الأسد يشرّع الأبواب لتوسيع الوجود العسكري الروسي في سورية

18 مارس 2023
تمتلك روسيا قاعدتين عسكريتين في سورية (ماكسيم بوبوف/فرانس برس)
+ الخط -

بعد التواصل العربي والإقليمي مع النظام السوري إثر كارثة الزلزال التي ضربت شمال سورية وتركيا في 6 فبراير/شباط الماضي، جاءت زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى موسكو يومي الأربعاء والخميس الماضيين، لتستقبله روسيا بزيارة دولة، لأول مرة منذ اندلاع الحرب السورية، بعد أن كانت زياراته إلى موسكو تقتصر على الاجتماعات العملية من دون البروتوكولات.

لكن البارز في زيارة الأسد والوفد الكبير من النظام إلى موسكو، كان تطرقه تحديداً إلى الانتشار العسكري الروسي في سورية، والذي بدأ بشكل رسمي في خريف العام 2015، ليتوسع تدريجياً في البلاد، ويقلب المعادلة لصالح الأسد.

وبات الأسد اليوم يلمّح إلى أن الوجود العسكري لم يعد مرتبطاً بالحرب السورية، التي يسعى لتثبيت فكرة انتهائها، بقدر ما يكون هذا الانتشار مصلحة استراتيجية للحليف الروسي الذي دعمه بقوة خلال الحرب، مع إعلان الأسد صراحة أن الوجود الروسي في سورية يرتبط بتحقيق توازن القوة الدولي، ما يعني وضع نفسه بوجه "الامتعاض" الأميركي من التوسع الروسي في الإقليم.

زيادة تحدٍّ للمحاذير الغربية

هذا التطور يطرح أسئلة حول ما إذا كانت زيادة التوسع الروسي في سورية، بأهدافها الاستراتيجية التي تحدث عنها الأسد، ستجعل الملف السوري في إطار حسابات إقليمية مختلفة، لا سيما بتعامل الإدارة الأميركية معه على أساس زيادة تحدي الأسد للمحاذير الغربية.

استبعد بسام بربندي أن تخلق زيادة الانتشار الروسي بسورية ردة فعل أميركية

وقال الأسد، في مقابلة مع وسائل إعلام روسية خلال زيارته موسكو، إن "زيادة عدد القواعد العسكرية الروسية في الأراضي السورية، قد تكون ضرورية في المستقبل"، مؤكداً أهمية الوجود العسكري الروسي ودوره في توازن القوى في العالم.

ورداً على سؤال حول إمكانية زيادة عدد القواعد العسكرية الروسية في سورية، أجاب: "النظرة إلى القواعد العسكرية لا يجب أن ترتبط بموضوع مكافحة الإرهاب، مكافحة الإرهاب أمر قائم حالياً، ولكنه سيكون مؤقتاً، ولا يمكن للوجود العسكري الروسي في أي دولة أن يبنى على شيء مؤقت. نحن نتحدث عن توازن دولي. وجود روسيا في سورية له أهمية مرتبطة بتوازن القوى في العالم".

وأضاف: "نعتقد أن توسيع الوجود الروسي في سورية هو شيء جيد يخدم هذه الفكرة، وإذا كان هذا التوسع في دول أخرى، ربما في مناطق أخرى سيخدم نفس الفكرة، فنعم نقول إن هذا شيء قد يكون ضرورياً في المستقبل".

وأشار الأسد إلى فرضية الردع المتبادل من خلال الانتشار العسكري الروسي في سورية، بالقول إنه "لا يمكن للدول العظمى اليوم أن تحمي نفسها أو أن تلعب دورها من داخل حدودها. لا بد أن تلعب الدور من خارج الحدود، من خلال حلفاء موجودين في العالم، أو من خلال قواعد (عسكرية)"، مؤكداً أهمية أن تكون القواعد العسكرية الروسية في سورية مسلحة بأفضل الأسلحة كي يكون لها تأثير رادع.

وتعليقاً على إمكانية نشر أسلحة وصواريخ فرط صوتية في القواعد العسكرية الروسية في سورية، قال الأسد: "طبعاً إذا كنت ستبني قواعد، فليس الهدف أن تكون القواعد ضعيفة من الناحية العسكرية. يفترض أن تسلح القواعد، كي يكون لها تأثير بالردع أو بالتوازن، بأفضل الأسلحة، هذا هو الشيء الطبيعي والمنطقي، سواء كانت صواريخ فرط صوتية أو أي أسلحة أخرى أكثر تقدماً".

ورفض الأسد الكشف عما إذا كانت موسكو ودمشق قد اتفقتا على تصدير أنظمة دفاع جوي إضافية إلى سورية، قائلاً: "حصل لقاء بين وزيري الدفاع ناقشا فيه كل الجوانب العسكرية، ولكن لا يمكن أن نعلن عن القضايا العسكرية التخصصية التي نوقشت خصوصاً ما يتعلق بموضوع الأسلحة".

واستمرت مباحثات الأسد المغلقة مع بوتين ثلاث ساعات. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في تصريحات عن المباحثات: "جرت مفاوضات جوهرية للغاية على أعلى مستوى، سبقتها اتصالات بين الإدارات، ولا سيما من خلال وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع".

وتمتلك روسيا قاعدتين عسكريتين في سورية، هما حميميم الجوية في ريف محافظة اللاذقية، وطرطوس البحرية غربي البلاد. كما تنتشر القوات الروسية في العديد من المحافظات، سواء من خلال قوات المشاة أو الشرطة العسكرية، لا سيما في دمشق وحلب وحمص والأجزاء الواقعة تحت سيطرة النظام في إدلب، بالإضافة إلى انتشار واسع في البادية وشرق سورية، لحماية بعض حقول الغاز والفوسفات التي تهيمن عليها روسيا، بالإضافة لخلق توازن مع الانتشار الأميركي شرقي البلاد.

