أعاد الاحتلال الإسرائيلي، في عدوانه الحالي على قطاع غزة، استخدام سياساته المعتادة في أوقات التصعيد والمواجهات مع المقاومة الفلسطينية في القطاع، باللجوء إلى استهداف المنازل والشقق السكنية المدنية، كنوع من الضغط الذي يمارسه على فصائل المقاومة.
وفي اليوم الثاني للعدوان أمس السبت، بدأ الاحتلال بقصف عدد من المنازل، إذ دمر منزلين غرب مدينة غزة يعودان لعائلتي شملخ وخليفة ما تسبّب في تدميرهما كلياً.
وفي خان يونس جنوب القطاع، دمرت طائرات الاحتلال منزلاً مهجوراً في قرية بني سهيلا، كما قصف الاحتلال أحد المنازل في بيت لاهيا شمالي القطاع، وآخر في بيت حانون شمالي القطاع ما أدى إلى سقوط إصابات.
وبحسب الإحصائيات الأولية الصادرة عن وزارة الأشغال العامة والإسكان في مدينة غزة حتى ظهر أمس، فإن 650 وحدة سكنية تضررت جراء القصف الإسرائيلي المتواصل للقطاع خلال اليومين الماضيين، منها 30 وحدة سكنية غير صالحة للسكن جراء الدمار الكبير الذي حل بها.
وخلال حربي عامي 2014 و2021 على القطاع، ركز الاحتلال الإسرائيلي على تدمير الأحياء الفلسطينية بقصف مدفعي وجوي مكثف، إلى جانب استهداف الأبراج السكنية في قلب مدينة غزة، في محاولة لوقف المقاومة والضغط على حاضنتها الشعبية.
650 وحدة سكنية تضررت جراء القصف الحالي على غزة
ويشكل استهداف الأبراج ورقة ضغط إسرائيلية واجهتها المقاومة الفلسطينية في المواجهة الماضية بقوة حينما كانت ترد بقصف مركّز على مدن المركز في الأراضي المحتلة من خلال استهداف تل أبيب والقدس المحتلة وأسدود وعسقلان.
ويسبّب الاستهداف الإسرائيلي للمنازل حالة من الخوف والهلع في صفوف المواطنين الفلسطينيين نتيجة إمكانية وقوع خسائر بشرية محققة إلى جانب الخسائر المادية الناتجة عن القصف والتدمير الكلي للمنازل والشقق المدنية.
التأثير على الحاضنة الشعبية في غزة
ويسعى الاحتلال عبر قصفه للشقق السكنية والمنازل المدنية للضغط على حركة الجهاد الإسلامي من أجل القبول بالتهدئة، والعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبيل الاستنفار الذي جرى على حدود القطاع قبل أكثر من أسبوع بعد اعتقال الاحتلال القيادي في "الجهاد" من مخيم جنين بسام السعدي.
ويركز القصف الإسرائيلي للمنازل والشقق السكنية على استخدام كثافة نارية عالية لا تتوافق في الكثير من الأحيان مع طبيعة المنزل أو الشقة المستهدفة، وهو ما يعكس جانباً نفسياً يسعى من خلاله الاحتلال للتأثير على حاضنة المقاومة.
وفي موازاة ذلك، يحرص الاحتلال على نشر لحظة القصف من طائراته عبر وسائل إعلامه المتنوعة بهدف بث دعاية مضادة لعمل المقاومة الفلسطينية التي تحرص على بث رسائل دعائية موجهة للجبهة الداخلية وأخرى موجهة للمستوطنين للضغط عليهم.
وعن ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، إن الاحتلال الإسرائيلي لجأ إلى هذه السياسة لزيادة الضغط على حركة الجهاد الإسلامي عبر توسيع العملية واستنفار الوسطاء من أجل إقناع الحركة بالقبول بالتهدئة من دون شروط.
ويضيف عوكل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن بنك الأهداف الذي يمتلكه الاحتلال الإسرائيلي ضعيف في ما يتعلق بـ"الجهاد الإسلامي"، وهو ما يتضح من قصف بعض المنازل والشقق السكنية تحت ادعاء أنها لناشطين في الذراع العسكرية للحركة. ووفق المحلل السياسي، فإن هذا القصف للشقق والبيوت المدنية يعكس إفلاساً إسرائيلياً وغياباً حقيقياً لبنك الأهداف الذي كان يتحدث عنه جيش الاحتلال منذ نهاية المواجهة الماضية "سيف القدس" (حارس الأسوار).
ويستبعد عوكل أن يلجأ الاحتلال لسياسة توسيع القصف نحو استهداف وتدمير الأبراج السكنية الكبرى كونه سيسهم في دخول علني لحركة حماس في المواجهة، وسيؤدي إلى مواجهة أكثر عنفاً وتصعيداً مع الاحتلال قد تستمر وقتها لفترة أطول.
تجنب مواجهة شاملة
ووسعت المقاومة الفلسطينية من رقعة القصف للمستوطنات والمدن المحتلة عام 1948 عبر استهداف القدس المحتلة وتل أبيب وأسدود وعسقلان، بعشرات الصواريخ رداً على عملية الاغتيال التي تعرض لها القيادي في "سرايا القدس"، الذراع العسكري لـ"الجهاد الإسلامي"، تيسير الجعبري، أمس الأول الجمعة.
بنك الأهداف الذي يمتلكه الاحتلال حول "الجهاد" ضعيف
من جهته، يقول الكاتب المختص في الشأن السياسي أحمد الكومي، إن توسيع رقعة القصف من قبل الاحتلال واستهداف المنازل المدنية والشقق السكنية يعكس رغبة إسرائيلية للضغط على "الجهاد الإسلامي" للقبول بوقف إطلاق نار غير مشروط.
ويوضح الكومي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاحتلال يريد العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل عملية الاغتيال التي جرت للقيادي الجعبري أمس الأول الجمعة، تزامناً مع رفض "الجهاد" وغرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة للقبول بأي ثمن لتمرير عملية الاغتيال.
وبحسب الكومي، فإن الاحتلال غير معني بتوسيع رقعة المواجهة مع المقاومة الفلسطينية ويريد إنهاء هذه الجولة من دون الدخول في مواجهة عسكرية شاملة يفقد فيها السيطرة على الموقف. ويلفت إلى أن الفصائل الفلسطينية هي الأخرى لا تبحث عن مواجهة عسكرية شاملة كون الواقع في القطاع لا يسمح بهذا الخيار حالياً في ظل تشديد الحصار وسوء الأحوال المعيشية، إلا أنها في حال استشعرت أن الاحتلال يستغل هذا الظرف لخدمة مصالحه الأمنية أو الأغراض الانتخابية فإنها ستقوم بحسم الموقف بشكل حاد جداً.