غاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، عن احتفالات الأمم المتحدة بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاماً على تأسيسها، التي عقدت طوال نهار الإثنين في مقر الأمم المتحدة الرئيس في نيويورك.
وفي الوقت الذي حضر أغلب قادة دول العالم أو مسؤوليها رفيعي المستوى في رسائل فيديو وجهوها بهذه المناسبة، وأكدوا التزامهم بالتعددية الدولية، ومواقف بلادهم من عدد من القضايا الدولية المهمة والحساسة؛ لم يكلف الرئيس الأميركي نفسه أو وزير خارجيته تسجيل رسالة مشابهة لا تزيد مدتها عن ثلاث دقائق.
بل لم تحضر كيلي كرافت، السفيرة الأميركية للأمم المتحدة، اجتماعات الجمعية العامة بهذه المناسبة، وأرسلت بدلاً عنها نائبتها السفيرة كاثرين شاليت. هذا على الرغم من أن الولايات المتحدة ليست دولة مؤسسة للأمم المتحدة فحسب، بل الدولة المضيفة لمقرها الرئيسي.
وكانت كرافت قد أطلقت التهديدات ضد إيران من واشنطن، مع وزير الخارجية الأميركي ووزراء آخرين في إدارة ترامب، في محاولة لإجبار المجتمع الدولي، بما في ذلك دول حليفة كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، على إعادة فرض العقوبات على إيران، على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وفي الوقت نفسه كان قادة العالم يؤكدون، واحداً بعد الآخر، التزامهم بالتعاون الدولي، والعمل معا لمجابهة التحديات الدولية، من فيروس كورونا إلى تحديات البيئة. وتعقد أغلب اجتماعات الجمعية العامة في دورتها الحالية عن بعد، بسبب جائحة "كوفيد 19".
وأكدت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد" في نيويورك، أنّ الولايات المتحدة سترسل مداخلة الرئيس الأميركي عبر الفيديو التي سيقدمها، صباح الثلاثاء، بمناسبة افتتاح أعمال الجمعية العامة رفيعة المستوى، والتي تكون بالعادة قرابة 15 دقيقة، ويقدم فيها قادة العالم رؤيتهم حول سياسات بلادهم الخارجية، ومواقفهم من الملفات الساخنة حول العالم.
كما يتحدثون عن التقدم الذي أحرز في بلادهم على مستويات عدة. وكانت الجمعية العامة قد طلبت أن ترسل تلك المداخلات قبل أربعة أيام من الموعد المتوقع لمداخلة الدولة.
وعلّق مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى قائلاً: "إن المستوى الذي وصل إليه عدم احترام الإدارة الأميركية للتعددية الدولية؛ يدل على استهتار بالمجتمع الدولي، والتركيز فقط على مصالح ضيقة تركز على سياسات الولايات المتحدة الداخلية، والانتخابات. وإن عدم إرسالهم رسالة مسجلة قصيرة، بمناسبة تأسيس الجمعية العامة وعدم حضور السفيرة الأميركية، مؤسف جداً".
وبدا من السخرية أن يكون العنوان الذي تعقد تحته الاجتماعات: "المستقبل الذي نريده، الأمم المتحدة التي نحتاجها: إعادة التأكيد على الالتزام الجماعي بالتعاون متعدد الأطراف". وقد أكدت الغالبية الساحقة من الدول المتحدثة على ذلك التعاون، ومحاولة العمل لإيجاد حلول مشتركة لقضايا عالقة، كإيجاد لقاح لفيروس كورونا، والتنسيق والتعاون من أجل إتاحته لجميع الدول بشكل مجاني أو شبه مجاني، وخاصة للدول الفقيرة. لكن الولايات المتحدة وروسيا كانتا قد أعلنتا بشكل منفرد، عن عدم اشتراكهما بتلك المجهودات التي تنسقها منظمة الصحة العالمية.
المستوى الذي وصل إليه عدم احترام الإدارة الأميركية للتعددية الدولية؛ يدل على استهتار بالمجتمع الدولي
وتواجه الأمم المتحدة تحديات عدة، وخاصة في ظل غياب دور إيجابي تلعبه الولايات المتحدة التي انسحبت منذ تولي إدارة دونالد ترامب الرئاسة من عدد من المنظمات الدولية المهمة، من بين مجلس حقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، على سبيل المثال لا الحصر.
وتواجه المنظمة بسبب تبعات جائحة كورونا الاقتصادية كذلك تحديات جدية في قدرتها، ومعها قدرة الدول الفقيرة والمتوسطة، على تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي هذا السياق فإن التعددية الدولية والتعاون أساسيان من أجل تحقيق تلك الأهداف. وفي ظل انسحاب مستمر للولايات المتحدة من تلك المؤسسات، ووقف التمويل وتخفيضه عن مؤسسات أخرى؛ فإن الدور الذي يمكن أن تلعبه دول أخرى يصبح ذا أهمية قصوى.
وتحاول الأمم المتحدة حث الدول الأخرى على زيادة التزاماتها، في ظل غياب دور إيجابي للولايات المتحدة عن المنظمة الدولية. وفي هذا السياق تأتي كذلك أهمية الإعلان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة تأسيسها. ويشير الإعلان إلى أن التحديات التي يواجهها العالم متشابكة ولا يمكن التصدي لها، إلا من خلال بث الحياة من جديد في نظام التعددية الدولية.
ويؤكد الإعلان على أن جائحة فيروس كورونا أصبحت في غضون بضعة أسابيع من بدئها، أضخم تحدٍ عالمي في تاريخ الأمم المتحدة. ويشير الإعلان إلى أنّ الجائحة لم تتسبب في وفاة مليون شخص حول العالم تقريباً حتى الآن فحسب؛ بل تسببت كذلك في حدوث ركود اقتصادي عالمي، وفي تنامي الفقر، وزيادة القلق والمخاوف.
ويؤكد الإعلان الذي تبنته الجمعية العامة (193 دولة) التزام قادة الدول بعدد من الأمور، من بينها عدم "ترك أحد خلف الركب، حيث ستكون السنوات العشر القادمة، عقداً للعمل والإنجاز لتحقيق التنمية المستدامة، وهي الأكثر حسماً من بين السنوات التي عاشها جيلنا".
كما يؤكد الإعلان على الالتزام بحماية الكوكب، ومواجهة تحديات البيئة، والحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لتقليص انبعاثات غازات الدفيئة، واعتماد أنماط مستدامة للاستهلاك والإنتاج، بما يتماشى مع التزامات الدول ذات الصلة الواردة في اتفاق باريس، ويتسق مع خطة عام 2030.
ويؤكد الإعلان كذلك على عدد من القضايا المهمة الأخرى، بما فيها الالتزام بأحكام القانون الدولي، وكفالة العدالة، كما العمل على وضع النساء والفتيات في صميم الجهود الدولية لتحقيق المساواة للنساء، وسط الجهود الدولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والبيئية وغيرها.
ويطلب الإعلان من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أن يوافي الجمعية العامة قبل نهاية دورتها الخامسة والسبعين، في سبتمبر/ أيلول، بتقرير يتضمن توصياتٍ للنهوض بخطتها المشتركة، والتصدي للتحديات الحالية والمستقبلية.