يواجه المبعوث الأممي التاسع إلى ليبيا عبدالله باتيلي مصاعب متزايدة في مبادرته الرامية إلى دعوة القادة الرئيسيين الخمسة إلى طاولة حوار تحقق توافقاً بشأن النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب.
وكان باتيلي دعا، يوم الخميس من الأسبوع الماضي، القادة الخمسة الرئيسيين في البلاد، الذين وصفهم بـ"الخمسة الكبار"، وهم رؤساء مجالس النواب والأعلى للدولة والرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلى اختيار ممثلين عنهم لعقد اجتماع تحضيري لتحديد موعد اجتماع قادة المؤسسات الخمس لمناقشة الملفات العالقة التي يجب حلّها "لتمكين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من الشروع في تنفيذ قانوني الانتخابات الصادرين عن مجلس النواب".
وفي أول موقف رسمي حيال الدعوة، عارض رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، دعوة باتيلي رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، للانضمام إلى طاولة الحوار السياسي الجديدة.
وقال صالح إن "مجلس النواب سحب الثقة من حكومته، وهو ليس طرفاً في العمل السياسي، بل رئيس للوزراء كلف لفترة وانتهت ولاية حكومته". وطالب بمشاركة رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد بوصفه رئيس الحكومة الشرعية، حسب كلمته الثلاثاء الماضي في افتتاح جلسة رسمية لمجلس النواب.
عبد الله الكبير: حظوظ نجاح مبادرة باتيلي ضئيلة في ظل رفض صالح مشاركة الدبيبة في الاجتماع الخماسي
كما طالب صالح، في كلمته، بحصر جدول أعمال الاجتماع الخماسي في تشكيل حكومة جديدة مصغرة بتزكية من مجلسي النواب والدولة، يمنحها مجلس النواب الثقة، وتنحصر مهامها في الإشراف على الانتخابات.
الدبيبة يوافق على المشاركة في الاجتماع الخماسي
في المقابل، أعلن الدبيبة، في كلمة مسجلة مساء الثلاثاء الماضي، موافقته على دعوة باتيلي للمشاركة في الاجتماع الخماسي. ورأى ضرورة أن تركز كل الحوارات والتقاربات على الوصول إلى أساس قانوني دستوري متين، لضمان نجاح الانتخابات.
وأكد الدبيبة أن مبادرة باتيلي الجديدة لجمع الأطراف الخمسة لبحث "الإشكاليات الكبرى الموجودة في القوانين الانتخابية"، دليل على أن القوة القاهرة التي عطلت انتخابات 2021، هي "القوانين الانتخابية المعيبة"، بدليل أنها لم تُنجَز بالشكل الصحيح الذي يمكّن من إجراء الانتخابات حتى الآن، حسب وصفه.
ورداً على الأسباب الأخرى التي يبني عليها مجلس النواب مطالبته بتشكيل حكومة موحدة قادرة على الإشراف على إجراء الانتخابات، كون حكومة الوحدة الوطنية لا تسيطر إلا على أجزاء من البلاد، ذكّر الدبيبة بأن حكومته سبق أن اقترحت إنشاء هيئة عليا تشرف على تأمين الانتخابات، وتضمّ كل الأطراف الأمنية والعسكرية شرقاً وغرباً، موجهاً انتقاده لـ"مخططات" من وصفهم بالساعين لـ"التمديد وتعطيل الانتخابات بفرض حكومة انتقالية أخرى" في إشارة إلى مجلس النواب.
الخلاف لا ينحصر ببند تشكيل الحكومة
يبدو أن الخلاف حول أجندة طاولة الحوار الجديدة بدأ في الظهور بشكل مبكر، ولم ينحصر في بند تشكيل الحكومة. ففيما أكد صالح أنه أبلغ رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، أثناء لقائه إياه في القاهرة، "ضرورة تنفيذ القوانين التي صدرت عن لجنة 6+6، وأنه لا يحق لرئيس مجلس النواب ولا رئيس مجلس الدولة الاعتراض على هذه القوانين لأنها من اختصاص لجنة 6+6 طبقاً للإعلان الدستوري"، وأنها أصبحت "ذات طبيعة دستورية" بعد إصدارها من مجلس النواب، يبدو أن تكالة لا يزال متمسكاً بموقفه الرافض للقوانين الانتخابية المعدلة التي أصدرها مجلس النواب مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومطالبته بضرورة اعتماد النسخة التي أصدرتها لجنة القوانين الانتخابية مطلع يونيو/حزيران الماضي.
