تواصل أمس الأحد، لليوم الثاني على التوالي، اعتصام أنصار "التيار الصدري" داخل مقر البرلمان العراقي، والمنشآت الملحقة به، في المنطقة الخضراء في بغداد، والذي أعاد تصفير العملية السياسية في العراق، لمنع البرلمان من عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، أو انتخاب مرشح تحالف "الإطار التنسيقي" المقرب من إيران، الوزير السابق محمد شياع السوداني، رئيساً جديداً للحكومة.
وبعدما استقال نوابه من البرلمان، لتصبح كتلة "الإطار" الكتلة الأكبر، وضع زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، العملية السياسية في مربع جديد، عبر خزّانه الشعبي الذي لطالما اعتمد عليه، فيما أكد قياديون في "التيار" أن خطوة الاعتصام مستمرة، بانتظار توضح حزمة الشروط التي يطالب بها "التيار"، والتي أكدوا أنها تتخطى الذهاب إلى انتخاب مبكرة.
في غضون ذلك، برزت ملامح وساطة تقودها أربيل، لجلوس جميع الأطراف في البلاد على طاولة الحوار، منعاً نحو انزلاق الأوضاع إلى العنف والعنف المضاد، لكن الأمور قد تتجه إلى مزيد من التصعيد اليوم الإثني، بعدما أصدر تحالف "الإطار التنسيقي"، مساء أمس الأحد، بيانين دعا في الأول أنصاره إلى التظاهر اليوم الإثنين أمام المنطقة الخضراء، رداً على تظاهرات أنصار زعيم التيار الصدري. كما أصدر بياناً آخر قال فيه إن خطوات الصدر تعيد التذكير بالانقلابات الدموية، متوعداً بالوقوف ضدها ومنعها.
الصدر يدعو إلى توسيع الاحتجاجات
من جهته، أكد زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، عصر أمس، على أهمية الاعتصام، مستخدماً مصطلح "التغيير الجذري" للمرة الأولى. واعتبر الصدر، في بيان على "تويتر"، أن الاعتصام "فرصة لتبديد الفساد والمحاصصة والطائفية"، معرباً عن أمله "في ألا تتكرر مأساة تفويت الفرصة الذهبية في عام 2016"، حين قاد الصدر تظاهرات شعبية ضد حكومة حيدر العبادي، واقتحم أنصاره المنطقة الخضراء ومقر البرلمان قبل أن يطلب منهم الانسحاب سريعاً.
عقدت قيادات "الإطار" أمس اجتماعاً مغلقاً جديداً
ودعا الصدر "الجميع لمناصرة الثائرين للإصلاح، بما فيهم عشائرنا الأبية وقواتنا الأمنية البطلة وأفراد الحشد الشعبي المجاهد الذين يرفضون الخضوع، والخنوع، وكل أفراد الشعب لمناصرة الإصلاح، لا تحت لوائي، بل تحت لواء العراق وقرار الشعب". ورأى في ما يحصل "فرصة عظيمة لتغيير جذري للنظام السياسي والدستور والانتخابات". وطالب الصدر بعدم لومه في حال تفويت الفرصة الحالية.
في موازاة ذلك، عقدت قيادات تحالف "الإطار التنسيقي"، مساء أمس، اجتماعاً مغلقاً في منزل زعيم تيار "الحكمة" عمار الحكيم، لبحث الأزمة، هو الثاني من نوعه في أقل من 24 ساعة، قبل أن تصدر البيانين بما في ذلك الدعوة للتظاهر اليوم. وكان سياسي مقرب من التحالف، تحدث لـ"العربي الجديد"، أمس، عن وجود انقسام داخل قيادات التحالف في ما يتعلق بالدعوة والتحشيد لخروج تظاهرات مضادة لتظاهرات الصدرين، كما يطلب رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، في وقت يعارض هذا التوجه كل من هادي العامري ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي والحكيم، ويعتبرونها نقلاً للمواجهة السياسية إلى الشارع وتأزيم أكثر للموقف ويدفعون باتجاه التهدئة والدعوة لحوار شامل لتصفير الأزمة مع الصدر.
اعتصام البرلمان متواصل ومفتوح
وتواصل أمس، اعتصام أنصار "التيار الصدري" في المنطقة الخضراء، وخصوصاً في مقر البرلمان والمنشآت المحيطة به، بعدما أمضى المئات منهم ليل السبت - الأحد ليلتهم داخل المنطقة الواقعة وسط بغداد، والتي تمّ هدم أجزاء واسعة من سورها الخارجي واثنين من مداخلها الخاصة، خلال عملية اقتحامهم للمنطقة صباح أول من أمس السبت، للمرة الثانية في غضون 72 ساعة.
