الأحزاب الجزائرية تتحفظ على نعي بوتفليقة خشية من الغضب الشعبي قبيل الانتخابات المحلية
أبدت غالبية الأحزاب السياسية في الجزائر تحفظاً لافتاً بشأن نشر برقيات التعازي، إثر وفاة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، إذ بعد مرور 24 ساعة من إعلان الوفاة الليلة الماضية، لم تُصدر الأحزاب بيانات نعي، فيما نشر بعض قادة الأحزاب منشورات تحمّل الراحل مسؤولية المآلات السياسية التي وصلت إليها البلاد.
وبدا الارتباك السياسي واضحاً على الأحزاب الجزائرية، بما فيها التي كانت تدعم سياسات الرئيس السابق منذ عام 1999، كـ"جبهة التحرير الوطني" التي كانت تعتبر بوتفليقة رئيساً لها، و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"تجمع أمل الجزائر" و"الحركة الشعبية الجزائرية" و"حركة الإصلاح الوطني" و"التحالف الجمهوري"، بسبب التخوف من الموقف الشعبي الذي ما زال يحتفظ بموقف سلبي إزاء بوتفليقة، منذ الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019، إذ لم تصدر غالبيتها أية بيانات أو برقيات للتعزية ببوتفليقة. وحتى مساء السبت، كان حزبان فقط قد نعيا رسمياً الرئيس السابق، إذ نشرت "جبهة المستقبل" برقية مقتضبة لم تتجاوز السطرين، نعت فيها بوتفليقة، فيما انتظر "التجمع الوطني الديمقراطي" 16 ساعة، لينشر ترحماً مقتضباً لم يتجاوز السطر، على الرغم من أن هذا الحزب كان من أبرز داعمي سياسات بوتفليقة.
ويفسّر متابعون تحفّظ الاحزاب تجاه نشر بيانات تعزية بتخوفها من ردّ الفعل الشعبي الغاضب من بوتفليقة، خاصة عشية بدء الأحزاب جمع التوقيعات للانتخابات المحلية المقررة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
في المقابل، عمد قادة أحزاب سياسية معارضة إلى نشر كتابات ذات صلة بالحدث، إذ دعا رئيس "حركة مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، المسؤولين في السلطة في الجزائر إلى أخذ العبرة من المآلات التي انتهى إليها الرئيس السابق، وكتب مقري: "على الحكام أن يدركوا أنهم مهما قهروا الناس بسلطانهم وقوتهم ومالهم وأعوانهم والمتزلفين لهم، فإنهم لن يقهروا الموت. إن الموت مدركهم، ولو كانوا في بروج مشيدة، ستأتي اللحظة التي يزول فيها كل شيء، فيا ويح من أدركه الموت من الحكام وقد ظلم، وغش وكذب وزور، قد منع حقوق العباد، أو نهب أو فرط في ثروات البلاد، أو بدد الفرص والأوقات والمقدرات والكفايات. يأتي الناس يوم القيامة والحساب بينهم آحاد، ويأتي الحكام وحساب الناس عليهم أمم وشعوب وجماعات".
ونشر رئيس مجلس شورى "جبهة العدالة والتنمية"، لخضر بن خلاف، منشوراً يحمّل فيه الرئيس الراحل مسؤولية الخراب الاقتصادي الذي وصلت إليه الجزائر وتبعاته، بسبب السياسات التي اتبعها بوتفليقة طوال عقدين من الحكم، وكتب بن خلاف: "كتب الموت على الجميع ولكل أجل كتاب ولا خلود لبشر، مات من كان حريصاً على أن يموت بطلاً قومياً وزعيماً وطنياً، ولكن جاءت وفاته مجرد خبر بارد في وسائل الإعلام المختلفة. فلم يسمَّ لا الجامع الأعظم باسمه ولا جامعة ولا مطار كما كان يتمنى"، وأضاف: "مات من لم يُحاسب وقد ترك البلاد مقعدة في جميع المجالات، مات من مكّن القوى غير الدستورية كي تعبث بمقدرات الشعب الجزائري، ومات ومن أغلب وزرائه ورؤساء حكوماته قابعين في السجون، والمحاكم ما زالت يومياً تحاكم بعضاً من الفساد الذي عرفته البلاد في أثناء حكمه. حيث في كل مرة يذكر اسمه ويحمّل المسؤولية في التهم الموجهة إلى حاشيته، عند الله تجتمع الخصوم".
وبخلاف هذه المواقف المنتقدة، نشر المستشار السابق للرئيس الراحل هواري بومدين، وزير الثقافة في عهد الرئيس السابق بوتفليقة، محيي الدين عميمور، تغريدة ترحّم فيها على الرئيس، وطالب بأن "ينتصر منطق الدولة على رغبات البشر، أهلاً أو خصوماً، ولا شماتة في الموت".
وأضاف في منشور آخر: "سيُكتب الكثير عن بوتفليقة، لكنني أتوقع أن تكون هناك أيضاً كتابات متجنية وتصفية لحسابات وتعبير عن خلفيات، ومن هنا أنصح القارئ المهتم بأن يحرص على تعدّد مصادره، وأن يبذل جهداً للمقارنة بين الشهادات لاعتماد أكثرها مصداقية، وسيكون من بين ما يُمكّنه من ذلك أن يتعرف إلى شخصية الشاهد وإلى مدى استفادته من عطايا الرئيس السابق أو حرمانه إياها، وأن يتساءل عن موقفه منه في مراحل حياته المختلفة".