الأحزاب اليمنية تحاول استعادة دورها: تصورات لوقف الحرب

الأحزاب اليمنية تحاول استعادة دورها: تصورات لوقف الحرب وتصحيح "الشرعية"

10 مارس 2022
يعقد غروندبرغ مشاورات موسعة مع الأحزاب اليمنية (عبد الناصر الصديق/الأناضول)
+ الخط -

تعرضت الأحزاب السياسية اليمنية إلى ضربة موجعة خلال السنوات الماضية، إذ تراجع دورها لمصلحة جماعات مسلحة وكيانات نافذة باتت المتحكم في المشهد ومن يقرر مصير البلد الذي يقف على عتبات السنة الثامنة من الحرب.

وتُتهم الأحزاب بالضلوع بشكل مباشر وغير مباشر في ما آلت إليه الأوضاع داخل اليمن. ففي مقابل التخلي عن دورها بممارسة دور المعارضة لمراقبة الأداء المختل للسلطة، تورطت بعض القوى في الصراع الدائر، وفي الحرص على المحاصصة في الحكومات المتعاقبة منذ اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015.


المشاورات الحالية التي تحتضنها عمان بين غروندبرغ والأحزاب اليمنية تبدو منسقة بشكل أكبر

وبعد أن فقدت ثقة الشارع اليمني، بما في ذلك قواعدها الجماهيرية، تحاول الأحزاب ترميم نفسها واستعادة دورها المفقود، من خلال تقديم تصورات لإصلاح منظومة السلطة الشرعية التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي، بالإضافة إلى طرح حلول متعددة لوقف الحرب والبدء في عملية سلام تقودها الأمم المتحدة.

اجتماعات بين الأحزاب اليمنية وغروندبرغ

ومنذ مطلع مارس الحالي، بدأت الأحزاب تعود إلى واجهة المشهد. فبعد أيام من لقاء جمع قيادات وممثلين عن القوى السياسية مع هادي في الرياض، بهدف عرض حزمة معالجات للاختلالات التي تعيشها منظومة الحكم، كانت العاصمة الأردنية عمّان تحتضن مشاورات حزبية واسعة مع المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، الذي عقد، أمس الأول الثلاثاء، جلسة مشاورات ثنائية مع ممثلين من حزب التجمع اليمني للإصلاح.

ومن خلال اجتماعات ثنائية مع قيادات كل حزب، تأمل الأمم المتحدة أن تتلقى بشكل يومي تصورات عاجلة وطويلة الآجل لمعالجة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، وذلك بهدف تطوير خريطة طريق جديدة يتم البناء عليها لإطلاق عملية سلام شاملة متعددة المسارات، حسب بيان صادر عن مكتب المبعوث الأممي تم توزيعه على وسائل الإعلام، الإثنين الماضي.

وهذه ليست المرة الأولى التي يعقد فيها غروندبرغ لقاءات مع أحزاب يمنية بهدف الاستماع لرؤاها. لكن المشاورات الحالية التي تحتضنها عمان، تبدو منسقة بشكل أكبر، إذ تم الإعداد لها منذ أشهر عدة. كما أنها تضم أكثر من 100 شخصية يمنية فاعلة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً ومدنياً، وفقاً لمصدر مطلع تحدث لـ"العربي الجديد". 

وفيما ذكر المصدر أن المشاورات ستُعقد بشكل متواصل حتى مطلع إبريل/نيسان المقبل، إن لم يتم تمديدها لوقت أطول، أشار إلى أن الاجتماعات ستكون بمثابة "عصف ذهني" يبلور من خلاله غروندبرغ إطاره السياسي، مع الحرص على الاستمرار في الانخراط بنقاشات مع الأطراف الرئيسية؛ الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين.

وشاركت أغلب الأحزاب بتمثيل رفيع لقيادات عليا، فضلاً عن ممثلين عن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، والمكتب السياسي لقوات طارق صالح نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ومكّون الحراك التهامي وغيرها من قوى حضرموت والمهرة. ووفقاً للمصدر، فإن الأمم المتحدة قامت بمضاعفة أعداد الوفود حتى يتسنى تمثيل النساء.

وتطمح الأمم المتحدة للحصول على "أجندة مستقبلية إيجابية" من القوى والمكونات اليمنية. وخلافاً للدعم الدولي الكبير، والذي تمثّل بانتقال سفراء الدول الخمس الكبرى لدى اليمن (فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا)، إلى عمّان، في أول أيام المشاورات، وبيانات الترحيب التي تلتها، تبدو الأحزاب السياسية متفائلة هذه المرة أكثر من ذي قبل.

وقد أعرب مصدر سياسي مشارك في الاجتماعات، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، عن أمله في الخروج برؤية حل حقيقية لوقف الحرب، وأن تضع الأحزاب مصلحة اليمنيين فوق أي مصالح ضيقة.