ضمان روسيا مراقبة البحر المتوسط

وعقب المحادثات وتصريحات الأسد، قال رئيس تحرير مجلة "الدفاع الوطني"، الخبير العسكري الروسي إيغور كوروتشينكو، في مقابلة مع وكالة "نوفوستي"، إن الوجود العسكري الروسي في سورية يجعل من الممكن درء التهديدات المتزايدة باستمرار من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مؤكداً أن الوجود العسكري الروسي في سورية يضمن لروسيا مراقبة البحر الأبيض المتوسط، وكذلك الجناح الجنوبي لحلف الناتو، وذلك للتصدي للتهديدات التي تستهدف أمن روسيا.

طه عبد الواحد: ربما تقرر واشنطن زيادة عدد قواتها وتعزيز وجودها العسكري في سورية

وتعليقاً على تصريحات الأسد وتأييده فكرة توسيع الوجود الروسي في البلاد، قال كوروتشينكو إن تصريح الأسد يتفق تماماً مع المصالح العسكرية والجيوسياسية الروسية في المنطقة والعالم، مشيراً إلى أنه "بغض النظر عن عملية مكافحة الإرهاب الجارية في سورية، يجب أن يكون لروسيا قاعدتان عسكريتان في البلاد، ومجهزتان بالكامل وتتمتعان بالوضع القانوني المناسب".

وتابع: "بالنسبة إلى طرطوس، هناك حاجة إلى قاعدة بحرية كاملة، وليس مجرد نقطة لوجستية. وبناء عليه، يجب تنفيذ أعمال البناء والبنية التحتية اللازمة هناك، ومن المهم للغاية توفير غطاء دفاع جوي لكلتا القاعدتين (حميميم وطرطوس)، بالنظر إلى تزايد خطر وقوع هجمات بطائرات مسيّرة اليوم".

وأشار الخبير العسكري الروسي إلى أن حل المسائل القانونية والبنية التحتية اللازمة يجب أن يضمن وجود روسيا في المنطقة لمدة 50 عاماً على الأقل مع تمديد تلقائي، منوهاً إلى أن "القواعد الروسية في سورية ستكون بمثابة عنصر للاستقرار وتضمن القدرة على التنبؤ بتطور الوضع العسكري والسياسي الدولي.

لا ردة فعل أميركية

وتعليقاً على ذلك، رأى الدبلوماسي السوري السابق، المقيم في واشنطن، بسام بربندي، أن السياسة الأميركية إلى حد الآن لا تنظر إلى سورية على أنها ساحة صراع مع روسيا، مستبعداً بالتالي أن تخلق زيادة الانتشار الروسي والموجود أساساً بشكل كبير من خلال القواعد الجوية والبحرية والعسكرية البرية، ردة فعل أميركية تجاهه، سواء أمام النظام أو الروس.

ونوه بربندي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "واشنطن، وعلى العكس من هذه الفرضية، ستجد فرصة بزيادة الانتشار الروسي في سورية لتحميل موسكو أمرين: الأول يتعلق بمكافحة الإرهاب، والآخر إعادة الاستقرار واللاجئين، بمعنى أن تدخّلها في سورية يعني مسؤوليتها عن هاتين المسألتين، بالتالي توجيه الملامة لها على عدم تحقيقهما".

واعتبر أن "واشنطن ليست مهتمة بالملف السوري سوى بإتمام المشروع الكردي، أما ما تبقى فإنه يمكن القول إنه خارج حساباتها". من جهته، رأى المحلل السياسي طه عبد الواحد، المقيم في موسكو، أنه بخصوص زيادة التوسع العسكري الروسي في سورية "كل شيء وارد".

حاجة روسيا إلى قاعدتين بسورية

وأضاف عبد الواحد، لـ"العربي الجديد": "هم بالأساس، وفق الرؤية القديمة للقواعد في سورية، يحتاجون قاعدة بحرية، وقاعدة جوية، لكن في عمق البلاد وليس قرب القاعدة البحرية، حتى تكون لدى القاعدة الجوية قدرات مناورة للتحرك في حال طُلب منها القيام بمهام التصدي لأي هجمات تتعرض لها القاعدة البحرية".

وتابع: "يحتاجون للغرض ذاته وضمان حماية القاعدتين بقواعد صاروخية للدفاع الجوي، لذلك كل الاحتمالات هنا واردة بشأن تطوير شكل الانتشار الروسي في سورية". ونوه عبد الواحد إلى أن وجود القوات الروسية على شواطئ المتوسط مهم جداً بالنسبة لموسكو في مواجهة الأسطول السادس الأميركي في المتوسط، لكنه استبعد أن يؤثر ذلك على تعامل الأميركيين مع النظام، قائلاً: "من غير المتوقع أن يشكل ذلك نوعا من التغير في كيفية التعامل مع النظام لدرجة أن يشكل فرقاً بالنسبة للوضع في سورية، لا سيما في ما يتعلق بتطلعات السوريين. في الوقت ذاته ربما تقرر واشنطن زيادة عدد قواتها وتعزيز وجودها العسكري في سورية في حال تعزيز الانتشار الروسي هناك، وهم بكل الأحوال يشكلون الآن، وعبر قوة محدودة نسبياً في شمال شرق وشرق سورية، ما يمكن وصفه "عصا في دواليب" الرغبات الروسية بفرض هيمنة مطلقة على سورية".

المساهمون