الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة اللبنانية: التأليف أهم من التكليف

23 يونيو 2022
ميقاتي خلال زيارة سابقة له إلى القصر الجمهوري في بعبدا (حسين بيضون)
+ الخط -

تجرى الاستشارات النيابية الملزمة في لبنان، اليوم الخميس، لتسمية رئيسٍ يُكلَّف بتشكيل الحكومة الـ78 بتاريخ البلاد والخامسة في عهد الرئيس ميشال عون، وسط توقعات بفوز نجيب ميقاتي للمرة الرابعة بمنصب رئاسة الحكومة، بأكثر من خمسين صوتاً، بعدما تقدّمت حظوظه، أمس الأربعاء، على منافسه الأبرز السفير الأسبق نواف سلام.

وكان سلام قد نال دعم أحزاب سياسية عدة، فضلاً عن إيحاء نواب معارضين وتغييريين بدعمهم له، قبل أن يعلن حزب "القوات اللبنانية"، صاحب الكتلة النيابية الوازنة برلمانياً والأكبر مسيحياً (19 نائباً)، عدم تسمية أحدٍ لرئاسة الحكومة.

مرحلة ما بعد التكليف

ومهما يكن الاسم الذي سينال التكليف اليوم، يبقى السؤال الأهم عما إذا كانت هناك نية فعلية لتشكيل حكومة جديدة، أم أن حالة المراوحة والتعطيل ستستمر حتى انتهاء عهد عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

مع العلم أن للبنان سوابق في التأخر بتشكيل الحكومة، فقد شُكّلت 4 حكومات في عهد عون، الذي انتُخب في 31 أكتوبر 2016، اثنتان برئاسة سعد الحريري، والثالثة برئاسة حسان دياب والرابعة برئاسة نجيب ميقاتي، ودخل عهده بالقسم الأكبر منه (6 سنوات) مرحلة تصريف الأعمال.

وكانت الحكومة الأولى قد شُكّلت سريعاً نتيجة التسوية الرئاسية بين الحريري وصهر عون، النائب جبران باسيل. وكُلّف سعد الحريري في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، مشكّلاً حكومته في 18 ديسمبر/ كانون الأول من العام عينه، قبل أن تستقيل في مايو/ أيار 2018 ربطاً بالانتخابات النيابية، ثم كُلّف للمرة الثانية في 24 مايو 2018، واستغرق تشكيل حكومته أكثر من 8 أشهر، حتى 31 يناير/ كانون الثاني 2019.

أحبط "القوات اللبنانية" حظوظ سلام في منافسة ميقاتي

 

وفي 29 أكتوبر 2019، استقال الحريري على خلفية انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019. وشُكِّلَت في 21 يناير 2020 حكومة حسان دياب بعد تكليفه في 19 ديسمبر 2019 قبل أن تستقيل في 10 أغسطس/ آب 2020 غداة انفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس 2020).

وفي 31 أغسطس من العام عينه، اعتذر سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة، فعاد اسم الحريري إلى الواجهة مكلّفاً لـ9 أشهر، قبل أن يعتذر بسبب خلافاته مع باسيل حول الحقائب الوزارية بالدرجة الأولى.

وعليه، ظلّت حكومة دياب في حالة تصريف أعمال مدة 13 شهراً حتى 10 سبتمبر/ أيلول 2021 تاريخ تشكيل نجيب ميقاتي حكومته الثالثة، بعد تكليفه في 26 يوليو/ تموز 2021.

وضمّت حكومته خصوصاً حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر. ويبقى باب المفاجآت اليوم مفتوحاً ربطاً بسيناريو يتردّد حول موقف ميقاتي، وما إذا كان سيقبل تسميته أو يعتذر في ظلّ غياب الميثاقية المسيحية، نتيجة المعطيات التي تفيد بعدم حصوله أيضاً على أصوات "التيار الوطني الحر" والعدد الأكبر من أصوات النواب المسيحيين.

مع العلم أنه لم يحظَ في الاستحقاق الماضي بتصويت الحزبين المسيحيين، لكنه وافق على التكليف بذريعة إتمام الانتخابات النيابية التي جرت في 15 مايو/ أيار الماضي. وتفضّل أوساط ميقاتي انتظار نتائج اليوم، ملوّحة بأنه بغض النظر عن الواقع المسيحي وموقفه، فإن ميقاتي يحظى بتأييد الغالبية السُنية.

