مع اشتداد الأزمة السياسية في العراق، تتصاعد الدعوات للحوار كمدخل للحل، غير أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يصر على مواصلة احتجاجات واعتصامات أنصاره خصوصاً داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد، مع احتمالية وصول التوتر إلى حالة العصيان المدني في عموم المحافظات العراقية احتجاجاً على تمسك خصومه من قوى "الإطار التنسيقي"، بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة مرشحها محمد شياع السوداني، المقرب من رئيس الحكومة الأسبق، نوري المالكي.
أمام هذا الواقع، يطرح مراقبون وناشطون تساؤلات عن التطور الذي قد يدفع الصدر للتراجع، وماذا يعني لو حدث ذلك، وهل أن الصدر سيخسر أم ستكون شروطه مقابل الانسحاب مكسباً إضافياً له؟
حسابات الربح والخسارة
وتجددت أمس السبت المطالبات بالحوار كحل للأزمة السياسية المتفاقمة التي يواجهها العراق. وخلال "المؤتمر الإسلامي لمناهضة العنف ضد المرأة"، الذي عُقد في بغداد، أمس، حذر رئيس الجمهورية برهم صالح من خطورة التصعيد وتعقيد الأزمة.
وقال إن "البلد يمرّ بظرف دقيق وحساس وتحديات جسيمة، والتعثر السياسي الراهن أمر غير مقبول"، مضيفاً: "يجب الانتصار لخيار الحوار مهما بلغت درجة الأزمة والخلاف، بدلاً من التصعيد والتصادم والتناحر، لأن الجميع يكون خاسراً فيه".
كما أكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أن "مفتاح الحل يكمن بالجلوس جميعاً على طاولة الحوار الوطني، وأن مبادرة الحوار هي الطريق السليم لحل الأزمة".
وحذر الكاظمي خلال المؤتمر ذاته، من أن "الأزمة السياسية تهدد المنجز الأمني"، داعياً الجميع إلى تقديم تنازلات، قائلاً إن "العراق أكبر من الجميع. وما نعيشه اليوم ليس صراعاً صفرياً بين الإخوة في الوطن، وإنما هو اختلاف واجتهاد يحتاج إلى الحوار ثم الحوار ثم الحوار من أجل حل هذه المشكلة". وشدّد على أن "الجميع يتحمل المسؤولية في التوصل لحلول للأزمة".
الحلبوسي: في نهاية العام الحالي لن تستطيع الحكومة أن تنفق أي أموال من دون موازنة
من جهته، أكد رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، على ضرورة الجلوس على طاولة الحوار والمضي بانتخابات مبكرة. وقال خلال المؤتمر: "أدعو القوى السياسية الى الجلوس لطاولة حوار تصل لحلول للأزمة السياسية"، مجدداً "تأييده لمبادرة الحوار الوطني".
وأضاف أن "وضع البلد لا يمكن أن يستمر في هذه الحالة، وما وصلنا إليه اليوم يمثل تراجعاً عما كنّا عليه"، لافتاً إلى أنه في "نهاية هذا العام لن تستطيع الحكومة أن تنفق أي أموال من دون موازنة".
أما زعيم تيار الحكمة ضمن تحالف "الإطار التنسيقي"، عمار الحكيم، فقد جدد تمسكه بتشكيل حكومة جديدة. وقال الحكيم في المؤتمر، إن "الذهاب إلى انتخابات مبكرة بحاجة الى تمهيدات ومناقشات برلمانية وقانونية تجعل من هذا الخيار مساراً عملياً آمناً ومقبولاً من جميع الشركاء، وهو خيار قابل للمناقشة والتفاهم والتنفيذ بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وتعديل قانون الانتخابات، وضمان سلامة أداء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وتوفير المتطلبات اللوجستية والفنية المطلوبة لإجراء انتخابات نزيهة تعالج أخطاء الأمس القريب وإقرار الموازنة العامة للبلاد".
في المقابل، فإن كل التصريحات الصادرة خلال الأسبوعين الماضيين، أكان في تغريدات أو تدوينات للصدر، أو للصفحتين المقربتين منه على "فيسبوك" (صفحة وزير القائد، وصفحة صالح محمد العراقي)، حملت إشارات وتلميحات إلى مزيدٍ من التصعيد الاحتجاجي الرافض لقرارات القضاء العراقي، ولتوجهات "الإطار التنسيقي" لتشكيل حكومة جديدة.
وأكد صالح محمد العراقي في تدوينة أخيرة له، أن الإطار يريد أن يشكّل الحكومة من أجل "بيع ما تبقى من العراق"، وقال إنه لن يسمح بذلك. لكن تقلبات الصدر وتبدّل مواقفه التي يعرفها العراقيون، لا تلغي احتمال لجوئه للعب على الوتر السياسي والتوجّه لحوار مع "الإطار التنسيقي" للحصول على مكاسب سياسية في مقابل سحب أنصاره من أمام مبنى مجلس النواب العراقي في المنطقة الخضراء.
