كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي أُعلنت اليوم الإثنين، عن مفاجآت غير متوقعة لقوى سياسية عدة خسرت موقع الأكثرية، وذلك بعدما شهدت عملية الإعلان عن النتائج تخبطاً واضحاً لمفوضية الانتخابات العراقية التي غيّرت أكثر من مرة موعد الإعلان عن النتائج. وما أثار المخاوف من محاولات للتأثير على النتائج، الأنباء عن وصول زعيم "فيلق القدس"، إسماعيل قآاني، إلى بغداد في زيارة غير معلنة اليوم، وهو ما يبدو الدافع وراء تحذيرات زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، من تدخلات في هذه العملية. وكتب الصدر على "تويتر" عصر اليوم: "ما يميز هذه الانتخابات أنها جرت تحت إشراف أممي ودولي وقد تم إقرارها منهم. وعليه لا ينبغي التدخل في قرارات المفوضية أو تزايد الضغوط عليها، لا من الداخل ولا من بعض الدول الإقليمية والدولية، فالانتخابات شأن داخلي". وتابع: "ليكن واضحاً للجميع أننا نتابع بدقة كل التدخلات الداخلية غير القانونية وكذا الخارجية التي تخدش هيبة العراق واستقلاليته".
وأظهرت النتائج تحقيق "التيار الصدري" المركز الأول، تبعه تحالف "تقدم" التابع لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي، فيما خسرت قوى سياسية عدة موقع الأكثرية الذي كانت تتمتع به في البرلمان السابق، على غرار تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، الذي يمثل الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، وتحالف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. في المقابل، حققت القوى المدنية والشخصيات المستقلة نتائج مهمة وغير مسبوقة في النجف وكربلاء وذي قار وواسط، في مقابل خسارة شخصيات سياسية بارزة لهذه الانتخابات وفشلها في الحصول على مقعد انتخابي وبفارق كبير عن الفائزين. وجاءت هذه النتائج مفاجئة، بسبب مقاطعة الكثير من الأطياف المدنية والقوى المنبثقة عن تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، للاستحقاق الذي جرى أمس الأحد، والذي شهد عزوفاً كبيراً، باقتصار المشاركة على نحو 41 في المائة فقط من العراقيين الذين يحق لهم الاقتراع، وهو ما عزز التوقعات بأن يصب في صالح الوجوه الموجودة في الساحة السياسية والمليشيات ويسمح لها بالهيمنة على البرلمان.
خسرت قوى سياسية عدة موقع الأكثرية، على غرار تحالفي "الفتح" و"دولة القانون"
غير أن النتائج أظهرت أن خريطة البرلمان لن تسمح لأي كتلة بالانفراد في قرار تشكيل الحكومة أو تحديد رئيسها من دون تشكيل تحالف برلماني، وهو ما يرفع التوقعات بأن المعادلة الجديدة التي أفرزها استحقاق الأحد ستؤدي إلى جولات مفاوضات وتفاهمات واسعة للتوصل إلى صيغة لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما لا يتوقع أن يكون سهلاً. كذلك فإن النتائج أظهرت إمكانية حقيقية للمدنيين والقوى الجديدة الناشئة لمنافسة القوى الإسلامية المسيطرة على الساحة، كما طرحت تساؤلات عن صحة خيار العديد من المدنيين مقاطعة هذا الاستحقاق.
وأظهرت النتائج تصدّر "التيار الصدري" بزعامة الصدر الانتخابات، ولا سيما في المحافظات الجنوبية والوسطى، محققاً فارقاً واضحاً على أبرز منافسيه، وهم "دولة القانون"، و"الفتح"، في وقت تصدّر فيه الحزب الديمقراطي نتائج انتخابات المحافظات الكردية الثلاث ضمن إقليم كردستان (أربيل والسليمانية ودهوك)، بينما جاء تحالف "تقدم" التابع للحلبوسي، خلف "التيار الصدري". وحصل المدنيون والشخصيات المستقلة التي ترشحت من دون حزب أو كتلة سياسية على نحو 15 مقعداً، في أول حضور برلماني منذ عام 2003، على الرغم من مقاطعة غالبية القوى المدنية للانتخابات، من بينها الحزب الشيوعي والتيار المدني والبيت الوطني. وفي المجمل، لن تسمح تركيبة البرلمان الجديد لأي كتلة بالانفراد في قرار تشكيل الحكومة من دون تشكيل تحالف لا يقل عن أربع كتل فائزة، للحصول على صفة الكتلة الأكبر التي يمنحها الدستور حق تشكيل الحكومة، أو سيكون العراق أمام سيناريو انتخابات عام 2018، بالذهاب إلى حكومة توافقية تتفاهم عليها الكتل والقوى الرئيسة، بترشيح شخصية غير منتمية لأي من هذه الكتل لرئاسة الوزراء.
