الانتخابات التشريعية التونسية: رهان على المقاطعة لاستكمال محاصرة انقلاب سعيّد

12 ديسمبر 2022
من تظاهرة مناهضة لسعيّد نظمتها جبهة الخلاص، 15 أكتوبر الماضي (Getty)
+ الخط -

تتجه تونس إلى انتخابات تشريعية يوم السبت المقبل (17 ديسمبر/ كانون الأول الحالي)، وسط مقاطعة حزبية واسعة وحملات انتخابية وُصفت بالباهتة. ويشكل هذا الموعد آخر المحطات التي رتبّها الرئيس التونسي قيس سعيّد (لا سيما منذ إعلان "إجراءاته الاستثنائية" في 25 يوليو/ تموز 2021، وتعليق عمل البرلمان ثم حلّه وحل الحكومة)، ضمن خريطة طريق بدأها باستشارة إلكترونية حول أهم "الإصلاحات". واستمرت الاستشارة الإلكترونية منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وتواصلت حتى شهر مارس/آذار، ولم يشارك فيها إلا 534 ألف تونسي، تلاها استفتاء على الدستور أجري في 25 يوليو الماضي، وشارك فيه حوالي 30 في المائة من الناخبين، وسط تشكيك كبير من المعارضة في هذه الأرقام، على أن تشكل الانتخابات التشريعية آخر محطاتها.

أغلب أحزاب تونس تقاطع خريطة طريق سعيّد

وأعلنت أغلب الأحزاب التونسية التي كان يتشكل منها المشهد السياسي في البرلمان وخارجه، عن مقاطعتها كل هذه المراحل، رفضاً لمسار سعيّد بأكمله. وتعتبر هذه الأحزاب أن ما بُني على باطل فهو باطل، ولا يمكن المساهمة فيه.

وعلى هامش مسيرة احتجاجية كبيرة نظّمتها "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة، أول من أمس السبت، جدّد عضو الجبهة، جوهر بن مبارك، رفضهم لكامل المسار، بما فيه انتخابات السبت المقبل، مؤكداً أنهم في الجبهة "لن يعترفوا بكل المؤسسات المنبثقة عنها". وشدّد بن مبارك، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أن "جبهة الخلاص ترفض كل مسار الانقلاب بكل محطاته، بداية من الاستشارة الإلكترونية المغلوطة، والحوار المغشوش، والصياغة التفردية للدستور، والاستفتاء الفاشل، وصولاً إلى هذه الانتخابات المهزلة"، وفق تعبيره.

وليست "جبهة الخلاص" وحدها من اتخذت خيار المقاطعة، فهناك أيضاً أحزاب أخرى، من بينها حتى من دعت إلى المشاركة في الاستفتاء على الدستور والتصويت بـ"لا"، مثل حزب آفاق تونس، والتي تقاطع اليوم الانتخابات. وهناك تحالف حزبي مهم تشكل أساساً من أجل المقاطعة، وضمّ أحزاب التيار الديمقراطي، والتكتل من أجل العمل والحريات، والجمهوري، والقطب، والعمّال، التي كونت حملة مقاطعة الاستفتاء، ثم واصلت علمها في شكل تحالف حزبي دعا إلى مقاطعة ما سمتها بـ"المهزلة الانتخابية".

بيّنت نتائج الاستشارة والاستفتاء نجاح سلاح المقاطعة

وفي بيان مشترك منذ أيام، قال التحالف الخماسي إن "الغالبية العظمى من القوى السياسية والفعاليات المدنية عبّرت عن رفضها هذه المهزلة التي ستوظف أولاً كغطاء لإضفاء شرعية مزعومة على نظام الحكم الفردي الاستبدادي الذي يعمل قيس سعيّد منذ انقلاب 25 يوليو 2021 على إرساء أسسه، وثانياً للاستحواذ على تاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول (2011) الذي يمثل انطلاق الثورة التونسية التي لم يكن لسعيّد أي دور فيها لا من قريب أو بعيد". ولذلك، أكدت هذه الأحزاب أن "أولى مقدمات إنقاذ البلاد من هذه المنظومة الشعبوية، هو نزع الشرعية عن مؤسسات نظامها ومقاطعة مهزلتها الانتخابية".

تقارير عربية
التحديثات الحية

في موازاة ذلك، لم يدع الاتحاد العام التونسي للشغل، صراحة، إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية، السبت المقبل، بل بقي على موقفه السابق حين ترك الحرية للشغّالين في المشاركة في الاستفتاء على الدستور من عدمها. غير أن الأمين العام للمنظمة، نور الدين الطبوبي، قال في اجتماع نقابي يوم الجمعة الماضي، إنه لم "يعد يثق في هذا المسار"، في إشارة إلى مسار الرئيس قيس سعيّد، وهو ما اعتبره كثيرون تغييراً كبيراً في موقف الاتحاد.

أسئلة حول جدوى المقاطعة

ويطرح خيار المقاطعة أسئلة كثيرة حول جدواها وتأثيرها في الواقع الذي فرضه قيس سعيّد بالقوة، هو الذي يرغب صراحة في إقصاء كل الأحزاب، وتحجيم دورها إلى أن تتلاشى تدريجياً من المشهد. ويأتي ذلك وسط سؤال مركزي حول ما إذا كانت المقاطعة ستترك الساحة خالية أمام سعيّد، وما المربعات التي ستتحرك فيها مستقبلاً؟

الباحث زهير إسماعيل، وهو عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، ذكّر بأن "سلاح المقاطعة يأتي في إطار عدم اعتراف جانب من القوى السياسية بإجراءات 25 يوليو 2021 واعتبارها انقلاباً على الدستور والديمقراطية، ومن ثم فهي إجراءات فاقدة للشرعية".

واعتبر إسماعيل في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مَن رفض الأصل، رفض ما تفرّع عنه، والاستشارة والاستفتاء وكذلك الانتخابات المتوقعة، تمثل جميعها نتيجة من نتائج الانقلاب، وهذا من جهة الموقف المبدئي". أما من جهة الفعل السياسي، فتمثّل المقاطعة، وفق قوله، "جزءاً مما أسمته المعارضة مقاومة مواطنية في مواجهة الانقلاب بغاية استعادة المسار الديمقراطي". وشرح أن "هدف المقاطعة الأساسي محاصرة الانقلاب الذي لم يتسنّ لها إسقاطه خلال أشهره الأولى، وهو ما مكّنه من أن يصبح له برنامج وخريطة طريق لتنزيل فكرة البناء القاعدي مخاتلة، رغم ما يُنتقى لها من عبارات ملطفة أهمّها "الجمهورية الجديدة" لإخفاء حقيقتها السلطوية وطبيعتها المركزية وغربتها عن كل عملية إصلاح وتصحيح بنى عليها الانقلاب مشروعيته".

وأشار إسماعيل إلى أن "المقاطعة في طبيعتها فعل سالب مسندٍ إلى المعارضة، في مواجهة فعل موجب يأتيه الانقلاب من خلال تقدمه الحثيث في تجسيد برنامجه، ولذلك درَج الإعلام على مواجهة قادة المعارضة بتذكيرهم بعد سنة ونصف السنة على الانقلاب بأنّ سعيّد ماض في تنزيل مشروعه وتحقيق الأهداف التي أعلن عنها، ولم يكن من أثر لتظاهراتكم ولا لدعوات المقاطعة التي أطلقتموها". وأشار إلى أنه "غالباً ما تكون الإجابة: صحيح أن سعيّد يتقدم في تحقيق برنامجه، ولكنه يتقدم بالدولة والبلاد نحو الهاوية".

وعن تأثير المقاطعة في الواقع، لفت إسماعيل إلى أن هناك "تأثيراً فعلياً على نسبة المشاركة التي لم تبلغ في الاستشارة أكثر من 5 في المائة بحسب النتائج الرسمية المعلنة، ولم تتجاوز في الاستفتاء على دستور سعيّد 30 في المائة، وهي دون النسبة الدولية المتفق عليها بشأنها، بخصوص الاستفتاءات، وخصوصاً ما تعلق منها بالدساتير والقوانين المنظمة". ورأى أنه "لا ينتظر من المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة أن تتحسن هذه النسبة أيضاً، حيث لا أثر للانتخابات في الحياة اليومية".