ويحظى ميقاتي بدعمٍ غير معلن بعد من "حزب الله" و"حركة أمل" (بقيادة نبيه بري)، إلى جانب "تيار المردة" (بقيادة سليمان فرنجية)، وعدد من النواب المستقلين، بينما يرفض "التيار الوطني الحر" تسميته، ربطاً بالنزاع على الحصص الوزارية مع رئيسه النائب جبران باسيل، المُطالِب بوزارتي الطاقة والخارجية.

وعدا سلام، الذي برز اسمه للمرة الأولى إبان "انتفاضة 17 تشرين" (أكتوبر/ تشرين الأول 2019)، ترددت أسماء كثيرة في الآونة الأخيرة، ومنها السفير اللبناني السابق في مصر، المؤرخ خالد زيادة، ووزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن، ووزير الاقتصاد أمين سلام، وغيرهم.

لكن التوافق حول أي من هذه الأسماء لم يحصل بين المعارضين والمستقلّين والنواب التغييريين، الذين كان لافتاً عدم انضوائهم بكتلة واحدة وانقسامهم الواضح حول الشخصية التي سيسمّونها.

ويرى محلّلون سياسيون أن الاختبار الأصعب يبقى في طريق التأليف، الذي سيكون معبّداً بعراقيل الحصص ونزاعات الحقائب الوزارية، لا سيما أن الحكومة المنتظرة قد تستلم زمام البلد في حال حصول فراغ رئاسي مع نهاية ولاية عون، على غرار حكومة تمام سلام عام 2014 التي ترافقت مع فراغ رئاسي دام نحو عامين، بعد تعطيل عون وحزب الله وحركة أمل البرلمان، لمنع انتخاب أي رئيس خلف لسليمان غير عون.

وتبعاً للجدول الموزّع من قبل الرئاسة اللبنانية، فإن 13 كتلة نيابية، إضافة إلى نواب مستقلّين سيشاركون في اليوم الاستشاري الطويل، الذي يبدأ عند الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت بيروت، مع نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب (ينتمي إلى تكتل لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل).

مع العلم أن بعض الكتل والنواب أعلنوا قرارهم النهائي بينما فضّل قسم ثانٍ عدم الإفصاح عن خياره، ما يترك المجال مفتوحاً أمام التوقعات والتقديرات في احتساب الأصوات النيابية.

ومن أبرز الذين حسموا قرارهم بتسمية نواف سلام حزب "الكتائب اللبنانية" برئاسة النائب سامي الجميل ويضم 4 نواب، "الحزب التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط ويضم 8 نواب، علماً أنه منح صوته لميقاتي في يوليو 2021.

وتمايز "الاشتراكي" في موقفه مع "القوات"، على الرغم من إعلانهما أخيراً مقاربتهما الموحدة لملف التكليف. في المقابل، يضمن ميقاتي الحائز في الاستحقاق الماضي على 72 صوتاً، أصوات كتل حزب الله (15 نائباً)، وحركة أمل (15 نائباً)، تيار المردة (3 نواب)، نواب الأرمن (3 نواب)، وأصوات عدد من النواب المستقلّين وقدامى "تيار المستقبل".

ويتوقع النائب السابق مصطفى علوش (قيادي سابق في تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري وخسر في الانتخابات الأخيرة)، في حديث مع "العربي الجديد"، حصول ميقاتي على أرجحية الأصوات من دون الغالبية المطلقة (65 نائباً يشكلون النصف +1 من عدد أعضاء البرلمان)، مشيراً إلى أن حزب الله بالدرجة الأولى يفضّل ميقاتي لأنه "جرّبه" ويمكنه خوض التفاهمات معه، عدا عن حيثيته في الطائفة السنية.


علوش: ميقاتي قد يرفض التكليف ما لم يحظَ بشرعية مسيحية

 

لكن علوش يبدي اعتقاده بأن ميقاتي، وإن سُمّيَ، سيرفض التكليف في حال عدم نيله شرعية مسيحية. ويستبعد أيضاً أن يتمكن ميقاتي أو غيره، من تشكيل حكومة نتيجة الشروط التي ستُفرض من قبل عون وفريقه السياسي.

