تعمّق حادثة الاعتداء على رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض سالم المسلط، يوم الجمعة الماضي، من قبل مشاركين في تظاهرة ضد التقارب بين تركيا والنظام السوري نظمت في شمال البلاد، الأزمات التي تمر بها الأجسام والمنصات السياسية المعارضة، بعد اتساع الهوة بينها وبين الحاضنة، التي ترى أن أداء هذه المنصات، وفي مقدمتها الائتلاف، لم يرتق إلى مستوى طموحاتها.
وتعرض المسلط للطرد والضرب في مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، خلال حضوره للمشاركة في تظاهرة ضمت غاضبين من موقف الائتلاف الذي وصف بـ"المهادن" من التقارب التركي مع النظام السوري.
لم يحمل المسلط المتظاهرين مسؤولية ما حدث
وفي تعليق مصور له، لم يحمّل المسلط المتظاهرين المسؤولية عما حدث معه "فهم أبناء ثورة"، مؤكداً أنه جاء إلى أعزاز لـ"مشاركة أبناء الثورة والتأكيد على ثوابتها، وكي أشد على أيدي شبابنا"، مضيفاً: "لا كرامة لنا إن رضينا بوجود هذا النظام المجرم".
مواقف الائتلاف لم تتغيّر إزاء التقارب مع نظام الأسد
ونبّه إلى أن "هناك من لديهم أجندة خاصة، ومواقف ضد الثورة ومؤسساتها، يتغلغلون بين الشباب بأقنعة تخفي أجنداتهم الحقيقية ليحرفوا الأمور عن مسارها، وأن وجودهم بين الشبان لا يخدم سوى نظام (بشار) الأسد"، حسب قوله.
ووصف مصدر في الائتلاف الوطني، فضّل عدم ذكر اسمه في حديث مع "العربي الجديد"، ما جرى مع المسلط بـ"التصرف المسيء"، متهماً عدة جهات بالقيام به من أجل الإساءة الى مؤسسة الائتلاف الوطني، منها "هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وما يسمّى بالمجلس العسكري الذي يتبع مناف طلاس (ابن وزير الدفاع الأسبق في حكومة النظام مصطفى طلاس)، وشخص كان في تنظيم "داعش"، والآن أصبح مع الهيئة".
مواقف الائتلاف لم تتغير
وأشار المصدر إلى أن مواقف الائتلاف الوطني "لم تتغيّر إزاء التقارب مع نظام الأسد". ولفت إلى أن رئيس الائتلاف موجود في الشمال للتعبير عن هذا الموقف، ولكن البعض أراد التشويش على هذا الموقف من خلال الاعتداء عليه. هناك العديد من الجهات التي تريد الإساءة للائتلاف الوطني والتقليل من شأنه، من خلال ادعاءات غير صحيحة.
والمسلط، المولود في الحسكة عام 1959، هو شيخ قبيلة الجبور التي تعد أكبر القبائل العربية في سورية، ويحمل بكالوريوس في العلوم السياسية، وكان عمل باحثاً في مركز الخليج للأبحاث في دبي. وانتخب المسلط منتصف العام الماضي رئيساً للائتلاف الوطني السوري، الذي يتخذ من إسطنبول مقراً له، ليكون بذلك الرئيس العاشر لهذا الائتلاف، الذي تأسس أواخر عام 2012 في العاصمة القطرية الدوحة، ليكون الممثل السياسي لقوى الثورة والمعارضة السورية.
من جانبه، بيّن "الحراك الثوري الموحد" في الشمال السوري أنه "يرفض الإساءة الشخصية"، مشيراً إلى أن المتظاهرين في مدينة أعزاز شمال حلب "أرادوا تسجيل موقف ضد الائتلاف الذي لا يمثل الشعب وخذل الثورة في كثير من مراحلها".