استمرار اعتصامات أنصار الصدر
وأفاد أكثر من مصدر مقرب من الصدر "العربي الجديد"، بأن فكرة سحب المتظاهرين والمعتصمين من أنصار التيار الصدري من محيط البرلمان والمنطقة الخضراء، غير واردة حالياً، لأن الصدر يعتبر أن المعتصمين حالياً ليسوا من أنصاره فقط، بل إن هناك مئات المتظاهرين المدنيين والتابعين لأحزاب وقوى سياسية مساندة لمشروع الصدر.
وقال أحد المصادر لـ"العربي الجديد"، إن "تراجع الصدر إذا حصل، سيضعه أمام حرج كبير مع أنصاره، على الرغم من أن غالبيتهم من المطيعين، ناهيك عن كون انسحابه سيؤدي إلى شروع الإطار التنسيقي، بتشكيل الحكومة الجديدة، وسواء كانت دائمة أو انتقالية فإنها ستخلو من أي تمثيل للتيار الصدري، باعتباره خارج العملية السياسية والبرلمان".
وأضاف المصدر أن "أنصار الصدر يتميّزون بالطاعة المطلقة، لذلك فإن أي تصعيد احتجاجي أو تهدئة للوضع، لن يواجه أي اعتراض من الصدريين".
لكنه لفت إلى أن "الخسائر ستكون كبيرة بالنسبة للصدر إذا قرر سحب المعتصمين من المنطقة الخضراء، لذلك يتجه الصدر حالياً لدراسة مزيدٍ من آليات التصعيد السلمي، لأنه كان قد تحدث عما يحدث حالياً بأنها الفرصة الأخيرة لتحقيق الإصلاح وطرد ومحاسبة الفاسدين والفصائل المسلحة".
من جهته، أشار النائب السابق المقرب من التيار الصدري فتاح الشيخ، إلى أن "مواقف الصدر الحالية ليست لتثبيت وجهات نظر سياسية، بل تحمل مشروعاً كاملاً لمواجهة القوى السياسية التي تمكّنت من السيطرة على جميع مفاصل الدولة ومنها القضاء العراقي، حتى وصل الحال إلى أن يفقد العراقيون الثقة الكاملة بالعمل السياسي ومفهوم الدولة التي تضررت كثيراً".
الصيهود: الصدر قد يقتنع في النهاية بفكرة الجلوس مع الإطار التنسيقي
واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "مناقشة فرضية تراجع الصدر عن الاعتصامات، لا تقوم على أي معلومات في الوقت الحالي، لأن جميع مواقف الصدر تشير إلى مزيدٍ من الخطوات التصعيدية".
وأضاف أن "مقارنة الاحتجاجات والاعتصامات الحالية بما سبق من اعتصامات صدرية، هي أيضاً غير مناسبة في الوقت الحالي، لأن الأوضاع الآن اختلفت بشكلٍ كبير عن السابق، ومن المؤكد أن الصدر لن يتراجع حتى تحقيق أهدافه لبناء دولة وتأسيس حكومة قوية قد لا يكون جزءاً منها أصلاً".
في المقابل، قال عضو مجلس النواب عن "الإطار التنسيقي" محمد الصيهود، لـ"العربي الجديد"، إن "الصدر قد يتراجع في أي لحظة، خصوصاً أن التوتر بلغ مراحل متقدمة، وهناك مخاوف من أن تستغل بعض الجماعات الإرهابية حالة الانهيار السياسي لتنفيذ مجموعة من الهجمات".
وأضاف أن اعتصامات الصدريين "لم تحقق أي شيء إلى حد الآن، لأن الغلبة السياسية للإطار التنسيقي بعد استقالة الكتلة الصدرية، ولا بد من التوجه إلى الحوار".
ورأى أن "الصدر قد يقتنع في النهاية بفكرة الجلوس مع الإطار التنسيقي والحوار، لكن في البداية قد يشترط جملة من الاشتراطات للكسب السياسي من جهة، وتجنب الإحراج مع جماهيره من جهة ثانية".
لكن الباحث غالب الدعمي، رأى أن "خطوات الصدر مدروسة بشكلٍ كبير، ولعل ما يحدث من أكثر من شهر من تظاهرات واعتصامات وتوجهٍ نحو مبنى مجلس القضاء العراقي ما هي إلا رسائل تحمل مطالبه وتوجهاته الجديدة".
وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "هناك خطوات تصعيدية قد يلجأ إليها، مثل الاعتصامات في المحافظات مع الإبقاء على الاعتصام في المنطقة الخضراء، والدعوة إلى العصيان المدني، وقد يتجه إلى الاتحاد مع قوى شعبية ومدنية لأجل هذا الغرض".
ولفت الدعمي إلى أن "الصدر يعتبر أن ما يحدث حالياً فرصة أخيرة، وأن فشل مشروعه قد يؤدي إلى انسحابه الكامل من العمل السياسي والتوجّه إلى الدراسة، لذلك فهو يقاوم حالياً لإنجاح مشروعه، وبصراحة يحظى بتأييد شعبي كبير، لكن لا يُعلن عن هذا التأييد كي لا تحسب بعض الحركات والقوى على أنها موالية للصدر".