عوامل كبّلت عمل الأحزاب اليمنية

وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية في عمّان، إلا أنّ الأحزاب اليمنية تخشى أن تواجَه تصوراتها بالرفض من قبل الأطراف الرئيسية للحرب، كما هو الحال مع إهمال الرئاسة للمقترحات الخاصة بإصلاح منظومة "الشرعية"، والتي تم تقديمها الخميس الماضي خلال لقاء مجموعة من القوى الحزبية مع هادي في الرياض.


تخشى الأحزاب اليمنية أن تواجَه تصوراتها بالرفض من قبل الأطراف الرئيسية للحرب

وساهم عدد من العوامل في تكبيل العمل الحزبي خلال سنوات الحرب. وخلافاً لتهميش مؤسسة الرئاسة، التي لا تنتظر من الأحزاب السياسية سوى بيانات مؤيدة لمواقفها، وخصوصاً بعد تشكيل كيان تحت مسمى أحزاب التحالف الوطني في 2019، لعبت الأطراف الإقليمية الفاعلة في الملف اليمني دوراً في إضعاف القوى السياسية.

وحسب دراسة حديثة لمركز صنعاء للدراسات، مطلع فبراير/شباط الماضي، فإن الدول الرئيسية التي تدعم أطراف النزاع مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران، "لا تؤمن بنظام قوي متعدد الأحزاب، ولذا فهي راضية عن الترويج للخطاب الديني لحلفائها المحليين"، في إشارة للجماعات السلفية جنوباً والحوثين شمالاً.

مصفوفة حزبية لمعالجة عمل الحكومة اليمينة

وبعد سنوات من التهميش القسري، حاولت الأحزاب العودة إلى الواجهة من خلال تجهيز مصفوفة معالجات لعمل الحكومة "الشرعية"، بهدف تجاوز الإخفاقات الكبيرة التي رافقت عمل الفترة الماضية في الجوانب كافة، العسكرية والاقتصادية والسياسية.

في المصفوفة التي تم تقديمها لهادي خلال اجتماع الرياض، الخميس الماضي، وحصلت عليها "العربي الجديد"، ركزت الأحزاب على سلسلة من الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وصولاً إلى تنقية الأجواء بين القوى المناهضة للانقلاب الحوثي.

وجاءت مسألة "تطوير العلاقة مع التحالف" في الصدارة، إذ دعت الأحزاب إلى "إيجاد آلية مؤسسية مشتركة للتقييم في مختلف المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية بما يعزز الثقة، واعتماد النافذة الواحدة للدعم عبر الحكومة ومؤسسات الدولة".

وفي الشق العسكري، طرحت الأحزاب عددا من النقاط، على رأسها "العمل على ترجيح ميزان القوة العسكرية لصالح الشرعية حتى تتم استعادة الدولة وإسقاط الانقلاب الحوثي، وإصلاح الاختلالات في الوحدات العسكرية، ومحاسبة المقصرين، وإنهاء ظاهرة تعدد التشكيلات العسكرية بدمجها تحت وزارتي الدفاع والداخلية".

وفيما شددت الأحزاب على "ضرورة توحيد جهازي الأمن السياسي والقومي في كيان واحد"، دعت إلى "تفعيل جهاز الاستخبارات العسكرية لمواجهة القصور الاستخباراتي الذي جعل الجبهات العسكرية مكشوفة أمام ضربات وهجمات الحوثيين الإرهابية".

وامتدت مطالب الأحزاب إلى إصلاح خلل السلطة التنفيذية، وذلك من خلال "إجراء إصلاحات بمختلف المؤسسات والأجهزة الحكومية، وتفعيل أجهزة الدولة الرقابية المعنية بمكافحة الفساد، ومراجعة القرارات التي صدرت في الفترة السابقة، وإلغاء ما صدر بالمخالفة للمعايير القانونية".

وطالبت الأحزاب بـ"إعادة تشكيل هيئة مستشاري هادي، وتنظيم عملها واجتماعاتها بلائحة تصدر بقرار جمهوري، وتقليص عدد العاملين في البعثات الدبلوماسية، وإصلاح وتفعيل السلك الدبلوماسي للقيام بواجباته في حشد الدعم والإسناد الدولي للشرعية وتعرية مليشيات الحوثي، وإيلاء اهتمام أكبر بالبعثات في القرار الدولي".

الرئاسة اليمنية تريد إيصال رسالة إلى الشارع اليمني بأن الأحزاب شريكة في التدهور الحاصل

وفي ما يتعلق بالمؤسسات التشريعية، دعت الأحزاب إلى "عودة البرلمان بشكل عاجل للانعقاد في أرض الوطن، والقيام بمهامه الدستورية، وضرورة أن ينال البرنامج الحكومي ثقة مجلس النواب، كواجب دستوري". بالإضافة إلى "توسيع دائرة الشراكة وإعادة تشكيل مجلس الشورى، وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، مع ضمان تمثيل المكونات السياسية التي نشأت بعد مؤتمر الحوار والمكونات التي لم تمثل بالحكومة".

