رغم الإجماع المقدسي على ضرورة المشاركة في الانتخابات الفلسطينية، بعد المرسوم الرئاسي بشأن تحديد موعد إجرائها، إلا أن وضع الاحتلال عراقيل بشأن تصويتهم داخل المدينة المحتلة، بات التحدي الأكبر، وجب مواجهته فلسطينياً بحزم، وممارسة ضغوط أميركية ودولية على إسرائيل لتمكين المقدسيين من المشاركة بالعملية الانتخابية.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أصدر مرسوماً، أخيراً، بشأن الدعوة لإجراء الانتخابات العامة. وبموجب المرسوم ستجرى الانتخابات التشريعية في 22 مايو/أيار المقبل، على أن تُجرى الرئاسية في 31 يوليو/تموز المقبل. وجاء في المرسوم أيضاً أنه "تُعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي بمثابة المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، على أن يتم استكمال المجلس الوطني في 31 أغسطس/آب المقبل، وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية".
عبد القادر: السلطة تراهن على ضغط دولي على إسرائيل للسماح بمشاركة المقدسيين في الانتخابات
يشدد القيادي في حركة "فتح" في القدس المحتلة حاتم عبد القادر، في حديث مع "العربي الجديد"، على عدم وجود تصورات لدى السلطة الفلسطينية، أو لجنة الانتخابات المركزية حول آلية مشاركة المقدسيين بالانتخابات، محذراً من تعذر مشاركة المقدسيين فيها. وبالنسبة لعبد القادر فإن مشاركة المقدسيين بالانتخابات أمر ضروري سواء بالترشح أو بالاقتراع. ويقول "يبدو أن السلطة تراهن على ضغط دولي على إسرائيل، سواء عبر دول أوروبية أو الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي (جو) بايدن، للسماح بمشاركة المقدسيين" في الانتخابات. ويضيف "لا مشكلة بإجراء الانتخابات في مراكز البريد، لكن يجب أن تكون القدس جزءاً لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية التي ستجرى عليها الانتخابات. وقد سبق للسلطة أن خاطبت الإسرائيليين حول طلب مشاركة المقدسيين في هذه الانتخابات، وحتى الآن لم تتلق أي رد، سلباً أو إيجاباً".
ويعتقد عبد القادر أن موقف الاحتلال، بعد اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس "عاصمة" لإسرائيل، من مشاركة المقدسيين بالانتخابات سيكون أكثر تصلباً، لكنه يؤكد أن "هذا لا يعني أن نستسلم. لا يمكن إجراء الانتخابات دون مشاركة المقدسيين". وحول حجم مشاركة المقدسيين بالانتخابات إن سمح الاحتلال بذلك، فإن عبد القادر لا يعتقد بوجود حماس كبير لديهم للمشاركة، نظراً للإهمال الذي مارسته السلطة بحقهم ومدينتهم على مدار 15 سنة. ورغم ذلك فإنه يدعو المقدسيين للمشاركة الواسعة بالانتخابات، لأنها سياسية وتعزز صمودهم، وتلغي أي دعوات للسيادة الإسرائيلية على المدينة المحتلة.
بدورها، تصف عضو المجلس التشريعي السابق جهاد أبو زنيد، في حديث مع "العربي الجديد"، الانتخابات بأنها أمل كل الفلسطينيين في إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة وتماسك الجبهة الداخلية. وتؤكد على أهمية مشاركة المقدسيين فيها، موضحة أنه "بدون مشاركتهم لن تكون انتخابات. هذا قرار فلسطيني وطني لن نتخلى عنه، والقيادة كذلك، رغم استبعاد موافقة إسرائيل دون ضغط أميركي ودولي". وتتوقع في المقابل عزوفاً كبيراً من المقدسيين عن هذه الانتخابات، خاصة لدى شريحة الشباب، بسبب شعورهم بالغربة حيال السلطة الفلسطينية التي لم تقدم لهم شيئاً. وتقول: "مع ذلك علينا في القدس أن نعمل بقوة لرفع قيمة الانتخابات والمشاركة بها، ومواجهة تحدي الاحتلال الذي سيحاول تخويف المقدسيين من المشاركة" فيها.