من جهة ثانية، وحول الاسم الذي تؤيد السعودية وصوله لرئاسة الحكومة، خصوصاً بعد الحراك اللافت في الأيام الأخيرة للسفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري، يرى علوش أنه "لا يبدو أن هناك اسماً ترضى عنه السعودية أو تريده بشكل خاص، ومؤشر القوات يثبت ذلك، بمعنى أنه لو كان هناك تفاهم باتجاه معين مع السعوديين لكانت القوات سمّت اسماً لرئاسة الحكومة".

وكان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع قد ذكر بعد اجتماع تكتله النيابي "الجمهورية القوية" في معراب (قضاء كسروان، شمالي بيروت)، أمس، أنه "كنا أول من سمّى سلام، ولكن لم نلمس جدية لديه بتحمل المسؤولية، فكيف تنتظرون من تكتل أن يخوض معركته لرئاسة الحكومة ولا يعرفه؟"، معلناً أن تكتله لن يسمي أحداً لرئاسة الحكومة.

احتمال اعتذار ميقاتي

من جهته، يعتبر النائب السابق علي درويش، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن ميقاتي يريد أن تأخذ العملية الديمقراطية في لبنان مجراها، كما حدث أخيراً بالانتخابات النيابية وبعدها على مستوى انتخابات رئاسة البرلمان ونيابتها واللجان النيابية.

ويشير درويش، الذي سبق أن كان عضواً في كتلة ميقاتي النيابية، إلى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال حالياً سيبني موقفه بناءً على نتائج الاستشارات، خصوصاً أن الصورة لم تتضح بالكامل، وأن عدداً كبيراً من الكتل والنواب لم يعلنوا عن موقفهم، وذلك في معرض ردّه على احتمال اعتذار ميقاتي.

ويفضّل درويش انتظار النتائج للبناء عليها، لكنه في المقابل يشدّد على أن ميقاتي حاضر ببرنامجه الواضح وحضوره على المستوى الإقليمي والدولي، وفي حال واصل مهامه، فسيكمل ما بدأته حكومته، وفي حال لاقى دعم الكتل السياسية الأساسية والكبيرة فسيستفيد من هذا الدعم.

ويدعو درويش إلى تشكيل حكومة بوقت سريع، لأن العوامل التي أدت إلى تشكيل ميقاتي حكومته في الصيف الماضي، لا تزال موجودة، خصوصاً على مستوى الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها البلاد، عدا عن إدراك الفرقاء السياسيين ضرورة تسهيل التأليف، وعدم وضع العراقيل أمام هذه العملية، ويقول: "وهو ما نأمل تكراره اليوم لحاجة لبنان إلى حكومة بصلاحيات كاملة لا محدودة وضيقة جداً".

بدوره، يرى النائب السابق فارس سعيد، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن الأمور تبدو محسومة لنجيب ميقاتي، لافتاً إلى أن "كثراً يفضلون أن تطرح أسماؤهم ضمن نادي المرشحين لرئاسة الحكومة، لكن لا أجد من النواب الجدد من يريد أن يتحمّل مسؤولية تشكيل حكومة، أو على الأقل خوض مغامرة التشكيل في نهاية عهد الرئيس عون".

ويتوقع سعيد أن "ميقاتي، إذا سُمّي اليوم، سيكون رئيس حكومة تصريف أعمال، ورئيساً يسعى لتشكيل حكومة، التي نستبعد ولادتها قبل نهاية عهد عون"، لافتاً إلى أن "ميقاتي قد يمتنع عن تشكيل حكومة تأتي بالمكاسب الإدارية لمصلحة فريق عون والتيار الوطني الحر بالدرجة الأولى".

ويشير سعيد إلى أن "حزب الله يدعم ميقاتي لأنه يحظى حالياً بأكبر تأييد من الطائفة السنية، ويدرك مدى حساسية الجو السني القائم وأن هناك شبه انهيار للوضعية السنّية السياسية، ولا يريد أن يزيد عقبة إضافية اسمها رئاسة الحكومة".