الانتخابات الفرنسية: ميلانشون يهدد الأغلبية المطلقة لماكرون

19 يونيو 2022
حذّر ماكرون من "فوضى فرنسية" (فرانس برس)
+ الخط -

تحت شمس حارقة، حيث بلغت موجة الحرّ التي تضرب فرنسا ذروتها مساء أمس السبت، يتوجه الناخبون الفرنسيون، اليوم الأحد، للمرة الرابعة منذ العاشر من إبريل/نيسان الماضي، إلى صناديق الاقتراع، للتصويت في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، بعد دورة أولى جرت في 12 يونيو/حزيران الحالي، ودورتين لانتخابات الرئاسة في إبريل، أبقتا إيمانويل ماكرون في الإليزيه خمس سنوات إضافية.

ويتوجه الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع، منهكين، ليس فقط من ثلاث دورات انتخابية سابقة متقاربة، بل من ارتفاع حدة السجالات والملاسنات والتحريض الانتخابي، واستمرار شيطنة المتنافسين بعضهم لبعض، مع إفراز الرئاسيات لثلاثة أقطاب جدد، أصبحوا يحتكرون المشهد السياسي في البلاد: حزب ماكرون "الوسطي"، الجمهورية إلى الأمام (أو "النهضة")، اليسار الراديكالي بزعامة جان لوك ميلانشون، واليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان.

ويبدو فارقاً هذه المرة، ومنذ عقود، اختلاف أجندات هذه الأقطاب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، جذرياً، من دون أن تثير كثيراً حماسة الناخبين. وتخيّم على انتخابات اليوم، أيضاً، أخبار توقف ضخّ الغاز الروسي إلى فرنسا، لتذكّر الفرنسيين بالحرب الدائرة في أوكرانيا نتيجة الغزو الروسي لهذا البلد، وانعكاساتها المقلقة على اقتصاد بلادهم، وهو ما سعى أقطاب المعركة الانتخابية لتوظيفه في "نداء أخير" للتحذير من البرامج الاقتصادية لمنافسيهم.

يرجّح حصول حزب ماكرون على ما بين 255 و295 نائباً

وتفسّر نسبة الامتناع المرتفعة عن التصويت في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية لهذا العام، التي بلغت 52.49 في المائة، بالإحباط العام الشعبي من "الانحدار" السياسي الذي يرى الفرنسيون أن بلادهم وصلت إليه، معطوفاً على الأزمة الاقتصادية، فضلاً عن ضعف تقليدي لاهتمام الفرنسيين بالتشريعيات، مقارنة بانتخابات الرئاسة أو المحليات.

في ظلّ ذلك، يخشى ماكرون خصوصاً، وتحالفه "معاً"، مع حركة "موديم" الوسطية وحزب "آفاق" (إدوار فيليب)، من امتناع قياسي في الدورة الثانية، إذ إن جلّ المعركة، يدور حول حصول تحالفه على الأغلبية المطلقة، وتجنب الأغلبية النسبية التي ستفرض عليه الدخول في تحالفات ومساومات لتمرير مشاريعه الحكومية.

ويواصل ميلانشون من جهته، معركته لقيادة "اليسار" الجديد لفرنسا، بعد اضمحلال الحزب الاشتراكي، وتمكن تحالفه "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد" (نوبس)، المؤلف من حزب ميلانشون "فرنسا الأبية" والاشتراكي وحزب البيئة والشيوعي، في الدورة الأولى من مقارعة تحالف ماكرون، وتهديده.

ميلانشون وهاجس فرض التعايش الحكومي على ماكرون

وحصل تحالف "نوبس" على 25.78 في المائة من الأصوات، مقابل 25.75 في المائة لتحالف الرئيس، بحسب تعداد "فرانس أنفو" التي أضافت مرشحين من اليسار غير محسوبين على تحالف "نوبس" تمكنا من العبور إلى الدورة الثانية. ويحاول ميلانشون فرض تعايش حكومي على الرئيس الفرنسي، وفي أقل الأحوال، الحصول على مقاعد في الجمعية الوطنية تخوّله عرقلة المشاريع "الإصلاحية" لحكومة ماكرون، فيما تسعى لوبان لاحتكار "المعارضة الحقيقية" كما تقول، وتشكيل كتلة نيابية للمرة الأولى في البرلمان (أكثر من 15 نائباً).

ولم تحصل أي هدنة خلال الأسبوع الأخير قبل إيداع الفرنسيين أوراقهم اليوم في صناديق الاقتراع بالدورة الثانية، كذلك لم يحصل أي تنازل في تسعير الخطاب السياسي وصل إلى حد الابتذال من أجل الحصول على حفنة من أصوات الممتنعين في الدورة الأولى. وقاد ذلك ماكرون إلى إلقاء خطاب "انتخابي" من مدرج مطار أورلي، الثلاثاء الماضي، خلال توجهه إلى رومانيا ومولدافيا، ثمّ كييف، في رحلة "تضامن" مع أوكرانيا، اتهمه خصومه بتوظيفها لدواع انتخابية.

