الانتخابات الإسرائيلية: نتنياهو يبحث عن أحصنة طروادة

20 مارس 2021
نتنياهو واثق من إمكانية تشكيله حكومة ولو حصل معسكره على 59 مقعداً (فرانس برس)
+ الخط -

ثلاثة أيام تفصل عن الانتخابات الإسرائيلية الرابعة التي تجري الثلاثاء المقبل، وسط عجز الاستطلاعات المختلفة عن رسم صورة لنتائجها المتوقعة بشكل ينهي حالة الجمود السياسي في إسرائيل ويخرجها من دوامة الانقسامات الداخلية، والصراع على إنهاء حكم رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو. فقد أظهرت الاستطلاعات الثلاثة الأخيرة التي نُشرت يومي الخميس والجمعة، وهي آخر استطلاعات يمكن نشرها بموجب القانون قبل يوم الانتخابات، استمرار التعادل بين المعسكرين الرئيسيين في إسرائيل، معسكر اليمين بقيادة نتنياهو، مقابل المعسكر المناهض له، من دون أن يتمكن أي من المعسكرين من الوصول إلى أغلبية 61 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست، لتشكيل حكومة جديدة.

وعلى الرغم من حالة المراوحة في قوة المعسكرين، إلا أن الاستطلاعات أبرزت أنه فيما تتواصل الانقسامات بين القوى الثلاث الرئيسية للمعسكر المناهض لنتنياهو والممثلة بأحزاب "ييش عتيد" بقيادة يئير لبيد الذي يحصل على 18-19 مقعداً، وحزب "تكفا حداشاه" بقيادة غدعون ساعر، الذي انهار في الاستطلاعات الأخيرة إلى 9-10 مقاعد بعد أن كان يحصد في البداية مع تأسيسه على 20 مقعداً، وأخيرا حزب "يمينا" بقيادة نفتالي بينت، الذي يأمل أن يحافظ على 11-12 مقعداً. وتدور الخلافات داخل هذه الأحزاب الثلاثة على مكانة الصدارة، ومن منها سيترأس المعسكر المناهض لنتنياهو على رأس الحكومة المقبلة.

لكن الانقسامات لا تقف عند هذه الأحزاب الثلاثة، إذ يبدو المعسكر المناهض لنتنياهو معلقاً أيضاً بموقف حزب "يمينا" ومدى التزام زعيمه نفتالي بينت بالبقاء في المعسكر بعد الانتخابات وعدم انتقاله إلى معسكر مؤيدي نتنياهو. وقد يحصل المعسكر التقليدي لنتنياهو المكون من حزب "الليكود" وثلاثة أحزاب دينية، اثنان منهما حريديان، والثالث هو الحزب الديني الفاشي "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسليئيل سموطريتش، الذي كرس فقط في الاستطلاعات الأخيرة فرص اجتيازه نسبة الحسم، على 51 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي. فقد روّج نتنياهو لحزب "الصهيونية الدينية" ودعا للتصويت له لضمان حكومة "يمين كاملة" أو "مليانة"، وفق التعبير الذي يستخدمه نتنياهو أخيراً.

مناهضو الليكود يخشون انتقال بينت إلى معسكر نتنياهو

 

ويحتد التنافس بين المعسكرين على أشده لكسر حالة التعادل الحالية في موازين القوى، إذ يكفي أن تنتقل بضعة آلاف من الأصوات إلى أحد المعسكرين لكسر حالة التعادل، بعد أن فشل نتنياهو على مدار العامين الأخيرين في تشكيل حكومة يمين مستقرة، فيما فشل المعسكر المناهض له في هزيمته، حتى بعد أن حصل هذا المعسكر على أغلبية 62 مقعداً في الانتخابات الأخيرة التي جرت في مارس/آذار من العام الماضي. لكن زعيم المعسكر آنذاك الجنرال بني غانتس، فضّل اجتياز الخطوط والانتقال لتشكيل حكومة طوارئ وطنية مع نتنياهو، على تشكيل حكومة تعتمد على دعم من خارج صفوف الائتلاف من القائمة المشتركة للأحزاب العربية التي كانت حصلت على 15 مقعداً، وبدا أنها قد تحدث تغييرا في السياسة الإسرائيلية، إلى أن أعاد الجنرال غانتس تحديد ثوابت السياسة الإسرائيلية بعدم الاعتماد على أصوات عربية في تشكيل الحكومات، وعدم تكرار تجربة حكومة رابين في عام 1992.

