الأزمات تربك سلطات باكستان: غضب البلوش وابتزاز طالبان

02 سبتمبر 2024
جندي باكستاني يفتش مواطناً بكويتا، 27 أغسطس 2024 (بناراس خان/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تصعيد أمني في بلوشستان وتأثيره على العلاقات الباكستانية-الصينية**: شهد إقليم بلوشستان تصعيدًا أمنيًا غير مسبوق في أغسطس، مما أثار نقاشات واسعة حول مستقبل الإقليم وأربك الحكومة الباكستانية، خاصةً مع تأثيره على العلاقات التجارية مع الصين.

- **دور طالبان الأفغانية والدعم الخارجي للانفصاليين البلوش**: تزامنت الأحداث مع عمليات خطف نفذتها طالبان باكستان، وتلقي الانفصاليين دعمًا خارجيًا من طالبان الأفغانية، مما يزيد التوترات بين باكستان وأفغانستان.

- **الإفراج عن العقيد الباكستاني بوساطة قبلية**: أعلن الجيش الباكستاني الإفراج عن عقيد وثلاثة من أقاربه بعد خطفهم من قبل طالبان باكستان، مما يعكس تعقيد الوضع الأمني وفشل الاستخبارات في منع الحوادث.

شهد إقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان هذه الأيام، حالة تصعيد غير مسبوقة، إذ لا تزال أصداء الأحداث الأمنية التي شهدها الإقليم في 25 و26 أغسطس/آب الماضي، حيث قتل أكثر من 100 شخص غالبيتهم من عناصر الجيش والشرطة والأمن، في هجمات الانفصاليين البلوش، تخيم على الأروقة السياسية والأمنية والشعبية. وتدور نقاشات طويلة ومتواصلة على وسائل الإعلام وفي البرلمان ومجلس الشيوخ بشأن الوضع في الإقليم، بينما حالة الإرباك باتت جلية داخل الحكومة، حيث تتضارب مواقف المسؤولين وتصريحاتهم بشأن مستقبل إقليم باتت العلاقات الصينية - الباكستانية التجارية والاقتصادية مرهونة بالوضع فيه.

وتزامنت التطورات في الإقليم مع تمكن حركة طالبان باكستان من خطف عقيد في الجيش مع اثنين من إخوانه، وشخص آخر من أقاربهم، فيما أعلن الجيش، في بيان أمس الأحد، أنه أُفرج عنهم، بالإضافة إلى خطف سبعة من عناصر القوات شبه العسكرية في منطقة ديرة إسماعيل خان الواقعة في إقليم خيبر بختونخواه شمال غربي باكستان، واشتراط الحركة مقايضتهم للإفراج عنهم.

قلق متزايد بشأن الوضع في بلوشستان

ومع أن الحكومة الباكستانية والجيش قد طمأنا بأن الوضع في بلوشستان تحت السيطرة، وأن الجيش يشن عمليات لقمع المسلحين، بحسب ما أعلنه قائد الجيش الجنرال عاصم منير ورئيس الوزراء شهباز شريف خلال زيارتهما إلى بلوشستان في 29 أغسطس الماضي، فإن تصريحات أعضاء في البرلمان ومجلس الشيوخ وسياسيين من بلوشستان أثارت تساؤلات حول مستقبل هذا الإقليم، وهل هو فعلاً بصدد الخروج من قبضة الحكومة والجيش.

شفاعت علي خان: البلوش لا يمكنهم شن هجمات من دون دعم خارجي

وقال العضو في مجلس الشيوخ عمر فاروق، خلال جلسة لمجلس الشيوخ في 29 أغسطس الماضي عقدت لمناقشة الوضع في بلوشستان، إن الإقليم أصبح خارج قبضة الحكومة، وقوات الأمن غير قادرة على احتواء ومواجهة القضية، معتبراً أن الفساد كان يسود أجهزة الدولة في بلوشستان خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى قمع الناس واختطاف الشباب. وأشار إلى أن "تعامل أجهزة الدولة مع المنطقة أرغم البلوش على حمل السلاح والهروب إلى الجبال، والآن عندما تأتي أجهزة الأمن والاستخبارات وتقول إننا سنقضي عليهم جميعاً، أو ليستسلموا ويعيشوا معنا، أقول لهم عسكرياً لا يمكنكم القضاء عليهم. الوضع مأساوي بكل المعاني، وذلك بسبب السياسات التي تبنتها الأجهزة وجعلت البلوش أعداء لها".

