اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء: هل يقلب المعادلة؟

12 ديسمبر 2020
تجدد الصراع أخيراً بعد إغلاق "البوليساريو" معبر الكركرات (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

طويلة هي قصّة نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، لكن فصلها الأخير المتمثل في إعلان الرئيس الأميركي الخاسر في انتخابات الرئاسة، دونالد ترامب، أول من أمس الخميس، الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، بالتوازي مع إعلان إقامة علاقات بين المغرب وإسرائيل، يُعتبر الفصل الأكثر إثارة، لأنه يفتح صفحة جديدة في نزاع امتد لأكثر من 45 عاماً.
وكان النزاع قد واجه انسداداً واضحاً أخيراً، كاد أن يُشعل نار الحرب، مجدداً، في منطقة الصحراء، بعد إقدام محسوبين على "البوليساريو" على إغلاق معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، وتدخل الجيش المغربي لتأمينه في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. ويبدو الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، وفتح تمثيلية قنصلية في مدينة الداخلة، واعتبار أن "إقامة دولة مستقلة في الصحراء ليس خياراً واقعياً لحلّ الصراع"، مؤشراً على بداية "مرحلة جديدة" قد يكون لها ما بعدها على الملف الذي كان دخل في مرحلة جمود منذ استقالة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر في 21 مايو/أيار 2019.

حرصت واشنطن، على امتداد سنوات النزاع، على أن تمسك العصا من الوسط

وحرصت واشنطن، على امتداد سنوات النزاع في الصحراء، وبأشد ما يكون الحرص، على أن تمسك عصا الملف من الوسط، فهي لم تعترف بمغربية الصحراء حتى عندما كانت الحرب بين المغرب و"البوليساريو" والجزائر حرباً بين المعسكرين الشرقي والغربي، لكنها بالمقابل ساعدت الرباط عسكرياً.

وفيما ظلّت واشنطن تعتبر اعترافها بمغربية الصحراء أمراً لا يخدم أهدافها الاستراتيجية، وأن ليس من مصلحتها أن تصير طرفاً في صراعات المنطقة، كان لافتاً حرصها على عدم إفساد العلاقة مع المغرب، ولا مع الجزائر. وظهر ذلك الحرص أيضاً من خلال محاولة المبعوثين الأميركيين التوفيق بين موقف الطرفين بشأن حلّ هذا النزاع، بل ذهب بعضهم إلى اقتراح تقسيم المنطقة بين الأطراف المتنازعة، ومن خلال تجديد ولايات البعثة الأممية إلى الصحراء للحفاظ على الوضع القائم بين البلدين.
وفيما يبدو قرار ترامب الاعتراف بسيادة المغرب، قبل أيام قليلة من نهاية ولايته، تحولاً في موقف واشنطن من نزاع الصحراء، تُطرح أكثر من علامة استفهام حول مآل النزاع وتأثيره على موقع الأطراف المتنازعة خلال الأشهر المقبلة، بعدما حرّك الاعتراف الأميركي المياه السياسية الراكدة، وأثار ردود فعل متباينة.

وفي الوقت الذي دانت فيه جبهة "البوليساريو" قرار ترامب بشأن الصحراء، مطالبة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بإدانته، كان لافتاً اعتبارها أن "قرار ترامب لا يغير في أي شيء من الطبيعة القانونية للقضية الصحراوية، إذ إن المجتمع الدولي لا يعترف للمغرب بالسيادة على منطقة الصحراء، لأنها تبقى ملكاً حصرياً للشعب الصحراوي". وأكدت "البوليساريو" في بيان، أن "الموقف المعلن عنه من قبل ترامب، يشكل خرقاً سافراً لميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية ـ منظمات ومحاكم ـ ويعرقل مجهودات المجتمع الدولي الرامية لإيجاد حلّ سلمي للنزاع الدائر بين الطرفين في المنطقة".

في المقابل، أكدت الأمم المتحدة أن موقفها في ما يتعلق بقضية الصحراء لم يتغير، وأنها متمسكة بالحل وفق ما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ستيفان دوجاريك، إن "الأمين العام لا يزال يعتقد أن إيجاد حلّ لملف الصحراء أمر يمكن الوصول إليه استناداً لقرارات مجلس الأمن"، وأن رسالة غوتيريس إلى المغرب و"جبهة البوليساريو" الآن "هي الإحجام عن أي فعل يفاقم الأوضاع في إقليم الصحراء".