ولعل أبرز ما يزيد من غموض وصعوبة التنبؤ أو توقع نتائج الانتخابات هذه المرة، هو أن 62 في المائة فقط من الإسرائيليين أكدوا أنهم سيشاركون في الانتخابات، فيما أشار 38 في المائة منهم أنهم لم يقرروا وجهة تصويتهم بعد وأنهم سيقررون كيف سيصوتون خلال اليومين المقبلين. وتزيد هذه النتائج من حالة الإحباط لدى الأحزاب المنافسة لنتنياهو، خصوصاً بعد فشلها في تحريك الشارع الإسرائيلي ودب الروح في صفوف مؤيديها. ويواصل نتنياهو بشكل لافت جولاته الانتخابية المكثفة، وتصعيد حملته الدعائية ضد خصومه، والتأكيد على اقترابه من الفوز. كما لوّح للمرة الأولى أنه حتى في حال وصوله إلى 59 مقعداً فقط، فإنه يجري اتصالات حثيثة مع نواب من حزبي "تكفا حداشاه" و"يمينا"، لدعمه بعد فرز النتائج الرسمية والانتقال إلى معسكره ودعم ائتلافه لضمان تشكيله حكومة خامسة. ومع أن نتنياهو حاول توظيف اتفاقيات التطبيع ولا سيما مع الإمارات والقيام بزيارة لأبوظبي ولقاء ولي العهد محمد بن زايد، إلا أنه فشل في ذلك بعد الأزمة الأخيرة مع الأردن، وبعد التصريحات التي أطلقها وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية أنور قرقاش على "تويتر"، من أن الإمارات ترفض "تجيير" اتفاقيات التطبيع في المعركة الانتخابية. إلا أن ذلك لم يردع نتنياهو عن التلويح باتفاقيات جديدة مع أربع دول إسلامية إضافية قريباً. إلا أن موضوع اتفاقيات التطبيع، ومسألة حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ظلا بعيدين عن المعركة الانتخابية الحالية خلافاً للانتخابات السابقة في مارس من العام الماضي، عندما خيّم موضوع فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.

38% من الناخبين سيقررون اتجاه تصويتهم في اليومين المقبلين

في المقابل، يبدو ملف إدارة جائحة كورونا وإعادة عجلة الاقتصاد، الأبرز في تحديد وجهة الناخب الإسرائيلي، من دون أن يكون هذان الموضوعان منفصلين عن كون الانتخابات تجري بالأساس على خلفية مساعي نتنياهو للإفلات من محاكمته الجنائية، والتهم الموجهة له بتلقي الرشاوى والفساد وخيانة الأمانة العامة. وكان نتنياهو سارع لحل الحكومة في ديسمبر/كانون الأول 2018 قبل عام على نهاية ولايتها، في محاولة منه آنذاك للفوز بانتخابات تتيح تشكيل حكومة تقر قانوناً يمنحه حصانة كاملة من المساءلة القانونية ما دام في منصب رئيس الحكومة، وهو ما يُعرف بالقانون الفرنسي.

وفيما يحذر خصوم نتنياهو من "الخطر" الذي يهدد إسرائيل ونظامها الحالي بما فيه فصل للسلطات في حال فاز نتنياهو ومعسكره بأغلبية 61 مقعداً في الكنيست، إلا أن هذه التحذيرات لا تلقى على الأقل وفق الاستطلاعات آذاناً صاغية، خصوصاً مع تشظي قوى الوسط واليسار في أحزاب صغيرة تصارع ثلاثة منها هي "ميرتس"، و"كاحول لفان" و"القائمة العربية الموحدة" المنشقة عن القائمة المشتركة، لاجتياز نسبة الحسم. وتشير التوقعات إلى تراجع نسبة مشاركة الفلسطينيين في الداخل إلى ما دون 60 في المائة، واحتمالات تراجع تمثيلهم حتى في حال نجاح القائمتين العربيتين إلى 12 مقعداً، مقابل 15 مقعداً كانوا يملكونها في الانتخابات الأخيرة، مما ينذر بانتقال مقعدين على الأقل لصالح معسكر نتنياهو.