استمع إلى الملخص
- **موقف إسرائيل والتصعيد المحتمل**: الحكومة الإسرائيلية تبدو عازمة على التصعيد لاستدراج رد فعل يبرر عملية عسكرية كبيرة في لبنان، أو لخلق لحظة ملائمة لخطوة نوعية على الحدود، بدفع من القوى المحافظة.
- **التحريض السياسي في الكونغرس**: الجمهوريون يستغلون الوضع للتحريض على التصعيد ضد حماس وحزب الله، بينما يحاول بعض الديمقراطيين مثل السيناتور بيرني ساندرز التصدي لهذا التحريض، رغم فرص نجاحه الضئيلة.
ردّ فعل الإدارة الأميركية على عمليات التفجير الالكتروني التي قامت بها إسرائيل في لبنان خلال اليومين الأخيرين بقي في الدائرة الرمادية. لا هي أقرّت بأن إسرائيل وراءها، ولا طبعاً أدانت إدخال هذه الأخيرة الحرب السيبرانية الخطيرة إلى المنطقة، بل ما زالت تقول حتى اليوم إنها "ليست ضالعة في الموضوع"، وتعكف على "جمع المعلومات والوقائع حول ما حصل"، بتعبير وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وقبله المتحدث الرسمي ماثيو ميلر، والبيت الأبيض أيضاً. تجهيلها للفاعل جاء من باب التناغم مع إسرائيل، التي تلتزم الصمت حول الموضوع، كما أنه يعكس رغبتها في حجب موافقتها الضمنية على هذه النقلة الإسرائيلية المثيرة، طالما بدت هذه الأخيرة وكأنها تشكل البديل عن توسيع الحرب التقليدية التي لا تتسامح بها الإدارة عشية انتخابات لا يحتمل ميزانها أي تطور خارجي من هذا العيار.
وقد أشار المسؤولون إلى ذلك بلغة تراوحت بين التصريح والتلميح. كشف ميلر أن الإدارة، بالرغم من انشغالها "بجمع المعلومات، إلا أنها طبعاً تدعم العمليات التي تستهدف حزب الله الذي يواصل أعماله الإرهابية ضد المدنيين.. وإسرائيل لها الحق في الدفاع عن النفس". مقابل ذلك، "لا تريد الإدارة أن ترى فتح جبهة أخرى" على الحدود مع لبنان، بحسب جون كيربي، المنسق الإعلامي لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وبذلك، تكون المعادلة أن تقدّم واشنطن الغطاء لحرب إسرائيل السيبرانية، على أن تمتنع هذه الأخيرة عن حرب ميدانية في لبنان، لكن لا ضمانة لالتزام حكومة نتنياهو بهذه المقايضة.
القراءات تميل إلى الاعتقاد بأن الحكومة الإسرائيلية عازمة على المضي في التصعيد، إما لاستدراج رد تأخذه ذريعةً لشن عملية عسكرية كبيرة في لبنان، وإما لبلوغ نقطة ترى وفق حساباتها أن اللحظة صارت "ملائمة" للقيام بخطوة نوعية على الحدود، حشدت لها قوات إضافية، بعضها جرى نقله من غزة في الأيام الأخيرة. ويشار إلى أن القوى المحافظة تعزف على هذا الوتر، وربما بالتناغم مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بحيث تحصل المواجهة قبل الاستحقاق الرئاسي، علّها تنعكس سلباً على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. وكان التحرك في هذا الاتجاه قد بدأ مع خطاب نتنياهو في الكونغرس في 27 يوليو/ تموز الماضي. ومنذ ذلك الحين، والجمهوريون في شبه مطاردة للإدارة بذريعة أنها أوقفت إرسال بعض الأسلحة لإسرائيل (في الحقيقة علّقت تسليمها قنبلة الألفي رطل لتعود في النهاية لتسليمها قنابل الـ500 رطل)، أو بحجة أنها تقيّد أيدي الحكومة الإسرائيلية في حربها مع حركة حماس وحزب الله!
تحريف فاضح بدوافع حسابات انتخابية ولمساندة نتنياهو ضد الرئيس جو بايدن. وما زالت هذه النغمة متواصلة، وبلغة التحريض على التصعيد لنسف احتمالات وقف إطلاق النار في غزة، ولتوسيع بيكار الحرب في لبنان. وقد شهد الكونغرس، الأربعاء، نموذجاً لهذا التحريض خلال جلسة عقدتها لجنة العدل في مجلس الشيوخ حول موضوع "جرائم الكراهية". من بين الذين جرى استجوابهم مسؤولون في منظمات عربية ويهودية. السيناتور الجمهوري جون نيلي كينيدي تعمّد التركيز على مايا بري، المديرة التنفيذية للمؤسسة العربية الأميركية، حيث أمطرها بسيل من الأسئلة المكررة حول ما إذا كانت من مؤيدي "حماس" أو حزب الله أو إيران. ورغم نفيها، حمل عليها بزعم رفضها الإجابة، وختم بعبارة تنضح عنصرية قائلاً "عليكِ تغطية رأسك بكيس!". هذا الجو من التأليب تشارك فيه الرموز المحافظة وإعلامها الذي تناول التفجيرات بلغة لا تخلو من التشفي ولو المبطن، الذي يدور في فلك خطاب السيناتور كينيدي، والذي تصدى له بعض الديمقراطيين بالإدانة الصريحة.
وفي هذا السياق، تحرّك البعض في الكونغرس (مثل السيناتور بيرني ساندرز)، باتجاه إعداد مشاريع لوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة، ولو أنه لا حظ لها بالتحول إلى قانون. كما يواصل بعضهم التحذير من محاولات نتنياهو جر أميركا إلى حرب شاملة في المنطقة، رغم الضغوط التي يتردد أن الإدارة مارستها عليه في الأيام الأخيرة. فسوابق ضغوطها، خاصة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لم يأخذها رئيس الليكود على محمل الجد، حيث تمكن باستمرار من الالتفاف عليها ومن دون ثمن. وبعد تفجيرات البيجر واللاسلكي، والتي أثار تفخيخها الذهول، من المتوقع أن يزداد نتنياهو تنمراً حتى على البيت الأبيض، الذي يتضاءل ما تبقى له من نفوذ بقدر ما يقترب من الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني، تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية.