اشتباكات جنوبي الجزائر: الجماعات المسلحة تحاول العودة للمشهد

30 يناير 2022
يتمركز الجيش الجزائري بشكل مكثف في المنطقة الحدودية (العربي الجديد)
+ الخط -

منذ فبراير/شباط 2020، تاريخ آخر تفجير انتحاري استهدف مدخل ثكنة عسكرية جنوبي الجزائر، ظلت الحدود الجنوبية للجزائر مع كل من شمالي مالي والنيجر، حيث توجد المجموعات المسلحة، هادئة، ولم تسجل أي محاولات من المجموعات المسلحة لإحداث اختراق للسياج الأمني، نتيجة الرقابة المشددة التي يفرضها الجيش على الحدود، ليتقي تهديدات "القاعدة" و"داعش".

وشهدت تلك الفترة سلسلة من وقائع استسلام المسلحين القادمين من شمالي مالي والنيجر لقوات الأمن، وكشف عدد من مخابئ الأسلحة في المنطقة الحدودية.

اشتباكات الجماعات المسلحة والجيش الجزائري

لكن المخاوف عادت بعد الاشتباكات الأخيرة التي وقعت مساء الخميس الماضي في منطقة تيريرين على الشريط الحدودي في ولاية عين قزام، على الحدود مع شمالي النيجر، والقريبة أيضاً إلى شمال مالي، بين قوات الجيش الجزائري ومسلحين تم القضاء عليهم خلال العملية، وأدت إلى مقتل عسكريين اثنين.

وزادت المخاوف بشأن ما إذا كانت المجموعات المسلحة بصدد معاودة توسيع أنشطتها إلى استهدافات داخل الحدود الجزائر، خصوصاً أن المنطقة التي شهدت الاشتباكات عسكرية، فهي تضم قاعدة عسكرية ومطاراً.

وهي أيضاً منطقة مناورات عسكرية احتضنت في إبريل/نيسان الماضي واحدة من أضخم مناورات الجيش الجزائري.

كما برزت مخاوف من سعي هذه المجموعات لفتح ممرات لها للتمون، بعد حصار وتضييق تعرضت له على يد الجيش النيجري في الشمال، وعلى يد الجيش المالي في المناطق المتاخمة للحدود مع الجزائر.


تحاول الجماعات المسلحة العودة إلى المشهد الجزائري

يفسر مراقبون لتطورات الوضع الأمني في النيجر ومالي، الاشتباك مع قوات الجيش الجزائري على الحدود مع النيجر، وسلسلة الهجمات الأخيرة التي تقوم بها "القاعدة" و"داعش" في شمال مالي والنيجر قرب الحدود مع الجزائر، بأنها محاولة واضحة من هذه التنظيمات، وخصوصاً "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، للعودة إلى المشهد المحلي.

ويأتي ذلك بعد اضمحلال وجود هذا التنظيم منذ مقتل قائده عبد الملك دروكدال في شمال مالي في قصف فرنسي في يونيو/حزيران 2020.

لكن المتابع للشؤون الأمنية في منطقة الساحل، حساين عيسى (من دولة مالي) رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاشتباك الأخير مع الجيش الجزائري قد يكون الهدف منه محاولة المجموعات المسلحة استدراج قوات الجيش إلى أقرب نقاط الحدود لاستهدافه، في سياق بحث التنظيمات المسلحة عن عمليات استعراضية، تتزامن مع سلسلة الهجمات التي تشنها في بوركينا فاسو، وهو ما لم تحققه الجماعات منذ فترة طويلة.

وإذا كانت هذه التنظيمات قد وجدت في طريقها باتجاه الحدود الجزائرية، صداً مباشراً وحازماً من قوات الجيش الجزائري التي تتمركز بشكل مكثف في المنطقة الحدودية، فإنه يعني بوضوح أن الجزائر تكون قد أخذت على محمل الجد التهديدات في المنطقة منذ فترة، وقدّرت أن المجموعات المسلحة يمكن أن تعاود نشاطها في أي وقت.

وتعتبر القوات الجزائرية أن محاولة الاختراق الأخيرة، قد تكون مقدمة لمخطط هجمات تسعى التنظيمات المسلحة لتنفيذها ضد الجزائر.