توقعت أبو زنيد عزوفاً كبيراً من المقدسيين عن هذه الانتخابات خاصة لدى شريحة الشباب
أما عضو المجلس التشريعي السابق برنارد سابيلا فيشير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاتفاقات السابقة حول حق المقدسيين بالمشاركة بالانتخابات "لم تعد فاعلة، حيث وضعت إسرائيل العراقيل أمام لجنة الانتخابات المركزية لتسجيل الناخبين". ويوضح أن الموافقة السابقة لمشاركة المقدسيين جاءت بعد تدخلات أميركية وأوروبية، و"هذه الأيام نتوقع ألا تحترم إسرائيل الاتفاقية وتمنع المقدسيين من حق الاقتراع". ويرى سابيلا أنّ حق المقدسيين في المشاركة بالانتخابات "مقدس. ومدى المشاركة تعتمد على العراقيل التي ستضعها إسرائيل أمامهم للوصول إلى مراكز الاقتراع. إنّ مكاتب البريد في البلدة القديمة من القدس ومحيطها ستكون مغلقة أمام المقدسيين ما لم يكن هناك ضغط دولي بهذا الخصوص". ويشدد على أن "الانتخابات استحقاق للشعب الفلسطيني، والمقدسيين جزء لا يتجزأ من هذا الشعب، ومشاركتهم، سواء كانوا مرشحين أو ناخبين، جزء من هذا الاستحقاق. ولا يمكن تصور وجود خطط تنموية ومستقبلية لفلسطين دون أن تكون القدس، بامتداداتها السكانية والجغرافية والدينية، أساس فيها. فالمشاركة الانتخابية للقدس وأهلها تصب في الرؤية الفلسطينية لمستقبل نضمن فيه التكامل بين شتى أوصال الوطن وتبقى القدس في القلب".
البرامج الانتخابية للقوائم المتنافسة في الانتخابات ومدى جدية طروحاتها لقضايا وتحديات المدينة، يرى سابيلا أنها ستؤثر أيضاً على مدى إقبال المقدسيين على المشاركة بالانتخابات. ويقول "رغم المعوقات التي تضعها إسرائيل، فإن شعور المقدسيين بأنّ همومهم وقضاياهم محور البرامج الانتخابية سيساهم في عزيمة أهل القدس للاقتراع رغم كل العراقيل". أما المحلل السياسي والإعلامي راسم عبيدات فيقول، لـ"العربي الجديد"، إن "المطلوب من السلطة والفصائل أن تكون واضحة حيال جاهزيتها لفتح معركة سياسية واحدة مع الاحتلال، ولو لمرة واحدة، وتقول للاحتلال ودول العالم إن القدس مدينة محتلة، ومن حق سكانها المشاركة في العملية الانتخابية في أماكن سكنهم، وأن تمارس لجنة الانتخابات المركزية صلاحياتها في المدينة".
ويتساءل عبيدات حول إمكانية الطلب من دول الاتحاد الأوروبي ترجمة مواقفها وشعاراتها إلى فعل على أرض الواقع، لكي يمارس المقدسيون حقهم في التصويت في مدينتهم، أم أن أقصى ما ستقدمه تلك الدول هو تجهيزات لوجستية ودعم مادي للجنة الانتخابات المركزية؟ كما يتساءل عما إذا كان المجتمع الدولي سيمنع إسرائيل من اعتقال المرشحين من مدينة القدس أو عدم القيام بطردهم إلى خارج ما يسمى بحدود بلدية القدس، كما حصل مع مرشحي كتلة "الإصلاح والتغيير"، المحسوبين على حركة "حماس"، والذين فازوا في الانتخابات التشريعية قبل 15 سنة؟ وهل سيفرض المجتمع الدولي عقوبات على إسرائيل لتكون دولة تحت سيادة القانون الدولي؟ وفي ما يتعلق بحجم مشاركة المقدسيين في هذه الانتخابات، يقول عبيدات "ستدخل عوامل كثيرة في مشاركتهم أو عدمها أو انخفاض نسبة المشاركة، أهمها أن الاحتلال الإسرائيلي سيجند آلته الإعلامية لتخويف المقدسيين لثنيهم عن المشاركة بالانتخابات".
