الاحتجاجات في إيران: تجمعات متفرقة ومسيرات مضادة وسجال مع الغرب

26 سبتمبر 2022
تجمعات احتجاجية في مدينة سنندج (فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل الاحتجاجات في إيران لليوم التاسع إثر مقتل الشابة مهسا أميني (22 عاماً)، رغم تراجع زخمها، إذ سجلت تجمعات احتجاجية متفرقة شرقي طهران ومدينتين إيرانيتين. وتزامناً مع ذلك، استمرت، اليوم الإثنين، المسيرات المضادة الداعمة للنظام والمنددة بالتجمعات "غير القانونية". كذلك، يتصاعد التوتر الإيراني مع الولايات المتحدة وأوروبا على خلفية مواقف هذه الأطراف من الاحتجاجات ودعمها ولجوء واشنطن إلى توفير الإنترنت للإيرانيين في ظل تقييده من قبل السلطات الإيرانية مع حجب مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتهمها بـ"تأليب الشارع وإثارة الشغب".

مسيرات مؤيدة

واستمراراً للمسيرات الداعمة للحكومة، نظّم مجلس تنسيق الدعاية الإسلامية الحكومي، اليوم الإثنين، لليوم الرابع مسيرات أخرى بعدة مدن، بما فيها مدينة سنندج مركز محافظة كردستان، وذلك بعد يوم من مسيرات مماثلة في عدد أكبر من المدن الإيرانية، بما فيها العاصمة طهران.

وحظيت هذه المسيرات بدعاية وتغطية إعلامية رسمية واسعة، وبث التلفزيون الإيراني، الليلة الماضية، مشاركة أعداد كبيرة من المؤيدين للحكومة الرافضين للاحتجاجات في هذه المسيرات. وحمل المشاركون في هذه المسيرات الأعلام الإيرانية بكثافة، منددين بحرقها في التجمعات الاحتجاجية، التي وصفوها بأنها "أعمال شغب" و"فتنة"، مع إطلاق هتافات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل والدعوة إلى معاقبة "المخلين بأمن البلاد" و"مثيري الشغب" على حد تعبيرهم.

وعادة تنظم بعد أيام من اندلاع الاحتجاجات في إيران، مثل هذه المسيرات لاحتواء الاحتجاجات، ومواجهتها بشارع مؤيد، لكن هذه المرة طال أمد هذه المسيرات الداعمة للنظام على غير العادة، وذلك مع استمرار التجمعات الاحتجاجية في بعض المناطق على الرغم من تراجع حجم الاحتجاجات وزخمها بالمقارنة مع الأسبوع الماضي.

وفي الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران عام 2009 على خلفية الموقف من نتائج الانتخابات الرئاسية، بعد أشهر من اندلاع هذه الاحتجاجات، نظمت مسيرات مؤيدة للثورة والجمهورية الإسلامية في 30 ديسمبر/كانون الأول 2009، احتوت بها السلطات الاحتجاجات السياسية المستمرة على نتائج الانتخابات. كما حدث الشيء ذاته مع احتجاجات 2019 التي اندلعت إثر رفع أسعار الوقود.

تجمعات احتجاجية

في نشرتها الإخبارية، منتصف اليوم الإثنين، أفادت القناة الإيرانية الأولى بأن طهران والمدن الإيرانية شهدت الليلة الماضية "ليلة هادئة"، ناشرة صورة من داخل طهران، ومشيرة إلى أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، تفقد الليلة الماضية، جرحى "أعمال الشغب" في مستشفى بطهران.

ووفق الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، فإن مناطق في شرقي العاصمة الإيرانية، طهران، شهدت الليلة الماضية تجمعات احتجاجية، تركزت في منطقة "هفت حوض" وكذلك حارة "نارمك" حيث يقطنها الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، الذي عُرف بمواقفه وانتقاداته الحادة خلال السنوات الأخيرة، لكن عضويته بمجمع تشخيص مصلحة النظام (مؤسسة سيادية من مؤسسات الحكم في إيران) تجددت قبل أيام لدورة جديدة. وانتقد أحمدي نجاد أخيراً التعامل الرسمي مع مسألة الحجاب، قائلاً في مقطع مصور متداول إن "الغالبية المطلقة للإيرانيين مع الحجاب ويعتبرونه شيئاً جيداً لكن 95% منهم يرفضون الحجاب الإجباري"، حسب قوله.