وهو ما يفسر حديثاً استباقياً لقائد أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة قبل فترة قصيرة عن وجود خطط لتدبير اعتداءات واستهداف للجزائر من الجنوب، يستدعي تعزيز الحيطة والحذر، بسبب تكثيف تنظيم "أنصار الدين" و"داعش" هجماتهما في منطقة شمالي مالي وشمال النيجر، وهي مناطق قريبة جداً من الحدود مع الجزائر.

وهذا ما يفسر توجّه الجزائر منذ فبراير 2020، نحو تعزيز وجود قوات الجيش على الحدود، ومراقبة كامل الشريط الحدودي باستخدام طلعات جوية مستمرة، لرصد أي تحرك للمجموعات المسلحة في المنطقة.

مسيّرات صينية للجزائر

وتمّ الإعلان يوم الخميس الماضي عن اقتناء الجزائر لسرب كامل من الطائرات الصينية المسيّرة، القادرة على استهداف الدبابات وغيرها من عربات العدو.

وبحسب موقع "ديفينس أكسبرس"، المتخصص في الشؤون العسكرية، فإن الصين باعت للجزائر طائرات "أش 5" بدون طيار، مزوّدة بقنابل موجهة، كما يمكن تسليحها بصواريخ مضادة للدبابات. وهذه الطائرات يمكنها البقاء في الجو لمدة تصل إلى 30 ساعة من دون انقطاع، وبسرعة تصل إلى 220 كيلومتراً في الساعة.

ويمكن أن تساعد الجيش الجزائري على مراقبة مناطق الصحراء والحدود الممتدة لمنع تسلل الجماعات المسلحة، أو تكرار حادثة الهجوم على منشأة الغاز تيقنتورين، جنوبي البلاد في يناير/كانون الثاني 2013.

ولم يكن التعبير الاستباقي عن المخاوف الجزائرية عسكرياً فقط، بل إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نفسه كان قد وجّه في سبتمبر الماضي، رسالة إلى رئيس الاتحاد الأفريقي فيليكس تشيسيكيدي، عبّر فيها عن قلق بالغ إزاء تزايد الأنشطة والعمليات العسكرية في منطقة الساحل والصحراء، خصوصاً في مالي والنيجر.

وجاء في رسالة تبون أنه "وبشكل يبعث على الريبة في الفترة الأخيرة، حيث عادت مجموعات إرهابية تتبع تنظيم أنصار الدين الموالي للقاعدة، وتنظيم داعش للنشاط وشن هجمات في المنطقة".

كما كانت هذه التحركات المسلحة محل جولة قام بها وزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى كل من مالي والنيجر وموريتانيا في الفترة نفسها.


يضع بعضهم هجوم المسلحين في سياق التوتر بين مالي وفرنسا

بيد أن بعض القراءات الأخرى تدمج ما هو سياسي بما هو أمني، وتعتبر أن محاولة الاختراق الأخيرة وسلسلة الهجمات في شمال مالي والنيجر، هي جزء من تداعيات التوتر السياسي القائم بين فرنسا، التي تشرف على قوات مكافحة الإرهاب في شمال مالي عبر عملية "برخان"، والسلطة الانتقالية في مالي، خصوصاً بعد تخلي القوات الفرنسية عن المراقبة العسكرية لعدد من قرى شمال مالي، كمدينة غاو لصالح الجيش المالي، والذي يعيد تمركزه في المنطقة.

وقال الباحث المتخصص في شؤون الأفريقية والساحل، مولود ولد الصديق، لـ"العربي الجديد" إن "التوترات السياسية الحاصلة في مالي وبين باماكو وباريس، تمنح بالتأكيد فرصة للمجموعات الإرهابية للتنفس وتنفيذ خططها التخريبية، وتوسيع دائرة حضورها الجغرافي إلى الحدود الجزائرية".

وأضاف: "قد يكون الطرف الفرنسي مستفيداً في المقابل من عودة نشاط هذه المجموعات الإرهابية لتبرير أهمية وجوده في المنطقة وضرورته لمحاربة الإرهاب، وهذا يمكن أن يشكل عامل ضغط على الحكومات المحلية".

المساهمون