الأمم المتحدة تطلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن انتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين
تبنّت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الجمعة، قراراً يطلب من محكمة العدل الدولية أن تقدم فتوى قانونية بشأن مسألتين، تتعلقان بفلسطين والاحتلال الإسرائيلي.
ومن أبرز ما جاء في القرار، الطلب من محكمة العدل الدولية أن تصدر "فتوى" (رأياً قانونياً) في مسألتين؛ أولاً الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، واستيطانها وضمها لها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس وطابعها ووضعها، واعتمادها تشريعات وتدابير تمييزية في هذا الشأن.
كما تتضمن الفتوى القانونية الإجابة عن السؤال حول "كيف تؤثر سياسات إسرائيل وممارساتها... على الوضع القانوني للاحتلال؟ وما الآثار القانونية المترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة؟".
ويطلب القرار من أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أن "يقدم للجمعية العامة في دورتها الـ78 تقريراً عن تنفيذ القرار، بما فيه انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، وعلى الأراضي العربية المحتلة الأخرى".
ويطلب القرار أن تقدم هذه الاستشارة من "العدل الدولية"، وفقاً للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة، عملاً بالمادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة، مع مراعاة القواعد ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقرارات مجلس الأمن، والجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان، ذات الصلة، وفتوى محكمة العدل الدولية المؤرخة بـ9 يوليو/ تموز 2004.
وحصل القرار على تأييد 98 دولة، ومعارضة 17، وامتناع 52 دولة عن التصويت من أبرزها: الولايات المتحدة وكندا وإيطاليا وأستراليا والنمسا وهنغاريا والتشيك وغواتيمالا وإستونيا وألمانيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
كما جددت اللجنة ثلاثة قرارات تتعلق بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، حصل أولها والمتعلق بعمليات "أونروا" على تأييد 164 صوتاً، ومعارضة 6 دول هي: الولايات المتحدة وكندا وليبيريا وجزر مارشال وميكرونيزيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وامتنعت خمس دول عن التصويت.
وحصل القرار الثاني المتعلق بتقديم المساعدات للاجئين الفلسطينيين على تأييد 165 دولة، ومعارضة دولة واحدة، هي دولة الاحتلال الإسرائيلي، في حين امتنعت عشر دول عن التصويت.
القرار الثالث يتعلق بممتلكات اللاجئين الفلسطينيين، فجرى تجديده بتأييد 160 دولة، ومعارضة سبع دول، أبرزها دولة الاحتلال والولايات المتحدة وكندا، في حين امتنعت سبع دول عن التصويت.
وأعادت اللجنة تبنّي قرار حول الجولان، وحصل على تأييد 148 دولة، واعتراض ثلاث دول هي: دولة الاحتلال والولايات المتحدة وليبيريا، في حين امتنعت 22 دولة عن التصويت.
أما القرار المتعلق بالمستوطنات في الأراضي الفلسطينية والجولان السوري المحتلين، فحصل على تأييد 150 دولة، ومعارضة 8 دول، أبرزها: الولايات المتحدة وكندا وهنغاريا، وامتنعت 14 دولة عن التصويت.
وتصادق الجمعية العامة على قرارات لجانها المختلفة للجمعية في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني أو بداية ديسمبر/ كانون الأول، عندما تقدم اللجنة الرابعة (واللجان الأخرى) تقريرها وتوصياتها. ومن المتوقع أن تجري المصادقة على القرارات دون عوائق.
جاءت القرارات في عشر صفحات تحت عنوان "الممارسات الإسرائيلية والأنشطة الاستيطانية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من السكان العرب".
ومن اللافت، مجدداً، تصويت أغلب الدول الغربية ضد القرار أو امتناعها عن التصويت، مقابل وضوح مواقفها عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا (صوتت لصالح القرار)، حين أيدت إحالة الوضع هناك للمحكمة الجنائية الدولية مثلاً، أو دفعت باتجاه تحقيقات حول انتهاكات روسية لحقوق الإنسان، مع تواصل سياسات الكيل بمكيالين ضد الفلسطينيين على ما يبدو.