Sattarkhan #Tehran
People of #IranRevolution #IranProtests2022
Down with Dictator pic.twitter.com/MpVRR5CVyL

— SAzari (@Sazari2015) September 26, 2022

 

وانتشرت خلال الساعات الأخيرة، فيديوهات أخرى على شبكات التواصل الاجتماعي في إيران، تظهر تنظيم تجمعات احتجاجية الليلة الماضية في مشهد شرقي إيران وبندر عباس المطلة على الخليج، فضلاً عن مشاهد مؤثرة لتعنيف المحتجين خلال الاحتجاجات وإطلاق النار والغاز المسيل للدموع تجاههم.

كذلك، دأب التلفزيون الإيراني خلال الساعات الماضية على بث مشاهد "تخريب ممتلكات عامة" ومهاجمة قوات الشرطة والأمن، قائلا إن "مثيري الشغب" يقفون وراءها، على حد وصفه.

من جانبها، أوردت وكالة "إرنا" الرسمية، أن أحد أعضاء منظمة "الباسيج" (القوات شبه العسكرية التابعة للحرس) يدعى ميلاد استاد هاشم قد قتل الليلة الماضية في احتجاجات منطقة "هفت حوض" شرقي طهران بنيران من وصفتهم بأنهم "مثيرو الشغب".

واتهمت الوكالة المحتجين بـ"إثارة الفوضى والشغب بتحريض من معارضي الثورة وبعض الشخصيات السينمائية والرياضية (كرة القدم) المعروفة". وكذلك، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أنباء غير رسمية ومقاطع مصورة عن تجمعات احتجاجية أيضاً في مدينتي سنندج مركز محافظة كردستان وشيراز مركز محافظة فارس.

#IranRevolution#Kurdistan, W #Iran—defiant citizens resumed #Iranprotests2022 against #MahsaAmini's murder on September 25.
Footage from Sanandaj shows citizens continue protests despite authorities' use of lethal force.#IranianLivesMatter‌!pic.twitter.com/T2tc3xcmq4

— Iran News Update (@IranNewsUpdate1) September 26, 2022

ولا جديد في أرقام القتلى، وآخر إحصائية عن أعداد القتلى بالاحتجاجات، أعلنها التلفزيون الإيراني، أمس الأحد، قائلاً إن الحصيلة بلغت 41 قتيلاً. علماً بأنه حسب البيانات الإيرانية في المحافظات، قتل أيضاً 8 أشخاص من قوات الأمن والشرطة في هذه الاحتجاجات وأصيب العشرات منهم بجروح مختلفة.

إلى ذلك، لا توجد بعد حصيلة للمصابين والمعتقلين، لكن السلطات المحلية تعلن بشكل منفرد أرقاما للمعتقلين الموصوفين بأنهم "مثيرو الشغب"، لتعلن السلطات في محافظتي مازندران وجيلان الشماليتين، عن اعتقال نحو 1200 شخص بالمحافظتين، بينهم 60 امرأة في جيلان.

كذلك، تشير الأنباء غير الرسمية إلى اعتقال العشرات من الناشطين والصحافيين وطلبة الجامعات في إيران، إذ تحدث الاتحاد الدولي للصحافيين عن اعتقال 12 صحافياً.

في الأثناء، أعلنت جامعة "شريف" للصناعة، اليوم الإثنين، الإفراج عن الطلاب السبعة المعتقلين بالجامعة، الذين اعتقلوا خلال التجمع الاحتجاجي فيها السبت الماضي. وراجت أنباء غير مؤكدة على شبكات التواصل، عن رفض بعض أساتذة وطلاب الجامعة الحضور في الصفوف في ظل اعتقال هؤلاء الطلاب.

وفي الساعات الأخيرة، عبّر المزيد من الوجوه السينمائية والفنية واللاعبين الإيرانيين، عن دعمهم للمحتجين والدعوة إلى التظاهر وانتقاد سلوك السلطات، وذلك في خطوة تشكل سمة للاحتجاجات الأخيرة في إيران، والتي تعد الأكبر منذ عام 2019 بعد الاحتجاجات على رفع أسعار البنزين. كذلك، عبرت ممثلات عن احتجاجهن من خلال خلع حجابهن أو قص شعورهن.

وأثار موقف هؤلاء الفنانين حفيظة السلطات، وعرّضهم لهجمات واسعة على وسائل إعلام رسمية ومحافظة، مع اتهامهم بقيادة الاحتجاجات والضلوع في أعمال تخريب وعنف خلال الاحتجاجات، والعلاقة مع "معارضي الثورة في الخارج وأعداء البلاد" حسب تعبير هذه الوكالات.

واليوم الإثنين، هاجم رئيس السلطة القضائية الإيرانية، غلام حسين محسني إيجئي، في تصريحات أوردها التلفزيون الإيراني، هؤلاء الفنانين واللاعبين الإيرانيين، متهماً إياهم بالاصطفاف مع "العدو"، الذي قال إيجئي إنه يثير الشغب في إيران عبر "ألسنة وصفحات افتراضية لهؤلاء، وحرض الشباب على النزول للشارع".

وأطلق إيجئي "تحذيراً جاداً" ضد من حث على النزول للشارع من هذه الوجوه الفنية البارزة، متوعداً إياهم والعناصر الرئيسيين الميدانيين بجعلهم يدفعون "الخسائر المادية والمعنوية" التي لحقت بالبلاد ومحاكمتهم ومعاقبتهم.

ومع تراجع الاحتجاجات داخل إيران مع تشديد السلطات القبضة ومحاولات احتوائها، نظّم إيرانيون في خارج البلاد في دول أوروبية والولايات المتحدة، تجمعات احتجاجية، تحولت إلى اشتباكات مع الشرطة في لندن وباريس. حيث تصدت الشرطة الفرنسية والبريطانية للمحتجين أمام السفارات الإيرانية، واعتقلت بعضهم، الأمر الذي قوبل بترحيب إيراني، وحظي بتغطية إعلامية إيرانية، وأورد التلفزيون الإيراني أن "الشرطة الفرنسية تصدت لمتظاهرين رفعوا "هتافات مهينة" ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحاولوا "إثارة الفوضى والشغب". كما أشارت وكالة "إرنا" إلى اعتقال الشرطة البريطانية خمسة محتجين إيرانيين.

وعكست الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي اشتباكات بين المعارضين الإيرانيين أثناء تجمعهم الاحتجاجي أمام السفارة الإيرانية أمس الأحد في لندن.

سجال مع الغرب

رغم الترحيب الإيراني بتصدي الشرطة للمحتجين أمام السفارات الإيرانية في باريس ولندن؛ ثمة سجال حاد بين طهران وواشنطن وعواصم أوروبية عدّة هذه الأيام على خلفية موقف هذه الأطراف من الاحتجاجات في إيران في وقت تستمر فيه الجهود لدفع المفاوضات النووية المتعثرة إلى الأمام وإخراجها من حال الركود.

واليوم الإثنين، جدد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، تنديد بلاده، بالمواقف الأميركية والأوروبية بشأن الاحتجاجات في إيران، واصفاً إياها بـ"التدخل" في الشؤون الإيرانية. واتهم كنعاني هذه الأطراف التي وصفها بأنها "أعداء" باتباع توجه يعتمد "النفاق وازدواجية المعايير".

واتهم المتحدث باسم الخارجية الإيرانية القادة الأميركيين والأوروبيين بـ"استغلال" حادثة وفاة الشابة مهسا أميني، و"لم يألوا جهداً في دعم مثيري الشغب والمخلين بالأمن تحت ذريعة دعم حقوق الشعب الإيراني".

وأطلق المسؤولون الأميركيون وبعض قادة أوروبا، خلال الأيام الأخيرة، تصريحات داعمة للمحتجين في إيران، ومنتقدة لسلوك السلطات معهم، مع إعفاء واشنطن الإنترنت من العقوبات وإعلان الملياردير الأميركي إيلون ماسك عن توفير الإنترنت للمحتجين الإيرانيين.

في غضون ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، إن الخارجية الألمانية، استدعت اليوم الإثنين السفير الإيراني في برلين بسبب "قمع الاحتجاجات"، وفقاً لـ"رويترز".

ورداً على سؤال بشأن احتمال فرض عقوبات على طهران بسبب تعاملها مع الاحتجاجات، قال المتحدث الألماني إن بلاده ستنظر "في جميع الخيارات" مع بقية دول الاتحاد الأوروبي.