وتواصل الاعتصام أمس، بعد انسحاب أنصار "التيار" من محيط مبنى مجلس القضاء الأعلى وباقي المؤسسات الأمنية والدوائر القريبة من البعثات الدبلوماسية الغربية، فيما كان أعلن "الإطار التنسيقي" تأجيل تظاهرات مضادة كان دعا أنصاره للخروج بها يوم أمس (حددوا لها مكاناً هو ساحة الحسنين في منطقة الجادرية ببغداد) قبل أن يعلن عن نيته تنظيمها اليوم الإثنين.
وجاء ذلك في ظلّ تعزيز القوى الأمنية لانتشارها في المنطقة، بعد توجيه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي القوى الأمنية بحماية المتظاهرين. وشوهد مواطنون من سكان الأحياء القريبة يدخلون إلى المنطقة الخضراء للمرة الأولى من دون تفتيش، من خلال الفراغات التي أوجدها أنصار الصدر في السور الإسمنتي.
وأكد قياديان بارزان في "التيار الصدري" في بغداد، أمس، لـ"العربي الجديد"، أن ما لا يقل عن 800 معتصم من ناشطي التيار سيلازمون مبنى البرلمان والمنشآت الملحقة به، لفترة مفتوحة، لمنع إقامة أي جلسات للبرلمان، حتى لو مورست ضغوط على رئاسة البرلمان لعقدها، مؤكدين أن سقف المطالب ارتفع عن السابق، والاعتصام سيبقى مفتوحاً لحين تحققها.
وقال قيادي بارز في "التيار"، إن "مطالب التيار الصدري ستعلن قريباً، وتصل للكتل السياسية الأخرى، أبرزها حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وتسليم (رئيس الوزراء الأسبق وزعيم ائتلاف "دولة القانون) نوري المالكي نفسه للقضاء، ليواجه التهم الموجهة إليه (قضية التسريبات)، وإجراء إصلاحات في الجهاز القضائي العراقي". وكشف عن أن "قيادات من الإطار التنسيقي حاولت خلال الساعات الماضية فتح قنوات اتصال مع زعيم التيار مقتدى الصدر، لكنه رفض، وأصر على مقاطعة كل قوى الإطار، ويرفض أي حوار معهم حالياً".
وأكد قيادي آخر في "التيار"، في اتصال من النجف، لـ"العربي الجديد"، أن "الحديث عن تشكيل أي حكومة جديدة أصبح من الماضي، بل إن الأقرب للمشهد، بقاء الحكومة الحالية لفترة أطول، لتكون مشرفة على الانتخابات المبكرة للمرة الثانية". واعتبر أن "اصطفاف الإيرانيين مع طرف شيعي على آخر، كان أحد الأسباب الرئيسية التي أوصلت العراق إلى هذه النقطة".
في غضون ذلك، بدأ الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان العراق، بزعامة مسعود البارزاني، أمس الأحد، حراكاً، يهدف إلى إقناع أطراف الأزمة في بغداد، بالتوجه إلى عاصمة الإقليم أربيل، وبدء مفاوضات مباشرة للخروج من الأزمة.
المبادرة التي طرحها رئيس الإقليم، نيجيرفان البارزاني، لم تلق أي صدى، حتى عصر أمس. ودعا نيجيرفان البارزاني، في بيان أمس، الأطراف السياسية المعنية "إلى القدوم إلى أربيل، عاصمتهم الثانية، والبدء بحوار مفتوح جامع للتوصل إلى تفاهم واتفاق قائمين على المصالح العليا للبلد، فلا توجد هناك مشكلة لا يمكن حلّها بالحوار"، بحسب قوله.
مصادر في أربيل قالت لـ"العربي الجديد"، إن مسعود البارزاني "يسعى إلى طرح مبادرة عاجلة لاحتواء الأزمة، تتضمن في المجمل الاتفاق على انتخابات مبكرة واعتبار المرحلة الحالية انتقالية، لتجنيب البلاد منحدراً سياسياً يهدد العراق أمنيا". وقال مصدر مطلع، إن "تشكيل حكومة من دون الفائز الأول في الانتخابات، سيضعف من شرعيتها محلياً ودولياً".
ورد عضو في "التيار الصدري" على مبادرة أربيل لـ"العربي الجديد"، بالقول إن حراكهم الحالي "إصلاحي ولم يكونوا سبباً في الأزمة"، مضيفا أنه "من ممكن التجاوب مع أي دعوات للحل ويرحبون بوساطات الداخل على عكس غيرهم الذين امتهنوا استقدام الخارج في كل أزمة"، في إشارة إلى "الإطار التنسيقي"، وزيارة زعيم "فيلق القدس" الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد الأسبوع الماضي.