ثمة سؤال يطرحه الجميع خلال الحديث عن الوضع في بلوشستان عمن يدعم الحركات الانفصالية فيها. وكان مسؤولون، بينهم شهباز شريف ووزير الداخلية محسن نقوي، أشاروا علناً إلى أن الهند تساعد الانفصاليين، لكنهم لم يتحدثوا علناً عن دور حركة طالبان الأفغانية في الموضوع. إلا أن حاكم إقليم السند كامران تسوري أكد، في مؤتمر صحافي في 28 أغسطس الماضي، أن "طالبان" الأفغانية لا تدعم فقط حركة طالبان باكستان بل تسمح أيضاً للبلوش باستخدام الأراضي الأفغانية ضد القوات الأمنية. كما أن وسائل إعلام باكستانية، تابعة للجيش والحكومة، بدأت تتحدث عن علاقات "طالبان" الأفغانية بالبلوش، وما يحدث في الإقليم.

دعم خارجي للبلوش في باكستان

وأشار المحلل الأمني الباكستاني شفاعت علي خان، لـ"العربي الجديد"، إلى أن التصعيد الحالي في باكستان بدأ بعد سيطرة "طالبان" على أفغانستان، معتبراً أن البلوش لا يمكنهم من دون دعم خارجي، إيراني أو أفغاني، شن هذا العدد الهائل من الهجمات على ثكنات للجيش في أماكن مختلفة. وقال إن "العداء مع طالبان الأفغانية والقبائل البشتونية والبلوشية، قضية خطيرة للغاية، لذا على صناع القرار في باكستان الحذر من هذا الأمر".

وأضاف: "الآن طالبان الأفغانية عدوة لباكستان أكثر من عداء الأخيرة مع الهند. لديها شكاوى ولباكستان شكاوى، ولا بد من إيجاد حل لهذا الأمر"، موضحاً أن "طالبان الأفغانية ناقشت مع الجانب الباكستاني مراراً خرق الطائرات الباكستانية الأجواء الأفغانية وشن غارات هناك، بالإضافة إلى سماح باكستان للطائرات الأميركية من دون طيار الدخول إلى الأجواء الأفغانية، وقد تحدث عن ذلك وزير الدفاع الأفغاني الملا يعقوب، علاوة على زعم كابول أن الاستخبارات الباكستانية تساعد تنظيمات معارضة لها، منها داعش وجبهة الشمال".

وأوضح شفاعت علي خان أن "طالبان الأفغانية ليست لديها طائرات لترد عبرها على الغارات الباكستانية أو عبور الطائرات الأميركية أجواء باكستان لمراقبة الأوضاع في أفغانستان، ولكن في يدها طالبان باكستان والبلوش أيضاً، ويمكنها أن تنتقم عبرهما". وتابع: "على باكستان أن تتفاوض مع طالبان الأفغانية لحل المشاكل بينهما، وهو ما قد يفتح الباب أمام حل المشاكل مع طالبان باكستان والبلوش. لكن في ظل العداء مع أفغانستان، فإنه لا يمكن أن يكون شمال وجنوب غرب باكستان آمنين". وأشار إلى أن "الطبقة الوسطى والفقيرة في البلوش ضد الحكومة والجيش بشكل كامل، وأخشى أن تسير قبائل البشتون على نفس المنوال. الكل ينتظر نتيجة الاجتماع القبلي للبشتون في مقاطعة خيبر بداية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والذي قد يقرر مستقبل القبائل البشتونية في باكستان".