ترحيب فلسطيني وغضب إسرائيلي
بعد التصويت، قال سفير فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، أمام ممثلي الدول الأعضاء: "ما من شيء يبرر الوقوف إلى جانب إسرائيل، التي تحرمنا من حقوقنا وتجبر شعبنا على النزوح".
وأضاف أنّ إسرائيل "تحاول بلورة قانون دولي على مقاس خروقاتها، وتطالب بوقاحة وعجرفة من الدول بأن تكيل بمكيالين، وتغض النظر عن جرائمها. يحرّم ميثاق الأمم المتحدة الاستيلاء على الأرض بالقوة، ويقدس حق الشعوب بتقرير مصيرها. وأكبر خرق لهذه القواعد هو محاولة إسرائيل فرض احتلال أزلي يهدف إلى ضم الأرض وطرد الشعب. لكن الاحتلال إلى زوال".
من جانبه، رحّب وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي بتصويت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لصالح "قرار الممارسات الإسرائيلية والأنشطة الاستيطانية التي تؤثر في حقوق الشعب الفلسطيني".
وبيّن المالكي، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، أنّ القرار احتوى على فقرات تعالج الآثار القانونية الناجمة عن الخرق المستمر من إسرائيل لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، من خلال منظومة الاستعمار، والفصل العنصري القائم على اعتماد تشريعات وتدابير تمييزية، وفي ظل الممارسات والجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال وأدواتها المختلفة.
وأشار إلى الطلب الفلسطيني من محكمة العدل الدولية الإجابة عن السؤال حول طبيعة وشكل هذا الاحتلال طويل الأمد، وغير القانوني وجرائمه، وضرورة تحديد مسؤوليات وواجبات إسرائيل، سلطة الاحتلال غير الشرعي، والمجتمع الدولي ككل، والأطراف الثالثة، والمنظمة الأممية في إنهاء هذه الظاهرة التي تشكل جذر الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، وعدم الاستقرار والسلم والأمن في المنطقة.
واعتبر المالكي الحدث "انتصاراً وإنجازاً دبلوماسياً، وقانونياً فلسطينياً ودولياً، وعملاً تراكمياً للدبلوماسية الفلسطينية"، ومراكمة على مخرجات التقارير القانونية الدولية، للقانونيين والأكاديميين الفلسطينيين والدوليين.
وشدد المالكي على أنّ هذا "القرار التاريخي"، المتّسق مع القانون الدولي، ليس إجراء أحادياً، بل عملاً متعدد الأطراف بامتياز، وأنه سيفتح حقبة جديدة لمساءلة إسرائيل، وكشف وفضح ومحاسبة كل الجهات التي تعمل على تشجيع ودعم بقاء هذه المنظومة غير القانونية على أرض دولة فلسطين المحتلة، بما فيها القدس، حتى إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها الحق الأسمى في تقرير المصير، والاستقلال، وعودة اللاجئين.
وقبل التصويت، عبّر مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان عن غضبه من طرح القرارات على التصويت أمام اللجنة، ووصف الدول التي ستصوّت لصالح القرار بأنها تشارك في "تدمير أمل المصالحة".
ووصف أردان القرارات بأنها "معادية لإسرائيل"، محرضاً ضد الفلسطينيين، متهماً إياهم "بتعليم أطفالهم ثقافة العنف والتحريض".
ووصف مندوب دولة الاحتلال الخطوة الفلسطينية بأنها أحادية الجانب، شاركه في ذلك عدد من مندوبي الدول الغربية، على رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، الذين جددوا حديثهم عن "المفاوضات" و"حل الدولتين"، وعبّروا عن معارضتهم عرض المسألة على اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
واللجنة الرابعة في الجمعية العامة للأمم المتحدة هي اللجنة المعنية بالمسائل السياسية الخاصة، وإنهاء الاستعمار، أما محكمة العدل الدولية فهي أعلى هيئة قضائية دولية.