الانتخابات الإسرائيلية (3): ولاء أعمى لنتنياهو واليسار يتخلى عن أجندته

13 اغسطس 2022
نجح نتنياهو في تحجيم معارضيه داخل الحزب (جيل كوهان مغان/فرانس برس)
+ الخط -

نجح زعيم حزب "الليكود"، رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، في إقناع عشرات آلاف المنتسبين رسمياً للحزب، من خلال صفقات داخل المنظومة الحزبية وحملات دعائية شرسة، باستبعاد أعضاء الكنيست المشاغبين، ممن لم يبدوا ولاء أعمى لنتنياهو، خلال العامين الماضيين، وشككوا في لزوم بقائه في رئاسة الحزب، باعتبار هذا البقاء عائقاً أمام العودة للحكم.

"الليكود"... حزب الزعيم الأوحد

فقد بيّنت نتائج الانتخابات التمهيدية لـ"الليكود" التي جرت الأربعاء، ونُشرت رسمياً أمس الجمعة، دحر الوزراء البارزين الذين عارضوا نتنياهو، وفي مقدمتهم يسرائيل كاتس، ويولي إدلشتاين، إلى مواقع متأخرة على لائحة الحزب، تبقيهم في الكنيست لكنها تجردهم من مكانة رفيعة في صفوف الحكومة والحزب.

في المقابل، نجح من يمكن وصفهم بأصحاب الولاء الأعمى لنتنياهو، والغوغائيين، أمثال ميريت ريجف، ودافيد أمسالم بيطان، وإيلي كوهين، وأمير أوحانا، بالوصول إلى قاعدة الصف الأول في الحزب ولائحته الانتخابية. وهؤلاء تفوقوا على نتنياهو نفسه في قدح وذم الجهاز القضائي، والترويج لنظرية التآمر بين أقطاب الجهاز القضائي والنيابة العامة والإعلام ضد نتنياهو لإزاحته من الحكم فقط لكونه يقود معسكر اليمين.

نجح من يمكن وصفهم بأصحاب الولاء الأعمى لنتنياهو، والغوغائيين، بالوصول إلى قاعدة الصف الأول في حزب الليكود ولائحته الانتخابية

وتبيّن نظرة أولى إلى العشرة الأوائل في قائمة "الليكود" غياب من جرت العادة على تسميته في الساحة الحزبية الإسرائيلية بالحيروتيين الأصليين، أو أنصار زئيف جابوتنسكي التاريخيين، من أبناء الرعيل المؤسس لحركة "حيروت"، المنبثقة عن التنظيم الإرهابي، إيتسيل وأرغون، بقيادة كل من يئير شطيرن ومناحيم بيغن. وهم من عُرفوا في بدايات الثمانينيات بـ"أمراء الليكود" لكونهم أبناء قادة وأعضاء كنيست في "الليكود"، تمكن نتنياهو منذ تنافسه على زعامة الحزب أول مرة عام 1996 من هزيمتهم، ولاحقاً تصفيتهم داخلياً حتى تركوا الحزب كلياً، وكان آخر هؤلاء زئيف بيغن، نجل مناحيم بيغن.

ويتضح من مراجعة قائمة مرشحي "الليكود" لهذه الانتخابات، حجم النجاح الذي حققه نتنياهو في "تأديب" معارضيه داخل الحزب ودفعهم إلى مواقع متأخرة، مقابل مكافأة من أثبتوا ولاء أعمى له ولعقيلته سارة نتنياهو، مثل ميريت ريجف.

هذا الأمر حوّل "الليكود"، بنظر معارضي نتنياهو، إلى حزب الزعيم الأوحد، الذي يحدد فيه موقع العضو وفرص تقدمه سياسياً بمدى التصاقه بأجندة نتنياهو الشخصية، واستعداده لتقديم فروض الطاعة للقائد بغضّ النظر عن البرنامج الانتخابي أو السياسة التي يتبعها، ما دام خطاب الشعبوية السياسية المبني على التحريض ضد العرب والفلسطينيين وتمجيد الاحتلال، وذم اليسار والإعلام، يشكل وقوداً للمعركة الانتخابية.

