يخيّم الحديث عن الانتخابات الرئاسية في سورية، والتي أعلن النظام عن موعد إجرائها في نهاية شهر مايو/أيار الحالي، على المشهد السياسي العام المرتبط بالأزمة السورية. وينظر السوريون، موالين ومعارضين، باستخفاف إلى هذا الاستحقاق، لكونه يهدف إلى إعادة التمديد لرئيس النظام بشار الأسد، لولاية رئاسية جديدة مدتها سبعة أعوام، على الرغم من تقديم عدد من الأشخاص، تخطى عددهم الـ50، ترشحهم للرئاسة إلى جانبه، في موقف هزلي. إلا أن استحقاقات سورية أخرى تبقى محطّ أسئلة مشروعة، لارتباطها بعملية الانتخابات هذه، بشكل أو بآخر، لا سيما مسار اللجنة الدستورية، المتوقف منذ أكثر من شهرين، والمتعثر منذ انطلاقته أساساً، إذ لم تفرز الجولات الخمس من أعمال اللجنة حتى الآن أي تقدّم في اتجاه صياغة مواد في الدستور الجديد، في ظلّ مماطلة وفد النظام من خلال وضع العراقيل وتمييع الوقت بهدف الوصول إلى انتخاباته الرئاسية من دون التوصل إلى صياغة دستور جديد للبلاد.
يصّر المجتمع الدولي على أن لا اعتراف بالانتخابات السورية دون إجرائها بموجب الدستور الجديد
استحضار اللجنة الدستورية بالتوازي مع الانتخابات، له مبرراته، لكون القرار الأممي 2254 للعام 2015 حول سورية، حسم مسألة الحلّ السياسي في البلاد، حين تضمن تدرجاً في تطبيق الحلّ، سميّ في ما بعد سلالاً رئيسية يجب الالتزام بها في هذا المسار، وفي مقدمتها هيئة حكم انتقالي، وكتابة دستور جديد للبلاد، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بموجب الدستور الجديد. ويعني ذلك أن لا شرعية دولية لهذه الانتخابات التي قوبلت بهجوم دولي وغربي، حتى قبل الإعلان عن موعدها، بالإشارة إلى عدم شرعيتها، لكونها لن تحصل بموجب دستور جديد لسورية كما يقتضي القرار.
وتفترض مماطلة النظام أن انتخاباته الرئاسية في مايو/ أيار، ستجري بموجب الدستور الذي فرضه في العام 2012، عبر استفتاء شكلي لم يحظ بمشاركة غالبية السوريين. من جهته، يصّر المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة والدول الفاعلة في الاتحاد الأوروبي، على أن لا اعتراف بالانتخابات دون إجرائها بموجب الدستور الجديد الذي تعكف على صياغته اللجنة الدستورية، وبإشراف مباشر من الأمم المتحدة.
ويوم الأربعاء، أعلن المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، أن الانتخابات الرئاسية في هذا البلد لا تدخل ضمن العملية السياسية. وقال بيدرسن، في جلسة لمجلس الأمن حول سورية: "نحيط علماً بأنه من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في سورية في 26 مايو/ أيار. تمّت الدعوة للانتخابات في ظلّ الدستور الحالي، وهي ليست جزءاً من العملية السياسية التي أنشأها قرار مجلس الأمن 2254". وأكد بيدرسن أن الأمم المتحدة "لا تشارك في هذه الانتخابات، وليس لديها تفويض للقيام بذلك. تواصل الأمم المتحدة التأكيد على أهمية التوصل إلى حلّ سياسي تفاوضي للصراع في سورية"، مشيراً في هذا الصدد إلى "أن القرار 2254 يفوض الأمم المتحدة بتسهيل عملية سياسية تتوّج بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة وفق دستور جديد، تدار تحت إشراف الأمم المتحدة بأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، مع جميع السوريين، بما في ذلك أعضاء الشتات المؤهلون للمشاركة".
وفي ما يخص اللجنة الدستورية، ناشد بيدرسن جميع أعضاء اللجنة احترام المصطلحات الواردة في الاختصاصات، لافتاً إلى الحاجة لضمانات تنفيذ الاختصاصات واستعادة الثقة وإحراز التقدم وفقاً لولاية اللجنة، لإعداد إصلاحات دستورية تحظى بدعم شعبي ووضع مسودة للدستور. وأكد ضرورة أن تكون الجولة السادسة من أعمال اللجنة مختلفة عن سابقتها، بحيث توضع أهداف وأساليب واضحة ذات مصداقية وتعاون معزّز بين رئيسي اللجنة (أحمد الكزبري عن النظام وهادي البحرة عن المعارضة) وخطط عمل مستقبلية. وجددت الولايات المتحدة في الجلسة ذاتها لمجلس الأمن موقفها الرافض للانتخابات، باعتبارها "مزيفة" و"لا تمثل الشعب السوري"، بحسب المندوبة الأميركية لدى المنظمة، ليندا توماس غرينفيلد.