وبرأي إسماعيل، فإن "هذه النسب المتدنية لم توقف الانقلاب وعبثه فعلياً". وخلاصة المشهد في الظاهر، وفق قوله، أن الانقلاب يفعل والمعارضة ترد الفعل، من دون أن ينجح رد الفعل في وضع حدّ للفعل". إلا أن للمشهد وجهه الآخر برأيه، وهو أن المعارضة خرجت من حرب المناجزة (الإسقاط الفوري للانقلاب) التي لم تنجح فيها، إلى حرب المطاولة (استنزاف الانقلاب)، وهي تدرك أن سلطة الانقلاب ليس في مقدورها أن تلجم الحريات رغم رغبتها في ذلك. وشدّد على أن "عشر سنوات من التمرين الديمقراطي تركت أثرها البالغ في الأنفس والمؤسسات، ولذلك في وسع المعارضة التحرك في مربعات واسعة للحريات لا يستطيع الانقلاب غلقها، وتتجه إلى مضايقته وملاحقته من خلال نقاط اشتباك مستدامة ولو كانت جزئية، منها ملف القضاء، وتترك الانقلاب ومنظومته يتآكلان في ظل الأزمة المالية الاقتصادية السياسية المركّبة".

عمر السيفاوي: خيار مقاطعة مختلف محطات أجندة سعيّد، نجح في تقليص مشروعيته وإظهار ضعف برنامجه وإفلاسه

من جهته، اعتبر المتحدث باسم حزب "حراك تونس الإرادة"، عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "خيار الأحزاب المعارضة في مقاطعة مختلف محطات أجندة سعيّد، نجح في تقليص مشروعيته وفي إظهار ضعف برنامجه وإفلاسه". وبرأيه، فإن هذا الخيار نجح "لأنه مبدئي في مقاطعة مسار استبدادي لا دستوري قائم على الانقلاب على المؤسسات الدستورية والانفراد بالسلطة". وبيّن أن "دليل صحة هذا الخيار هو الفراغ الذي يسود الساحة السياسية، فالمقاطعون هم من جعلوا من الانتخابات مهزلة، وبهذه الصفة فلا معنى لهذه الانتخابات ولا جدوى من الترشح لبرلمان بلا صلاحيات". ولفت إلى أن خيار المقاطعة "وضع نظام الاستبداد في امتحان عسير ليثبت نفسه عبر هذه الانتخابات". وشدد على أن المسار الحالي فاشل ولن تحقق الخريطة التي وضعها قيس سعيّد، بما في ذلك الانتخابات المقررة بعد أيام، أي استقرار.

بدوره، أعرب عضو المكتب السياسي لحزب ائتلاف الكرامة، زياد الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "سلاح المقاطعة موجع جداً سياسياً لسلطة الانقلاب على المستوى الدولي أكثر منه على المستوى المحلي، وهذا ما نجحت به المعارضة من خلال إسقاط المشروعية عن مشروع قيس سعيّد لدى الرأي العام الدولي". وأضاف أن هذا الوضع "جعل سعيّد يتحرك في مربع رد الفعل والغضب، ومنها محاكمة الرئيس السابق المنصف المرزوقي، ودعوته في حوار مباشر وزيرة العدل (ليلي جفال) لتتبّع المعارضة التي اتهمها بالخيانة والعمالة والاتجار بالمخدرات، وليس هناك أوضح من ذلك دليل على الألم الذي يشعر به من جرّاء المقاطعة".

وبيّن الهاشمي أن "النتائج الهزيلة للمشاركة في الاستفتاء بيّنت مدى نجاعة سلاح المقاطعة، فبعد كل التجاوزات واستعمال موارد الدولة ومؤسساتها من طرف سعيّد ومن معه لإقناع المواطنين وحثهم على المشاركة، إلا أن النتائج كانت صادمة جداً". واعتبر أن سلاح المقاطعة ينجح اليوم أكثر فأكثر، ورد فعل المرشحين وهيئة الانتخابات وسعيّد دليل واضح على نجاحه، بداية من مستوى الترشيحات التي عرفت مشاركة فلكلورية من المرشحين، والعزوف عن المشاركة في بعض المناطق، ما جعل الهيئة تعلن عن انتخابات جزئية بعد الانتخابات لسد الفراغ".

 

المساهمون