الإفراج عن العقيد بالجيش

أعلن الجيش الإفراج عن أربعة أشخاص بينهم عقيد بوساطة قبلية

في هذه الأثناء، أعلن الجيش الباكستاني، في بيان أمس الأحد، أنه أُفرج عن أربعة أشخاص بينهم عقيد بالجيش خطفوا قبل أيام. وقال إن "الإفراج غير المشروط" عن العقيد خالد أمير خان وثلاثة من أقاربه جرى تأمينه بسبب الدور الذي لعبه شيوخ القبائل، و"عاد جميع المختطفين إلى ديارهم بأمان". وكانت أجهزة الدولة انشغلت بحادث الخطف في إقليم خيبر بختونخواه شمال غربي باكستان، والذي عكس فشل الاستخبارات من جهة، ومدى تمكن "طالبان" باكستان من الوصول إلى أماكن محصنة أمنياً من جهة ثانية. ويوجد في مدينة ديره إسماعيل خان، التي اختطف الضابط في الجيش ورفاقه منها، مقار كبيرة للجيش والشرطة والاستخبارات، وهي مسقط رأس كبار المسؤولين، منهم حاكم إقليم خيبر بختونخواه، وهو وزير الداخلية السابق فيصل كريم كندي، ورئيس وزراء الحكومة الإقليمية محمد أمين كندوه بور، وزعيم أكبر جماعة دينية، جمعية علماء باكستان، المولوي فضل الرحمن.
وكان العقيد خالد أمير خان، الذي قام بمهام عسكرية مختلفة في منطقة القبائل في السنوات الماضية، قدم إلى المدينة للمشاركة في عزاء والده في 28 أغسطس الماضي، حيث داهم عناصر "طالبان" باكستان مراسم العزاء وخطفوه مع شقيقيه وقريب لهم. وفي حين حاول الجيش التكتم على القضية، نشرت حركة طالبان باكستان وقتها تسجيلاً مصوراً للعميد يقول فيه إنه مع الحركة وفي منطقة خارجة عن سيطرة ونفوذ الجيش والحكومة، طالباً من المؤسسة العسكرية والحكومة تلبية مطالب "طالبان" كي يُفرج عنهم.

وعلمت "العربي الجديد" من خلال مصادر قبلية أن الحكومة والجيش استعانا بالزعامة القبلية في ديره إسماعيل خان، التي تمكنت من الوصول إلى قيادات في "طالبان" وناقشت معهم القضية، حيث طلبت الحركة من الحكومة الباكستانية والجيش الإفراج عن 20 شخصاً من قادتها وعناصرها في السجون، لكن من دون أن يتضح ما إذا لُبِّيت مطالب الحركة بعد الإفراج عن المختطفين، إذ لم يتطرق بيان الجيش إلى أي معلومات بهذا الشأن. وأكد مصدر قبلي رفض الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، أن من بين القيادات التي كانت تريد "طالبان" باكستان إطلاق سراحهم مقابل الإفراج عن الضابط ورفاقه وعناصر أخرى من الأمن، لطيف محسود، الوجه المعروف في الحركة الباكستانية ولدى "طالبان" الأفغانية وحتى الحكومة الأفغانية السابقة، إذ كان يقوم بدور الوساطة بين حركة طالبان أفغانستان وبين حكومة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، لكن الاستخبارات الباكستانية اعتقلته في العام 2013، ما أثار استياء حكومة كرزاي، وسط تضارب بشأن مصير محسود. وذكرت بعض المصادر القبلية، لـ"العربي الجديد"، أنه توفي في السجن لدى الاستخبارات الباكستانية، وأنه حتى ولو كان حياً فإن الحكومة والجيش لن يوافقا على الإفراج عنه، لأنه أقوى شخصية في "طالبان" باكستان ومن مؤسسي الحركة وكان مقرباً من مؤسسها بيت الله محسود.

ومن القيادات التي طالبت "طالبان" بالإفراج عنها مسلم خان، وهو كان الناطق السابق باسمها، وقد اعتُقل خلال عملية للجيش في وادي سوات في 2009. كما تطالب بالإفراج عن القيادي في الحركة ملك محمود الذي كان من زعماء القبائل في سوات، والذي اعتقل في عملية للجيش هناك في 2009. أما القيادي الرابع التي تريد طالبان الإفراج عنه فهو عالم الدين والقيادي في الحركة من مقاطعة باجور القبلية المولوي عمر الذي اعتقله الجيش عام 2005.

المساهمون