة سيتبين عند نقطة أساسية، وهي تكثيف وجهته نحو الشعب بكامل النزاهة بطرح القضايا الأساسية ذات الصلة بالانتخابات بشفافية عالية، لا أن يختار قضايا بعينها للاستفتاء عليها بقصد إقصاء مجلس النواب فقط، ومن الضرورة بمكان أن لا يوجد للتدخل الخارجي أي وجود ولو كانت الأمم المتحدة ليكون القرار شعبياً خالصاً".

المساهمون