ستُجرى الانتخابات بصورة متتالية ومترابطة خلال 6 أشهر
من المقرر بحث ملف أمن الانتخابات في الضفة وغزة
مخاوف من احتمال منع إسرائيل إجراء انتخابات بالقدس المحتلة
عاد ملف المصالحة والتوافق الوطني من جديد إلى واجهة المشهد الفلسطيني، مع تبادل الرسائل بين حركتي "فتح" و"حماس"، والإعلان عن قرب إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مراسيم بمواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني. وبدأ الحراك الجديد، وفق ما أفادت مصادر لـ"العربي الجديد"، عقب فشل حوار القاهرة الأخير (في 16 و17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) الذي تزامن مع عودة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وبتدخّل من دول مختلفة أبرزها قطر وتركيا وروسيا في سبيل إنجاز المصالحة، ودخول مصر أخيراً الأجواء والتفاهمات التي تمّ التوصل إليها. من جهتها، رحّبت الحكومة الفلسطينية على لسان رئيسها محمد اشتية، أمس الاثنين، بالتطورات الإيجابية على صعيد الانتخابات والمصالحة. وأكدت جاهزيتها للتحضير للانتخابات.
تلقت "حماس" ضمانات من دول صديقة بإجراء كل الاستحقاقات الانتخابية
وكان الحوار قد توقف عند نقطة التتالي والتزامن في الانتخابات، وفق المصادر، إذ أرادت "حماس" أنّ تكون الانتخابات عامة وشاملة وفي وقت واحد، غير أنّ السلطة وحركة "فتح" أرادتاها متتالية، بدءاً بانتخابات المجلس التشريعي ومن ثم الرئاسة. وكانت تتجاهل الحديث عن انتخابات المجلس الوطني. ونتيجة لغياب الثقة بين الطرفين انفضّت جلسات حوار القاهرة بكثير من التشنّج وبالعودة إلى التراشق الإعلامي. لكن بعد أيام فقط، حصلت "حماس" على ما كانت تنتظره: وعود من دول صديقة تؤكد إجراء السلطة الفلسطينية كل الاستحقاقات الانتخابية، بدءاً من التشريعية، مروراً بالرئاسة، وصولاً إلى انتخابات المجلس الوطني، وذلك في مدة أقصاها ستة أشهر، وفق مصادر "العربي الجديد". وفي كثير من الأوقات، كانت "حماس" تخشى أنّ يتم اقتصار الخروج من الحالة الفلسطينية الراهنة بالذهاب إلى انتخابات تشريعية فقط، وهو ما يعني نزع الشرعية عنها، لا سيما أنها صاحبة الأغلبية في آخر انتخابات برلمانية في عام 2006.
ومع عودة الترتيبات الخاصة بالانتخابات، يبقى إصدار عباس مراسيمها عقب دعوة لجنة الانتخابات المركزية لبحث تفاصيل إجرائها. غير أنه تبقى الكثير من العقبات أمام إجرائها، وإذا لم تخضع للنقاش الداخلي فإنها قد لا تتم. ومن أبرز هذه العقبات، محكمة الانتخابات التي لم تنجز، والأمن المشرف على تنفيذها ومتابعتها، في ظل عدم اعتراف السلطة الفلسطينية بأمن غزة الذي تديره "حماس"، وهامش الحرية الممنوح للطرف الآخر، لا سيما لـ"حماس" في الضفة الغربية، إضافة إلى عقبات خارجية متوقعة أبرزها رفض الاحتلال الإسرائيلي إجراء الانتخابات في القدس المحتلة.
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية قد أطلّ، مساء أول من أمس الأحد، معلناً أنه تلقى رسالة خطية من عباس بالتزامه بإجراء الانتخابات، وتحقيق مبدأ الشراكة الفلسطينية في بناء المؤسسات الفلسطينية "كشعب واحد ووطن واحد وقيادة واحدة وقرار واحد". وذكر هنية في كلمته أنّ حركته مستعدة لاستئناف الحوار الفلسطيني وإنجاز اتفاق وتفاهم فلسطيني لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني بالتوالي والترابط. وأشار إلى أنه "يجب أن تنتهي العملية الانتخابية الديمقراطية والحرة والنزيهة في غضون ستة أشهر، وبضمانة الدول الشقيقة ورعايتها ومتابعتها". وشدّد على أنّ تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام "هدف سامٍ يسعى إليه الجميع، وننتظر لحظة الإعلان الحقيقي عن إنجاز اتفاق وطني فلسطيني يدشن هذه المرحلة، وينهي هذا الانقسام"، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ حركته "تجاوبت مع كل المحاولات السابقة لإنهاء الانقسام".
وعن هذا التطور، أعرب القيادي في حركة "حماس" في الضفة الغربية وصفي قبها، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن أمله في أن يلتقط عباس وحركة "فتح" الموافقة التي أبدتها حركة "حماس". ودعا إلى الإعلان الفوري عن موعد محدد لإجرائها، لما ستشكله تلك الانتخابات من فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني.
وأكد قبها أن "حماس تُصرّ على إنجاز الوحدة الوطنية وصولاً إلى تجديد الشرعيات الفلسطينية. وقد سعت جاهدة لتذليل العقبات في طريق تحقيق ذلك، إذ كانت قد اشترطت في حوارات المصالحة أن تتم انتخابات المجلسين الوطني والتشريعي والرئاسة متزامنة وليست بالتتابع. وكانت هناك موافقة أولية من حركة فتح، إلا أنها سرعان ما تراجعت لا سيما بعد فوز جو بايدن بالانتخابات الأميركية، وما تلا ذلك من عودة التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، ما أعاد وضع العقبات في طريق المصالحة". وكشف أن "دولاً عربية وإسلامية وصديقة معروفة بمواقفها الإيجابية من القضية الفلسطينية، مثل تركيا وروسيا وقطر والأردن ومصر، تدخلت، ما أفضى إلى أن تتراجع حماس عن شرط التزامن لإجراء الانتخابات، على أن تُجرى بالتتابع وخلال فترة زمنية محددة بستة أشهر كما كان متفقاً عليه في السابق. وحصلت الحركة على ضمانات تتعلق بالمراقبة والإشراف على الانتخابات وضمان النزاهة والعدالة".