توقع خبراء أن تغير الدبلوماسية المغربية آلية عملها باعتماد دفوعات جديدة أكثر إقناعاً

لكن الباحث المغربي محمد شقير، رأى أن مبادرة ترامب في نهاية فترة ولايته "الاعتراف بسيادة المغرب على كامل أراضيه المسترجعة وتأييد مبادرة الحكم الذاتي، يشكل للمرة الأولى، ترجيحاً لكفة المغرب في نزاع الصحراء، وكسراً لقاعدة التوازن التي كانت تسلكها الإدارات الأميركية المتعاقبة بهذا الشأن". واعتبر الباحث المغربي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عزم الولايات المتحدة فتح قنصلية في مدينة الداخلة "بمثابة اعتراف ملموس بالطرح المغربي، وفي الوقت نفسه تكريساً للمغرب كبوابة لأميركا في الانفتاح الاقتصادي والتجاري على الدول الأفريقية، مما سيساهم بلا شك، في حلحلة ملف الصحراء الذي ظلّ يراوح مكانه لصالح المغرب". ورأى الباحث أن ذلك يأتي "بعدما ظهر بأن خصوم المغرب لا يرغبون في حلّ المشكلة، بدليل الاحتفاظ بموقفهم القائم على تقرير المصير وإجراء الاستفتاء، على الرغم من كل المستجدات التي عرفتها المنطقة والأخطار السياسية التي تتهددها من تطرف وتهريب وعدم الاستقرار". ووفق شقير، يمكن اعتبار الخطوة الأميركية، خصوصاً إذا ما دعمت من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، لاحقاً، ترجيحاً لكفة المغرب في تكريس سيادته الفعلية على أقاليمه الصحراوية، وخطوة كبيرة في العمل على طيّ هذا الملف الذي عمر أكثر من 45 سنة.

من جهته، اعتبر مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، أن القرار الأميركي بإصدار مرسوم رئاسي يعترف بمغربية الصحراء، انتصار تاريخي واستراتيجي لعبت فيه الدبلوماسية الملكية دوراً بالغاً، سيعزز شرعية سيادة المملكة المغربية على الأقاليم الجنوبية. وباعتقاده، فإن الاعتراف الأميركي أمر طبيعي بالنظر إلى تأييد الإدارة الأميركية في عهد الجمهوريين والديمقراطيين لوجاهة ومصداقية مبادرة المغرب منح الصحراء حكماً ذاتياً موسعاً.
ورأى الفاتحي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن دعوة البيت الأبيض إلى الدخول في مفاوضات لإنهاء النزاع على أساس الحكم الذاتي باعتباره الحلّ الأنسب والأكثر واقعية، فيه حسم موضوعي لنزاع الصحراء، وتوافق لما سبق وخلص إليه مجلس الأمن الدولي من أن حلّ النزاع يجب أن يكون واقعياً وعملياً ومستداماً. واعتبر أن "إنهاء قضية نزاع الصحراء بات قاب قوسين أو أدنى، بالنظر إلى أهمية وقوة الموقف الأميركي، وكذا للوزن السياسي الدولي للولايات المتحدة، ما يعني مزيداً من التأييد مشابهاً لهذا الموقف".

ووفق المتحدث ذاته، فإن عزم الولايات المتحدة افتتاح قنصلية لها في مدينة الداخلة، سيزيد حتماً من جلب الاستثمارات الأميركية والأجنبية، وهو ما سيعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية، كما سيسرع رهان المملكة على جعل منطقة الصحراء نموذجاً تنموياً للقارة الأفريقية، وصلة وصل استراتيجي بين أوروبا والقارة السمراء. وأضاف أنه "هكذا يمكننا القول إن أطروحة الانفصال قد انتهت بشكل كلّي، وإن أي مزايدات سياسية لن يُكتب لها النجاح، وإن أي مخططات سياسية للجزائر والبوليساريو رهان خاسر، ولو باعتماد أي حليف".
وفيما كان لافتاً الترحيب المغربي رسمياً وشعبياً بقرار الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، توقع الفاتحي أن تغيير الدبلوماسية المغربية آلية عملها "سيزيد من فعاليتها باعتماد دفوعات جديدة أكثر إقناعاً وبراغماتية، لتشجيع باقي الدول على حذو المسار الذي سارت عليه الولايات المتحدة".

المساهمون