انتخابات حزب "العمل"...غلبة للنشطاء الاجتماعيين

ومقابل نجاح نتنياهو بضمان لائحة مرشحين موالين له، في انتخابات تمهيدية مفتوحة، فقد أفرزت الانتخابات التمهيدية في حزب العمل، بقيادة ميراف ميخائيلي، قائمة انتخابية لا تمت بصلة أو أي علاقة لما كان يرمز له حزب العمل التاريخي، ودوره في بناء دولة الاحتلال وزراعة المستوطنات في الضفة الغربية وتمجيد عنصري الأمن والروح العسكرية. فقد جاء المرشحون في المقاعد الثمانية الأولى، المضمونة بحسب الاستطلاعات، من بين النشطاء الاجتماعيين في الحزب، من أعضاء الكنيست الشبان، وبدون أي مرشح له ماضٍ عسكري أو منصب أمني مرموق.

ففي المرتبة الأولى بعد ميخائيلي، جاءت عضو كنيست تدعى نوعاه لزيمي، وهي من النشطاء الاجتماعيين في الحزب، وتلاها رابي إصلاحي هو عضو الكنيست جلعاد كاريف المهتم بقضايا التهويد الديني ومحاربة المؤسسة الدينية الأرثوذوكسية. فيما حل وزير الأمن الداخلي الجنرال احتياط عومر بارليف، في الموقع الثامن (وهو غير مضمون بحسب الاستطلاعات)، والمتحدث العسكري السابق باسم جيش الاحتلال خلال حرب الخليج الأولى العقيد نحمان شاي، في الموقع الـ16.

تغيب قضايا الصراع عن أجندة حزبي اليسار في إسرائيل

وعدا عن كون رئيسة الحزب الحالية ميراف ميخائيلي، حفيدة الزعيم العمالي التاريخي يسرائيل كاستنر (الذي اغتيل عام 1957 بعد اتهامه بالتعاون مع النازية وتوفير شهادات لصالح ضباط نازيين في محاكم نورنبرغ الشهيرة) فإنه لا شيء يربط، بين حزب العمل التاريخي وبين قائمة مرشحيه للانتخابات الحالية. بل يبدو أن مرشحيه على اللائحة ملائمون لأن يكونوا على لائحة حزب ميرتس، الأكثر يسارية مثله، الذي فَقَد في السنوات الأخيرة هو الآخر أجندته السياسية ضد الاحتلال لصالح أجندة اجتماعية وحقوقية تختص بحقوق مجتمع الميم واللاجئين الأفارقة والمهاجرين، أكثر من اهتمامه بقضايا الأمن والسياسة ومناهضة الاحتلال.

ولعله من المفيد الإشارة إلى أن تغييب الصراع وقضاياه عن أجندة حزبي اليسار المتبقيين في إسرائيل، وهما العمل وميرتس، وتركيز الحزبين على القضايا الاجتماعية واليومية للمواطن الإسرائيلي، وقضايا غلاء المعيشة والأزمة السكنية، تأتي في ظل هيمنة خطاب اليمين الاستيطاني، وكونه عملياً الخطاب الوحيد السائد في باقي الأحزاب الإسرائيلية الأخرى، بما فيها حزبي الحريديم "شاس" و"يهدوت هتوراة". وبالتالي فإن "العمل" و"ميرتس"، يبحثان عن "أسباب البقاء" من خلال إبراز القضايا الاجتماعية والاقتصادية، بعيداً عن قضايا الصراع، مثل الاحتلال والاستيطان، أو الحديث عن التسوية وحل الدولتين.

في المقابل، فإن أشد مناهضي نتنياهو، وما يُعرف بمعسكر اليمين الآخر، الذي يشمل عملياً حزب يش عتيد بقيادة يئير لبيد، وتحالف كاحول لفان-تكفاه حداشاه بقيادة بني غانتس وجدعون ساعر، وحزب يسرائيل بيتينو بقيادة أفيغدور ليبرمان، لا يملكون أي برنامج سياسي بديل عن الذي يطرحه "الليكود"، باستثناء تصريحات متباعدة للبيد، من باب المراوغة لا غير، عن ضرورة منع "التدهور نحو حل الدولة الواحدة وفقدان الأغلبية اليهودية" بما يهدد "ديمقراطية إسرائيل"، وتحوّلها إلى دولة أبارتهايد.

والورقة الوحيدة التي يلوّح بها معارضو نتنياهو بأحزابهم غير الديمقراطية في طرق انتخاب مرشحيها، وتعيينهم من قبل قادة الحزب، هي تهم الفساد التي تلاحق نتنياهو، وخوفهم "من أثر نتنياهو" الهدام، في حال عودته، على سلطة القضاء والقانون في إسرائيل.

 

المساهمون