وقال تكالة، في تصريحات صحافية، إن "زرع الثقة بين الفرقاء السياسيين الخطوة الأولى لإقرار السلام في ليبيا، وهذا لن يتم إلا من خلال إقرار قوانين انتخابية تحظى بتوافق جميع الأطراف"، مضيفاً: "نحتاج للتوافق على كل القوانين الانتخابية، لإفراز عملية انتخابية سليمة تُفرز مؤسسات مُجددة شرعيتها".
إشكالية ترشّح العسكريين
وعلى الرغم من إعلان مجلس النواب، مطلع أكتوبر الماضي، إصدار القوانين الانتخابية المنجرة من لجنة "6+6" المشكّلة من المجلسين، إلا أن الخلاف لا يزال قائماً بين المجلسين حول الكثير من بنود القوانين.
ومن هذه الخلافات إشكالية ترشّح العسكريين وضرورة استقالتهم النهائية من مناصبهم قبل الترشّح كما يطالب مجلس الدولة، مقابل مطالبة مجلس النواب باستقالة اعتبارية تسمح لهم بالعودة لمناصبهم في حال خسارتهم في الانتخابات. تضاف إلى ذلك إشكالية حملة الجنسيات الأجنبية، وتحديد وقت تنازلهم عن جنسياتهم قبل الجولة الأولى من الانتخابات، كما يطالب مجلس الدولة، أو الجولة الثانية كما يطالب مجلس النواب.
وبالإضافة إلى ذلك، برزت إشكالية مطالبة العديد من الأطياف المجتمعية بالعدالة والمساواة في توزيع المقاعد الانتخابية بين المناطق الليبية، وضرورة تحديدها في القوانين الانتخابية، وكذلك أكثر القضايا إشكالية، المتعلقة ببند ضرورة تشكيل حكومة موحدة للإشراف على إجراء الانتخابات لمعالجة الانقسام الحكومي في البلاد.
جولة لباتيلي لجمع التأييد الدولي لمبادرته
وفور إطلاق المبادرة، بدأ باتيلي جولة لجمع التأييد الدولي لمبادرته، حيث التقى في الرباط وزير الخارجية ناصر بوريطة، الذي أبدى استعداد المغرب لـ"مواكبة الدينامية التي يريد إطلاقها باتيلي لاستكمال الأرضية القانونية الموجودة بتوافقات سياسية مؤسساتية، ستجعلنا ندخل في مرحلة تنفيذ التوافقات والوصول إلى إجراء الانتخابات".
بوريطة أشار إلى أنّ مخرجات لقاء بوزنيقة في يوليو/تموز الماضي بين لجنة "6+6" المشتركة بين مجلسي النواب والدولة حول القوانين الانتخابية، هي أحسن ما يمكن التوصل إليه لإجراء الانتخابات في ليبيا، و"لو لم تكن مثالية".
وسارعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، لتكون أوّل المرحبين بدعوة باتيلي. وحثت في بيان مشترك، أصدرته الخميس من الأسبوع الماضي، كل الأطراف المدعوة على "الاستفادة من هذه الفرصة لوضع ليبيا على طريق الاستقرار والازدهار".
ومن المغرب إلى جارته الجزائر حطّت طائرة باتيلي، حيث أكدّ وزير خارجيتها أحمد عطاف، دعم الجزائر لجهوده المتواصلة والحثيثة لاعتماد النصوص القانونية الضرورية لتأطير العملية الانتخابية في ليبيا، وتجاوز الخلافات التي تعترض هذا المسار، وصولاً إلى إنهاء الأزمة وتمكين ليبيا من استعادة مكانتها الإقليمية والدولية.
وربط عطاف، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية، مسار الانتخابات الأممي بمسار المصالحة الوطنية الذي يرعاه الاتحاد الأفريقي، لا سيما اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى بالاتحاد "التي تعدّ الجزائر أحد الأعضاء الفاعلين فيها". وأبرز الحاجة إلى المصالحة ضمن مشروع وطني شامل وجامع "بعيد كل البعد عن منطق التجاذبات والانقسامات ومنطق الغالب والمغلوب".