وعلى الرغم من حاجة التسليم بنتائج الانتخابات الحالية إلى ثلاثة أيام كما ينص عليه القانون، وهي مهلة المعترضين على النتائج لتقديم طعونهم قبل أن تصادق عليها المحكمة الاتحادية العليا في البلاد، وهو إجراء معمول به منذ عام 2006، لكن لم يسبق أن تسبّبت تلك المهلة بأي تغييرات في النتائج التي تعلنها المفوضية. إلا أن سياسيين ومراقبين عراقيين أكدوا أن المعادلة الجديدة التي أفرزتها الانتخابات ستحتاج إلى جولات مفاوضات طويلة لتشكيل الحكومة واختيار رئيس للجمهورية ورئيس للبرلمان، وهو ما لا يتوقع أن يكون سهلاً وقد يستمر بين شهرين إلى ثلاثة من الآن.
وصعدت قوى جديدة إلى البرلمان، أبرزها حركة "امتداد" المدنية بزعامة علاء الركابي، والتي رفضت الدخول في اتفاق المقاطعة السابق الذي أقرته القوى المدنية والعلمانية لهذه الانتخابات ومضت بالمشاركة. واعتبر مراقبون أن تقدّم "امتداد" أظهر خطأ خيار المقاطعة للقوى المدنية، وأن الفرصة كانت متاحة لخطف مقاعد برلمانية مهمة في البرلمان لو شاركت كل القوى المدنية في هذه الانتخابات، خصوصاً تلك التي تأسست بعد تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019.
صعدت قوى جديدة إلى البرلمان، أبرزها حركة "امتداد" المدنية بزعامة علاء الركابي
وقال عضو الحركة في بغداد الناشط أحمد العبودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات كانت فرصة لكن خيار مقاطعة أكثرية المدنيين لم يكن موفقاً، وسألناهم كيف تريدون أن نغير الواقع ولو بشيء بسيط ونقدم أنفسنا للشارع بأننا يمكننا قيادة الدولة أفضل، فلم يجب أحد منهم سوى عبر تمسّكهم بخيار المعارضة". وأضاف أن النتائج الحالية تفرض واقعاً سياسياً جديداً، من سماته وجود إمكانية حقيقية في المستقبل للمدنيين والقوى الجديدة الناشئة لمنافسة القوى الإسلامية الرئيسية التي تراجع عدد مقاعدها البرلمانية في معاقلها التقليدية، معتبراً أن "أولى فوائد الحراك المدني كانت تحقيق قوى سياسية مراجعات لنفسها واختيارها خطاً وسطياً آخر في محاولة لكسب الشارع مثل تحالف قوى الدولة، الذي بات يطلق عليه الآن القوى الوسطية أو الإصلاحية، ويتصدر حيدر العبادي وعمار الحكيم هذا الخط، ويقدم نفسه على أنه الأقرب للمدنيين اليوم ومطالب الشارع".
من جهته، أقر عضو تحالف "الفتح"، رزاق الحيدري، بما وصفه "سقوط زعامات وشخصيات سياسية وكيانات مهمة في العملية السياسية في هذه الانتخابات". وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "بعض القوى السياسية والنواب المنفردين بلغت المصاريف على حملاتهم الانتخابية أكثر من 5 ملايين دولار، ولكنهم مع ذلك لم يحظوا بأصوات تؤهلهم للحصول على مقعد في البرلمان، وهذا يدل على أن هذه الشخصيات باتت معزولة تماماً عن واقعها السياسي والاجتماعي، وعليها مراجعة حساباتها". ولفت الحيدري إلى أن "المهمة في المستقبل لن تكون سهلة، إذ سيعود الصراع من جديد بشأن تشكيل الحكومة، وحتى مع فوز التيار الصدري ككتلة كبرى في البرلمان العراقي، لكن هذا الأمر لن يجعل بقية الكتل غير المنسجمة مع مقتدى الصدر مكتوفة الأيدي، بل سندخل قريباً مرحلة جديدة وسلسلة من الاجتماعات وقد نصل إلى مراحل توتر حزبي كبير". وأوضح أن "الخروقات التي حصلت في الانتخابات كانت متوقعة في ظل وجود تنافس حزبي بين بعض الكيانات أخذ طابعاً غير نزيه، كما أن هناك محاولات كثيرة جرت للتأثير على إرادة الناخبين داخل مراكز الاقتراع من خلال مراقبي الكيانات الذين استعانت بهم مفوضية الانتخابات".
محلل سياسي: مقاطعة الانتخابات أضرّت بمشروع التغيير
من جهته، لفت الباحث والمحلل السياسي علاء مصطفى، إلى أن "القوى السياسية التقليدية تمكنت من المحافظة على وجودها، على الرغم من تراجع تمثيلها النيابي بشكل واضح وكبير". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القوى والوجوه السياسية الجديدة، مثل حركة امتداد المدنية، ستكون مصدر مشاغبة في البرلمان الجديد، وكان من المفترض أن تحصد قوى تشرين أكثر من 20 مقعداً، لكن مقاطعة الانتخابات أضرّت بمشروع التغيير، وهو ما سيؤدي إلى دخول العراق مرة جديدة في حالة من الاتفاقات السياسية والتسويات من أجل تشكيل الحكومة وفقاً لآليات المحاصصة".