واعتبر عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني عماد باجلان، أن قوى "الإطار التنسيقي"، باتت أمام مهمة "غير قابلة للتحقق في ما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد نزول جمهور التيار الصدري إلى الشارع وسيطرتهم على مبنى البرلمان". وبيّن أنه "لا خيار أمام الإطار التنسيقي إلا الذهاب للتفاوض مع الصدر والتفاهم معه على كافة تفاصيل المرحلة المقبلة، وبخلاف ذلك، فالإطار لن ينجح في مهمة تشكيل الحكومة الجديدة". وأضاف أن "الحلّ للأزمة السياسية، ربما يكون في الذهاب نحو انتخابات مبكرة، وهو توجه ربما يكون خيار أغلب القوى السياسية في المرحلة المقبلة".
وخلال الساعات الماضية، تسربت معلومات حول مساع لقوى "الإطار التنسيقي"، إلى عقد جلسة للبرلمان في مكان آخر غير المنطقة الخضراء، لتمرير جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
الصدر يدعو العشائر وقوات الأمن والحشد لمساندة الثائرين
وكان المكان المقترح مدينة السليمانية شمالي العراق، ضمن إقليم كردستان، ومعقل الرئيس الحالي برهم صالح. لكن الخبير القانوني محمد القيسي رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بعد استخدام رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أول من أمس صلاحياته الدستورية ضمن المادة 50 من الدستور في قرار تعليق جلسات البرلمان، فإنه "لا يمكن عقد أي جلسة إلا بعد قرار رفع التعليق". واعتبر أن الحلبوسي، كحليف للصدر، لا يتوقع منه أن يوافق على رفع التعليق.
القيادي في تحالف "السيادة" (بزعامة خميس الخنجر) حسن الجبوري، رأى في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "تشكيل حكومة جديدة في ظلّ الوضع السياسي الحالي والاعتصام داخل مبنى البرلمان، ليس صعباً فقط، بل هو مستحيل"، مضيفاً أن "حلّ هذا الأمر يتطلب حواراً مباشراً يجمع كل الأطراف السياسية للوصول إلى تفاهمات حقيقية". وأضاف: "إننا نعمل على مبادرة لحل الأزمة وتقريب وجهات النظر بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، عبر الحوار المباشر بين الطرفين".
من جهته، قال القيادي في "الإطار التنسيقي"، عائد الهلالي، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "قوى الإطار عملت طوال الأشهر الماضية على التواصل مع التيار الصدري من أجل إيجاد حلول مرضية للطرفين، إلا أن التيار كان رافضاً لكل ما طرحه الإطار، ومتمسكاً برأيه في تهميش أطراف لها ثقلها داخل الإطار التنسيقي".
وبيّن الهلالي أنه "على الرغم من التظاهرات والاعتصام المفتوح للتيار الصدري داخل مبنى البرلمان، إلا أن الإطار التنسيقي لا يزال مصراً على ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، وعازماً على المضي بتشكيل حكومة جديدة خدمية تجمع كل الأطراف السياسية، دون تهميش أي طرف، بما في ذلك التيار".
وأضاف أن "الإطار التنسيقي سيعمل على إيجاد تفاهم واتفاق مع التيار الصدري، من أجل المضي بعملية تشكيل الحكومة الجديدة، فبقاء الوضع على ما هو عليه لا يخدم الجميع، وكل شيء قابل للحل من خلال الحوار والتفاوض، لا من خلال فرض الإرادة من خلال التهديد بالشارع العراقي".
وتعليقاً على التطورات، رأى المحلل السياسي أحمد الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التيار الصدري تمكن من فرض رأيه على كافة الأطراف السياسية بقوة الجمهور". وبيّن أن "كل الأطراف السياسية ستعمل على التجاوب مع مطالب التيار الصدري لحل الأزمة، فالأطراف السياسية وخصوصاً الإطار التنسيقي، أخطئ كثيراً عندما سارع بعملية تشكيل الحكومة بعد انسحاب نواب الكتلة الصدرية من البرلمان".
وأضاف الشريفي أن "الكل يترقب حالياً الشروط التي سيعلن عن التيار الصدري من أجل إنهاء اعتصامه، فالمطالب لم ترفع بشكل رسمي". وأعرب عن اعتقداه بأن الأمور "ستكون ذاهبة بشكل حقيقي نحو حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة، لكن يبقى الأمر المعلق، هو الجهة التي ستكون مشرفة على هذه الانتخابات: حكومة الكاظمي أم حكومة مؤقتة؟".