وتبدو تطلعات المجتمع الدولي بعيدة المنال في المدى الزمني المنظور، إذ يتبقى أقل من شهر على إجراء الانتخابات التي ثبّت النظام موعدها في 26 مايو الحالي، في حين لم تنجز اللجنة الدستورية صياغة ولو مادة واحدة أو بنداً واحداً في مسودة الدستور الجديد. ويضع هذا الأمر جدوى الاستمرار بالمسار الدستوري بعد إجراء الانتخابات في ميزان أطراف اللجنة، لا سيما وفدي المعارضة والمجتمع المدني، بعدما حقّق النظام مبتغاه من المسار بكسب الوقت عبر المماطلة، والوصول إلى الانتخابات الرئاسية، على الرغم من مشاركته، شكلياً، في مسارات حلّ الأزمة.
وحول علاقة الانتخابات بمسار اللجنة ومدى جدوى الأخيرة بعد إجراء الانتخابات، يرى عضو القائمة الموسعة لوفد المعارضة، والمتحدث باسم هيئة التفاوض، يحيى العريضي، أنه "إذا سلّمنا بأن الانتخابات شرعية، وسيكون نادراً أن يعتقد عاقل أو صاحب ضمير بذلك، تكون اللجنة بلا قيمة". ويضيف العريضي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هيئة التفاوض وضعت شروطها للمشاركة في الجولة المقبلة، وأرسلتها إلى المبعوث الأممي لسورية غير بيدرسن رداً على اقتراحه"، لافتاً إلى أن "الشروط، والتي سُّميت محددات، تكرس لاشرعية ما يفعله النظام".
ومنتصف إبريل/ نيسان الماضي، أرسل بيدرسن، وهو المشرف المباشر على المسار الدستوري، أجندات تتعلق بالجولة المقبلة (السادسة) من أعمال اللجنة الدستورية إلى وفد المعارضة، والتي كشف العريضي أنه تمّ الرد عليها بشروط وصفها بالمحددات، لكنه فضّل عدم تفصيلها والحديث عنها الآن، إلى حين الرد عليها من قبل المبعوث الأممي.
وضع وفد المعارضة في اللجنة شروطاً سميت بالمحددات للمشاركة بالجولة المقبلة
من جهته، يعتبر عضو القائمة الموسعة لوفد المجتمع المدني في اللجنة الدستورية، القاضي أنور مجني، أن "الانتخابات لا علاقة لها باللجنة الدستورية، فهناك من يربط هذه الانتخابات باللجنة الدستورية بحيث إن ذهاب النظام للانتخابات يهدف إلى القضاء على اللجنة الدستورية، وهذا الأمر غير دقيق، فعمل اللجنة الدستورية مختلف تماماً، وهو في مكان آخر". ويضيف مجني في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اللجنة الدستورية هي جزء من تنفيذ القرار 2254، الذي يقضي بانتخابات رئاسية وفق دستور جديد، يشارك فيها جميع السوريين، بمن فيهم الذين في المهجر وبلدان اللجوء، وهذه غير الانتخابات المزمع إجراؤها الآن، ثم إن إجراء الانتخابات وتسهيل التمديد لبشار الأسد لسبعة أعوام ضمن مسرحية متكررة، لا يعني بقاءه في الحكم حتى العام 2028، لأن الدستور الجديد هو الذي يضع آلية السلطة، وهو الذي يحدد كيفية الانتقال إلى انتخابات رئاسية جديدة، بعد إقرار الدستور واعتماده".
لكن مجني يشير إلى أن التعثر الذي أصاب المسار الدستوري، والذي لا يزال مستمراً، سببه استباق خطوة قبل أخرى، بمعنى تجاوز الاتفاق السياسي، وحتى أي توافقات حقيقية، قبل الذهاب إلى اللجنة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يعتقد بأن الجولة المقبلة ستبدأ باتخاذ خطوات أكثر جدّية لجهة صياغة دستور جديد لسورية.
وفي 23 سبتمبر/أيلول 2019، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، عن تشكيل اللجنة الدستورية السورية، بعد حوالي 18 شهراً من ولادة فكرتها خلال مؤتمر سوتشي الروسي، أو ما عرف بـ"مؤتمر الحوار الوطني السوري" بداية العام 2018. وعقدت الهيئة الموسعة للجنة، والتي تضم 150 عضواً، 50 عضواً عن كلّ قائمة من القوائم الثلاث التابعة للنظام والمعارضة والمجتمع المدني، اجتماعاتها الأولى في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قبل إحالة نقاش الملفات والبنود الدستورية إلى هيئة مصغرة من 45 عضواً، 15 عضواً عن كل قائمة، في الجولات الأربع اللاحقة، والتي لم تفض جميعها إلى حدوث أي خرق لجهة كتابة مادة أو بند واحد من بنود الدستور الجديد، بسبب مماطلة وفد النظام.
ومع نهاية الجولة الخامسة الماضية، حمّل بيدرسن وفد النظام مسؤولية فشلها، معرباً عن خيبة أمله لذلك. وخلال تلك الجولة، وعلى هامشها، أدلى رئيس وفد النظام، أحمد الكزبري، بتصريحات إعلامية، مفادها أن حضور وفد النظام إلى اللجنة الدستورية، يأتي بهدف مناقشة مواضيع دستورية، وليس صياغة مواد دستورية، ما أكد نوايا النظام بالاستمرار في التعطيل حتى إفشال هذا المسار بشكل كامل.