يتوقع مازن الجعبري أن يكون هناك عزوف عن المشاركة من قبل الأغلبية المستقلة
ويوضح مدير دائرة "تنمية الشباب" في "بيت الشرق" مازن الجعبري، لـ"العربي الجديد"، أن المشهد بالنسبة إلى المقدسيين سيكون واحداً في الانتخابات، من خلال القوائم على مستوى الوطن، وخاصة قائمة "فتح" و"حماس"، وبالتالي لن يكون هناك سيناريو لقائمة على مستوى القدس خارج الحركتين. ويعرب عن اعتقاده بأن نسبة مشاركة المقدسيين في الانتخابات الفلسطينية ستكون قليلة مقارنة بالانتخابات السابقة، وذلك بسبب تهميش قضية المدينة إثر توقيع اتفاق أوسلو، والشكل الرمزي لمشاركتهم بالانتخاب في مبنى البريد الإسرائيلي، ثم بسبب التزامات السلطة الفلسطينية بعدم العمل في القدس. كما يعتقد أنّ أغلب المشاركين في الاقتراع سيكونون من نشطاء التنظيمات الفلسطينية المشاركة في الانتخابات، وسيكون هناك عزوف عن المشاركة من قبل الأغلبية المستقلة، خاصة وسط القدس الذي يصارع فيها الفلسطينيون للبقاء فيه، جراء الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى إبعادهم عنها.
بدوره، يرى المحامي المقدسي حمزة قطينة، في حديث لـ"العربي الجديد"، عدة مؤشرات حول المشاركة الواسعة في الانتخابات المقبلة، أهمها مضيّ أكثر من 15 سنة على آخر عملية اقتراع، وتطلع الشعب الفلسطيني، خاصة المقدسيين، لتغيير الوضع القائم واختيار من يمثلهم. كما أن جائحة كورونا، وفق قطينة، قد تؤثر على سير العملية الانتخابية وحجم مشاركة المقدسيين فيها، إضافة إلى طبيعة البرامج الانتخابية والطريقة التي ستخوض بها الأحزاب والفصائل هذه الانتخابات. وبشأن البدائل الممكنة لمشاركة المقدسيين، يقول قطينة "أعتقد أن موضوع القدس وطريقة الاقتراع فيها لا بد أن يسبقه اتفاق بين جميع الفصائل على ممارسة دورها السياسي في المدينة كما كان سابقاً، وألا نتنازل عنه بأي صورة". ومن أجل ذلك، يشدد قطينة على أنه "لا بد للجميع أن يتوحد خلف مطلب واحد، وأن يمارس ضغطاً دولياً بكل الوسائل الممكنة بوجوب أن تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية في القدس. يجب أن يحصل ذلك دون أي تراجع عن هذا المطلب الذي هو حق أساسي للمقدسيين في المدينة التي تخضع للاحتلال حسب القانون الدولي".
يشار إلى أنه في العام 1996 سجل للانتخابات في محافظة القدس 80052 مقدسياً، صوت منهم 34001، أي بنسبة 42.47 في المائة. وفي الانتخابات الرئاسية عام 2005 سجل للانتخابات 59299 مقدسياً، صوت منهم 28059. أما الانتخابات التشريعية في 2006 فقد تسجل 48340 مقدسياً صوت منهم 41006 أشخاص.