حظوظ نجاح ضئيلة
واستناداً لكل ما مرّ من مستجدات في مواقف الأطراف الليبية، رأى الكاتب والباحث السياسي عبد الله الكبير أن حظوظ نجاح مبادرة باتيلي "ضئيلة"، في ظل رفض صالح مشاركة الدبيبة في الاجتماع الخماسي وإصراره على أن يشمل جدول أعمال الاجتماع تشكيل حكومة جديدة.
واعتبر الكبير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن موقف حفتر قد يترجمه احتجاج حكومة حماد وكثير من النواب على استثنائها من الدعوة للاجتماع. وقال: "هذا يعني أن حفتر غير راضٍ عن المبادرة ويريد إشراك حكومة حماد بموازاة حكومة الدبيبة ليحدث تكافؤ بحضورهما للاجتماع".
رجح نزار كريكش نجاح المبادرة إذا استخدم باتيلي أوراقه الدولية للضغط على الأطراف السياسية
ولفت الكبير إلى أن قبول باتيلي ضمّ حماد للطاولة الخماسية لتصبح سداسية يعني استعداده للتنازل، و"هذا يعكس أنه غير واثق من الحصول على الدعم الدولي الكافي لمبادرته"، خصوصاً في ظل غياب وضوح مواقف أغلب الدولة الفاعلة في الملف الليبي، فباستثناء الدعم الغربي الممثل في العواصم الخمس، واشنطن ولندن وبرلين وباريس وروما، لا تزال موسكو وأنقرة والقاهرة على صمتها حيال المبادرة.
واعتبر أنه في حال قبول باتيلي بضم حماد لطاولة الحوار "ستقابله أصوات في غرب البلاد تطالب بإشراك شخصية، وربما شخصيات عسكرية في موازاة حفتر في الاجتماع، ما يجعل ضم المزيد من الشخصيات للطاولة أمراً ممكناً خلافاً لرغبة باتيلي، التي يبدو أنها تتجه لتضييق عدد الشخصيات المشاركة في الحوار".
وحول الصمت المصري والتركي حيال مبادرة باتيلي حتى الآن وعدم إعلان موقفهما، رأى الكبير أنه عائد إلى انشغالاتهما الإقليمية، خصوصاً في ظل العدوان على غزة. وأضاف: "ربما تنظران إلى أن العقبات التي وضعت في طريق المبادرة من خلال المواقف الليبية الصادرة حتى الآن على أنها مفيدة لهما من دون حاجة إلى تدخلهما، وإذا صح هذا فمعناه أن صمتهما يعني عدم رضاهما عن المبادرة".
وفي المجمل، لفت الكبير إلى أن العقبات أمام باتيلي لن تنتهي "وعلى فرض زوالها والتئام الاجتماع خماسياً كان أم سداسياً، فما زالت نسب النجاح ضعيفة لعدم امتلاك باتيلي ضغطاً دولياً، ولا محلياً، على هذه الأطراف لإلزامها بحل خلافاتها بشأن الانتخابات والتمهيد لإجرائها".
نجاح مرهون بتوفر الضغط الدولي
لكن في المقابل، رأى رئيس مركز بيان للدراسات، الباحث السياسي نزار كريكش، أن طرح مبادرة باتيلي في ظل استمرار الجمود والركود السياسي "أعطى دفعة، وأثار مخاوف الأطراف السياسية من إمكانية وجود مسار لا تسيطر عليه، وجعل الوضع في صراع حقيقي بين الجمود والحركة الموجهة للمشهد".
ورجح كريكش نجاح المبادرة، في ظل التغييرات الاستراتيجية التي يشهدها العالم، إذا استخدم باتيلي أوراقه الدولية للضغط على الأطراف السياسية على الرغم من المعارضة القوية من الأطراف الليبية التي اعتادت رفض كل المبادرات وإعادة المشهد نفسه بصورة تسمح لهم بالاستمرار في الحكم والاستفادة من حالة الفوضى التي تشهدها البلاد.