وأكد قبها أن الكرة الآن في ملعب عباس، إذ يُنتظر منه إصدار المراسيم الثلاثة المطلوبة في مواعيدها المحددة، مشيراً إلى أن الانتخابات ستكون بالنظام النسبي الكامل، إذ إن الأطراف قد اتفقت على ذلك في السابق. وأكد أن "المصلحة الوطنية العليا هي التي ستحدد شكل الانتخابات المقبلة، سواء كان بقوائم مختلفة أو من خلال قائمة وطنية واحدة أو من خلال تحالفات فصائلية، والحديث هنا سابق لأوانه".
وكان هنية، قد وجّه رسالة لعباس أبلغه فيها بموقف "حماس" الجديد، بإجراء انتخابات المجلس الوطني والمجلس التشريعي والرئاسة على قاعدة التوالي والترابط في مدة أقصاها 6 أشهر. وعليه، قرر عباس دعوة رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر، لبحث الإجراءات الواجبة الاتباع لإصدار المراسيم الخاصة بالانتخابات وفق القانون.
من جهته، كشف الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هنية وجّه لهم نسخة من الرسالة التي أرسلها لعباس، مؤكداً أن ما جاء فيها يتطلب الإسراع بإصدار المرسوم الرئاسي بالانتخابات الثلاثة مع تحديد مواعيد لها. وجدد البرغوثي طرح رؤيته للحل المتمثل بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، تهيئ الأجواء لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وضمان استقلاليتها، الذي سبق للمبادرة أن قدمته في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وحظي بموافقة الفصائل والقوى الفلسطينية. لكن في المقابل، عبّر البرغوثي عن قلقه من عودة الحديث عن نظام الكوتا والقوائم الموحدة، لأنها تلغي حق الشعب بالاختيار. وقال: "يجب أن تتاح الفرصة للشعب لانتخاب من يراه قادراً على تحقيق أهدافه بالتحرر والخلاص من الاحتلال ومعالجة الملفات الداخلية الشائكة، ولا نرى أن خوض الانتخابات بقائمة موحدة سيلبي تلك الرغبات، ومع هذا فلو اتفقت حماس وفتح على ذلك، فهذا لا يلزمنا".
الانتخابات قد لا تكون الأداة الأمثل للوصول إلى وحدة وطنية فلسطينية حقيقية
ويأمل الشارع الفلسطيني أن تكون رسالة هنية وردّ عباس، ومن ثم الإعلان عن السعي لإنجاز الانتخابات الفلسطينية المعطلة في أقرب وقت، تطوراً إيجابياً يفضي إلى إنهاء الانقسام، لا سيما في ظل الظروف المعقدة إقليمياً وعربياً ودولياً، المدعومة بتنامي حالة التطبيع ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية. غير أنّ التخوف يبقى قائماً، وهو ما ظهر من آراء فلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لم يبدوا كثيراً من التفاؤل، لا سيما أنها ليست المرة الأولى التي يجرى الاتفاق فيها على مثل هذه الخطوة. ومع التمنيات الفلسطينية بنجاح هذه الخطوات كمرحلة أولى لإنهاء الانقسام، فإنّ هناك مخاوف من أن فشل هذا الأمر سيكرس الانقسام السياسي والجغرافي لفترة أطول.
ويتوافق هذا الرأي مع حديث المحلل تيسير محيسن، لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "البيئة السياسية سواء كانت على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي لا تعطينا مؤشراً جدياً وحقيقياً بأننا ذاهبون لإجراء الانتخابات". ورأى أن هناك جملة من الألغام في مسار الانتخابات لم يتفكك منها شيء حتى الآن، لكنه شدّد على أنّ الكرة في ملعب الفلسطينيين هذه المرة، لتأكيد قدرتهم على الذهاب بهذا الخيار حتى النهاية. ولفت إلى أنّه في حال أصدر عباس مراسيم الانتخابات، وجرى تذليل العقبات المحلية أمامها، فإن الخطوة الأولى تكون قد بدأت، منبهاً في الوقت نفسه إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي قد يمانع إجراء الانتخابات في القدس المحتلة، وأنّ على الفصائل والسلطة أنّ تتجهز لمعركة دولية تدفع الاحتلال لعدم عرقلة الانتخابات.
وعلى الرغم من أنّ محيسن استبعد أنّ تكون الانتخابات من حيث المبدأ هي الأداة الأمثل للوصول إلى وحدة وطنية فلسطينية حقيقية، إلا أنه أوضح أن الفصائل والقوى، طالما ارتضت فيما بينها الاحتكام إلى صندوق الانتخابات، فعليها تحمل النتائج فيما بعد. وأكدّ أنّ التوافقات الوطنية وبناء النظام السياسي بكل جزئياته هي السبيل الأمثل للوصول إلى حلول جدية للحالة الفلسطينية الراهنة، محذراً من الاجتزاء والفصل ما بين منظمة التحرير ككيان مستقل لا ينبغي اعادة بنائها وبين السلطة، فالمطلوب فلسطينياً هو إعادة بناء النظام السياسي بشكل كامل، سواء السلطة أو المنظمة.