ودعا ماكرون الفرنسيين إلى منح فرنسا "أغلبية متينة" من أجل "المصلحة العليا للأمة"، وإلى "يقظة جمهورية"، متحدثاً عن "لحظة الخيارات الكبيرة التي لا يمكن أن تحصل بالامتناع". وطالب الفرنسيين بتحريك "الحسّ العام"، على "ألا يفوت أي صوت (اليوم الأحد) على الجمهورية". وفي تصويب على حركة ميلانشون، حذّر ماكرون من أن "لا شيء أسوأ من إضافة فوضى فرنسية إلى الفوضى العالمية".

وتدور المعركة الأساسية اليوم حول أصوات الممتنعين، خصوصاً بالنسبة إلى فريق الرئيس، الذي يخشى أن تفقده المعركة الأخيرة قبل الدخول فعلياً في الولاية الثانية، أغلبيته المطلقة في البرلمان (النصف زائداً واحداً أي 289 نائباً من أصل 577)، والحصول على أغلبية نسبية (أكبر عدد من النواب مقارنة بالأحزاب الأخرى)، غير مريحة لتمرير إصلاحاته الأساسية.

تدور المعركة الأساسية اليوم حول أصوات الممتنعين

ويملك حزب ماكرون في البرلمان المنتهية ولايته 306 نواب، بينما ترجح استطلاعات الرأي حصول حزبه في الدورة الثانية اليوم على ما بين 255 و295 نائباً. وتبدو لغة الأرقام دقيقة، بعد انتقال 5 مرشحين فقط من الدورة الأولى إلى الدورة الثانية، 4 منهم من فريق ميلانشون وواحد من "آفاق".

ورأى الباحث في معهد "سي أن آر إس"، برونو كوتريس، في حديث لمجلة "ليكسبرس"، أنه "إذا حصل الفريق الرئاسي على الأغلبية النسبية، يجب الانتباه إلى عدد المقاعد التي تنقصه للحصول على الأغلبية المطلقة: فإذا كانت أقل من 10، لن يكون صعباً عليه إيجاد أصوات ضرورية لتمرير أي مشروع، ولكن إذا كانت أكثر من 20 مقعداً، فهذا يعني أن جميع المسائل ستتعقد بالنسبة إليه".

تجييش لشيطنة ميلانشون

هكذا، بدا مفهوماً حجم التجييش الذي مارسه فريق ماكرون، لحسم المستقبل السياسي للماكرونية والليبرالية الصاعدة منذ 5 أعوام، وقطع الطريق على اليسار بما يعيد الروح إليه أولاً، وينعش آمال المراهنين على الإبقاء على نظام "الدولة الراعية" في وظيفتها التي اضطلعت بها منذ الحرب العالمية الثانية، وجعلت من الجمهورية متناوبة بين ديغولية مطعمة بمسيحية اجتماعية، أو يسارية مسكونة بديمقراطية اجتماعية، وهو أساس العقد الاجتماعي الفرنسي منذ 70 عاماً.

وصبّ هذا التجييش في شيطنة فريق ميلانشون، والتحذير من أن "ميلانشون يعني الفوضى"، وهو تحذير يجاريه فيه اليمين الوسطي الفرنسي (حزب الجمهوريين) الذي قد يحصل على ما بين 50 و80 مقعداً في البرلمان المقبل. ويجري ذلك عبر استعادة خطابات ميلانشون، ولا سيما دفاعه عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وانخراط روسيا في الحرب السورية، وأيضاً التحذير من رغبة ميلانشون في إخراج فرنسا من الاتحاد الأوروبي.

وأكد ميلانشون أن ذلك يدخل في إطار "الأخبار الكاذبة"، فيما لم يتوان فريقه عن الترويج لنيّة ماكرون رفع الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما كذّبه تحالف "معاً".

ولم تتوقف الأسئلة الاقتصادية والاجتماعية عن فرض نفسها في هذه الدورة من تشريعيات فرنسا، فيما وضعت نسبة التضخم القدرة الشرائية للفرنسيين كأولوية بحسب مراكز استطلاعات الرأي. ويتهم حزب ميلانشون، ماكرون، بالسعي لرفع ضريبة القيمة المضافة من أجل تمويل الـ80 ملياراً من اليوروهات لتمويل المشاريع الضرورية لإعادة نسبة التضخم إلى حدود الـ3 في المائة.

وفي هذا الإطار، يتوجه ميلانشون إلى ناخبي حزب لوبان من اليمين المتطرف، لحثّهم على "التصويت المفيد"، لمنع ماكرون من احتكار السلطة، كما إلى فئة الشباب التي يقول إنها "غاضبة"، لكنها تواصل الامتناع عن التصويت. وتعهد ميلانشون، الذي يطمح إلى فرض نفسه رئيساً للحكومة، بتثبيت أسعار المواد الأولية الضرورية ورفع الراتب الأدنى إلى 1500 يورو شهرياً، ومنح الشباب علاوة مالية شهرية والسماح للموظفين بالخروج إلى التقاعد في سن الـ60 مقارنة بماكرون الذي يريد تمديد سنوات العمل إلى 65.

وترجح استطلاعات الرأي أن يحصل تحالف اليسار الفرنسي على ما بين 150 و190 مقعداً، فيما قد يتمكن اليمين المتطرف (التجمع الوطني) للمرة الأولى من تشكيل كتلة برلمانية (قد تحصل لوبان على ما بين 20 و45 مقعداً مقابل 8 في البرلمان المنتهية ولايته).