وبخصوص توحيد الصف الوطني للقوى المناهضة للانقلاب الحوثي، دعت الأحزاب إلى "استكمال تنفيذ اتفاق الرياض (الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي) بكل بنوده المنصوص عليها، لا سيما ما يتعلق بالشق الأمني والعسكري، وتوسيع آليات اتفاق الرياض بحيث تشمل أحزاب التحالف الوطني، بما لا يخل بنصوص الاتفاق ومسؤولية الحكومة".

خيبة أمل من تجاهل الرئاسة اليمنية لمصفوفة المعالجات

غير أن الأحزاب أصيبت بخيبة أمل، بعد ظهور الاجتماع في وسائل الإعلام الرسمية، التي زعمت أن القوى السياسية "أعلنت دعمها الخطوات والجهود الحميدة والحكيمة للرئيس هادي في التعامل مع مختلف القضايا التي تشهدها البلاد، وأنها ستقف صفاً واحداً خلف الشرعية الدستورية".

وفيما تجاهل الإعلام الرسمي الإشارة لمصفوفة المعالجات التي تم تقديمها خلال الاجتماع، كان من الواضح أن الرئاسة اليمنية تريد إيصال رسالة للشارع اليمني بأن الأحزاب شريكة في التدهور الحاصل.

فقد تم تصدير الخبر بالحديث عن تأكيد هادي أن الأحزاب والقوى السياسية "تعد جزءاً أصيلاً من مكونات الدولة ومنظومة الحكم في البلد باعتبارها شريكة في إدارة الدولة من خلال تمثيلها ووجودها في الحكومة ومفاصل الدولة المختلفة".

ولا يبدو أن مصفوفة الأحزاب لإصلاح اختلالات "الشرعية" ستجد طريقها للتنفيذ. وامتنع عدد من المسؤولين في بعض الأحزاب السياسية، عن الإجابة على تساؤلات "العربي الجديد" حول الخطوات التي سيتم اتخاذها في حال لم تنفذ الرئاسة اليمنية بنود تلك المصفوفة.

ويؤكد خبراء أن الصحوة الأخيرة للأحزاب، وحديثها عن إصلاح "الشرعية"، لن يعفياها من المسؤولية والشراكة في الانهيار الحاصل في البلاد على كافة المستويات. ويعتقد المحلل السياسي اليمني، أحمد الزرقة، أن إصلاح "الشرعية"، مسألة تأخرت كثيراً، وباتت مجرد شعارات للاستهلاك فقط، وأن الاجتماع مع هادي لا يتجاوز وكالة "سبأ" والإعلام الرسمي.

وقال الزرقة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "المشكلة اليمنية في هرم الشرعية، والأحزاب السياسية مركّبة وتكشف عن مدى الاستلاب السياسي والتبعية للخارج والقوى الإقليمية. تلك الأحزاب بلا استثناء خارج الفعالية السياسية بسبب انفصالها عن قواعدها، وتآكل شرعيتها وتكلّسها، بسبب عدم عقد دوراتها الانتخابية ووجودها خارج البلاد، وتحولها إلى أدوات تشرعن الوجود السعودي الإماراتي".

وفيما قلل من أي نتائج للمشاورات الجارية في الأردن، أشار الزرقة إلى أن "غروندبرغ يحاول إحراز أي تقدم في العملية السياسية، ولو بشكل صوري، وذلك من خلال السعي لابتداع لقاءات مع الأطراف التي وقعت له وللمبعوثين السابقين شيكاً على بياض، من أجل تغطية فشله في إقناع الحوثيين بالالتقاء معه منذ تعيينه رسمياً مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي".

وطيلة الفترة الماضية، وفي ظل تدهور الأوضاع المعيشية جراء انهيار العملة وارتفاع أسعار السلع، ظلت الأحزاب في موقف المتفرج، واكتفت بإصدار بيانات خجولة، غالباً ما تكون ملغمة بالمواقف السياسية المبطنة، أكثر منها انتصاراً للشارع والقواعد الجماهيرية التي تخرج، بشكل عفوي، للتنديد بالأوضاع.

وانعكس الأداء السلبي للأحزاب، وعدم قيامها بالمهام المطلوبة منها، على نشاطها العام. وكشفت دراسة لمركز صنعاء للدراسات، أعدها الباحث توفيق الجند، مطلع فبراير الماضي، أن غالبية الأحزاب لم تتلق أي طلبات انضمام لعضويتها منذ العام 2019.

ولن تكون بمقدور الأحزاب استعادة الزخم السياسي الذي كان قبل ثمانية أعوام. وقال فيصل الشرعبي، وهو طالب في جامعة تعز، لـ"العربي الجديد"، إن القوى السياسية تركت قواعدها و30 مليون يمني فريسة لتجار الحرب، وباتت غير جديرة بشرف انتماء البسطاء لها.