واتسعت الهوّة بين الشارع السوري المعارض وبين هذه المنصات، وأبرزها الائتلاف الوطني باعتباره العنوان السياسي الأبرز لقوى الثورة والمعارضة، فضلاً عن كونه الجهة التي تعتمدها الأمم المتحدة للتفاوض مع النظام للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية. ولطالما تعرض الائتلاف منذ تأسيسه للنقد الذي يصل إلى حد الاتهام بالتخاذل وترهّل الأداء، رغم أن الائتلاف يؤكد في كل أدبياته أن مواقفه ثابتة، وأنه لن يساوم على أهداف الثورة.
ويرفض الشارع السوري المعارض أي تقارب مع النظام يمكن أن يفضي إلى مصالحة، ويعتبرها هزيمة أمام النظام، الذي قتل وهجّر على مدى نحو 12 سنة أكثر من نصف السوريين.
الشارع رافض لأي تقارب مع النظام
ويعتبر هذا الشارع أن موقف الائتلاف من هذا التقارب لم يرتق للمستوى المطلوب، وخصوصاً من قبل رئيس الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني عبد الرحمن مصطفى، حيث طالب المتظاهرون الجمعة الماضي بإغلاق كل مقراتها في الشمال السوري وحجب الثقة عنها.
وكان مصطفى قال، في تصريحات صحافية أخيراً، إن أنقرة "تتصرف بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري"، وهو ما اعتبره السوريون في شمال البلاد مخالفاً لثوابت الثورة، وأبرزها إسقاط النظام الحالي، لا التقارب والمصالحة معه.
ورأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الشارع السوري المعارض "فقد الثقة بالمؤسسات السياسية المعارضة"، معتبراً أن هذا الأمر لا يحتاج إلى دليل، ولكن طريقة التعبير عن عدم الثقة بالاعتداء على رئيس الائتلاف بهذه الطريقة ووصفه بـ"الشبيح" كانت غير سليمة".
وأضاف: "كان يمكن التعبير عن الاحتجاج بطرق كثيرة، ليس منها على الإطلاق الاعتداء على شخص كان مع الثورة منذ بدايتها". وأشار القربي إلى أن "سالم المسلط يمثل مؤسسة الائتلاف الوطني باعتباره رئيسها"، مضيفاً أن الاعتراض الذي حدث في أعزاز على وجود المسلط في التظاهرة هو اعتراض على المؤسسة أكثر من أن يكون على شخص سالم المسلط.
القربي: المعارضة في ورطة على المستويين الخارجي والداخلي
وأعرب القربي عن اعتقاده بأن "المعارضة السورية في ورطة على المستويين الخارجي والداخلي". ولفت إلى أنه في الداخل هناك انعدام للثقة، وما جرى من اعتداء على الشيخ سالم سيضعف عمل الائتلاف الوطني خارجياً.
وتابع: لقد ارتكب الائتلاف في السنوات السابقة أخطاء يمكن وصفها بـ"القاتلة"، وآخرها التأخر في التعبير عن التقارب الحاصل بين الجانب التركي والنظام. إن الأجسام السياسية السورية المعارضة تمر بأزمة عميقة، وطريقة تعاطي الحاضنة مع رئيس الائتلاف، الجمعة الماضي، يؤكد هذه الأزمة بغض النظر عن رأينا بهذه الطريقة.
ويزدحم الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام بعشرات الفصائل والمجموعات المسلحة التي تحمل رؤى متباينة، وهو ما أدى إلى فوضى أمنية تتجلى أحياناً في صدامات عسكرية بين هذه المجموعات. وفي السياق، رأى الباحث السياسي ياسين جمول أن ما حدث في مدينة أعزاز مع المسلط "يؤكد وجود أزمة بين الحاضنة ومن يمثلها، خصوصاً ممثلي المعارضة من السياسيين، وليست أزمة الثقة بين هذه الحاضنة والعسكريين أفضل بكثير.
وأشار جمول، الموجود في الشمال السوري، إلى أن الحادث "يعكس حال الفوضى التي نعيشها"، مضيفاً: هي فوضى طبيعية في ظل غياب قيادة تجمع الناس وتوحد صفوفهم.