بينما تقترب قوات الاحتلال الإسرائيلي من السيطرة على مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة بشكل كامل من خلال القوة النارية المفرطة، بدأت توجه أنظارها نحو محور فيلادلفيا، ما سيجعل مدينة رفح الفلسطينية والمحاذية للحدود المصرية معزولة بشكل كامل عن محيطها، ويكون جنوبها الحدود المصرية وشمالها خانيونس المسيطر عليها إسرائيلياً.
ورغم أنّ المنطقة الغربية من خانيونس جزء من المنطقة الآمنة التي ادعى الإسرائيليون أنها بعيدة عن القصف والاستهداف، إلا أنها استُهدفت ونزح المهجرون منها للمرة الثانية والثالثة إلى مدينة رفح المجاورة، التي باتت تعج بالنازحين وأصبحت شوارعها ملجأ للآلاف من الفلسطينيين النازحين.
شهود عيان: الوجود العسكري والأمني المصري زاد على الحدود مع الحرب
أما رفح، وهي النقطة التالية في العدوان البري كما يتوقع الفلسطينيون ويهدد الإسرائيليون، فباتت منذ شهرين على ألسن مسؤولين إسرائيليين بادعاء أنه يتم من خلال حدودها تهريب الأسلحة والوسائل القتالية إلى حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، لكن حقائق على الأرض وشهادات حصل عليها "العربي الجديد" تنفي كل هذه الادعاءات.
ففي عام 2013، ومع الأحداث المتسارعة في مصر وإطاحة الرئيس الراحل محمد مرسي، أصبحت أنفاق تهريب البضائع وغيرها من الأنفاق الموجودة بين رفح الفلسطينية والمصرية منذ عام 2008 في مهب الريح، وباتت مستهدفة من الإسرائيليين والجيش المصري.
وفي عام 2014 أكمل الجيش المصري السيطرة على المنطقة، وأقام سياجاً إلكترونياً جديداً، وعزز نقاط الرصد والمتابعة الحدودية وضخ المياه لإغراق الأنفاق، ولم يتبق أي نفق يعمل، وفق شهادة مواطن فلسطيني تحدث، لـ"العربي الجديد"، وكان واحداً من الذين يديرون نفقاً تجارياً لنقل البضائع بين عامي 2008 و2014.
تزايد الحضور العسكري المصري على الحدود
وأظهرت جولة، لـ"العربي الجديد"، على الحدود الفلسطينية المصرية، وجوداً أمنياً وعسكرياً مصرياً مكثفاً. وقال شهود عيان من المنطقة القريبة من الحدود إنّ هذا الحضور العسكري والأمني المصري زاد مع الحرب، لكنه قبل الحرب كان مشدداً كذلك، ولم يكن هناك أي تراخٍ مصري في التعامل، ما ينفي كل الادعاءات الإسرائيلية. أما البضائع التي باتت تدخل إلى قطاع غزة من مصر بشكل رسمي، مما يعرف بمعبر رفح التجاري منذ عام 2018 فهي تخضع لشروط مصرية مشددة ولفحص دقيق، ولا يمكن من خلالها تهريب أي شيء إلى القطاع.
وتدير شركة "أبناء سيناء"، المملوكة لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، الحركة التجارية عبر المعبر، وهي المسؤولة عن عمليات التفتيش والتدقيق في كل البضائع التي تدخل إلى القطاع.
ووفق شهادة تاجر يعمل مع الشركة منذ بدء نشاطها، وتحدث لـ"العربي الجديد"، فإنّ كل البضائع التي تدخل قطاع غزة تحصل على موافقة إسرائيلية، وأنه يمنع شراء واستيراد أي مواد مزدوجة الاستخدام وفق المصطلح الاسرائيلي، كما أنها تخضع لتفتيش دقيق في الجانب المصري عبر بوابات تفتيش إلكترونية والكلاب والأيدي، وقد يستغرق التفتيش يومين ما يؤخر وصول البضائع إلى القطاع.
السيطرة على محور فيلادلفيا ضمن الأهداف المستجدة للحرب
لكن الحديث الإسرائيلي عن التهريب يأتي ضمن محاولات للسيطرة على محور فيلادلفيا (محور صلاح الدين) بين قطاع غزة ومصر ضمن الأهداف المستجدة للحرب، والذي لم يكن معلناً عنه منذ البداية. والمحور عبارة عن شريط عازل يبلغ طوله نحو 14 كيلومتراً من البحر غرباً وحتى معبر كرم أبو سالم التجاري شرقاً، وكانت تسيطر عليه إسرائيل حتى انسحابها من القطاع في عام 2005.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن، أكثر من مرة في الشهر الماضي، أنّ إسرائيل لديها حاجة للسيطرة على محور فيلادلفيا أمنياً. ويبدو الحديث الإسرائيلي المتزايد عن المحور محاولة لتثبيت وقائع أمنية جديدة على الأرض في القطاع، وإعادة الوضع أمنياً على الأقل إلى ما قبل 2005 حيث كانت إسرائيل تُحكم، عبر مستوطناتها ومواقعها العسكرية، السيطرة أمنياً على قطاع غزة.
يبدو الحديث الإسرائيلي المتزايد عن محور فيلادلفيا محاولة لتثبيت وقائع أمنية جديدة على الأرض في القطاع
وأمام هذا المشهد، سيكون الموقف المصري من هذا التحرك الإسرائيلي هو المعيار لمعرفة ما سيكون عليه الوضع لاحقاً، وسط خشية فلسطينية من السيطرة على المحور من قبل الاحتلال، بما فيه معبر رفح البري، لأنه سيعيد عمل المعبر وفق اتفاقيات سابقة كانت سيئة على الفلسطينيين، ولا تسمح لمعظم سكان غزة بالسفر إلا بشروط وموافقة إسرائيلية بحتة.
تحذير مصري من تحرك إسرائيلي للسيطرة على محور فيلادلفيا
وكانت هيئة الاستعلامات المصرية التابعة للرئاسة حذرت، مساء أمس الأول الاثنين، من أن أي تحرك إسرائيلي للسيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وقطاع غزة سيؤدي إلى "تهديد خطير وجدي" للعلاقات المصرية - الإسرائيلية.
وقالت، في بيان لرئيسها ضياء رشوان، إن "القاهرة قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها، ولن ترهنها في أيدي مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرفين ممن يسعون لجر المنطقة إلى حالة من الصراع وعدم الاستقرار".
ونفت الهيئة، صحة ما ورد من تصريحات، خلال الفترة الأخيرة، على لسان مسؤولين إسرائيليين، في مقدمتهم نتنياهو، حول وجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات والذخائر ومكوناتها إلى قطاع غزة بواسطة أنفاق عبر الأراضي المصرية.
وكان مسؤولون إسرائيليون، على رأسهم نتنياهو، توعدوا بالسيطرة على محور فيلادلفيا باعتباره خطوة لحسم الحرب، بحسب تقديراتهم.
وجاء في البيان أن "ما يؤكد كذب هذه المزاعم هو حجم الجهود المصرية لتحقيق الأمن والاستقرار في شبه جزيرة سيناء، وتعزيز الأمن على الحدود بين مدينة رفح المصرية وقطاع غزة خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث عانت مصر كثيراً من هذه الأنفاق خلال المواجهة الشرسة مع المجموعات الإرهابية (المسلحة) في سيناء، في أعقاب إطاحة نظام الإخوان (الانقلاب على مرسي) في يونيو/ حزيران 2013، وحتى عام 2020".