لم تفلح كل المحاولات والضغوط في ثني إقليم كردستان العراق عن إجراء الاستفتاء على الانفصال في موعده المحدد في 25 سبتمبر/أيلول. وعلى الرغم من الإجماع العالمي على معارضة هذه الخطوة، فإن القيادة الكردية بقيت عند قرارها ولم تتراجع، وهذا أمر يستدعي التوقف عنده من أجل فهم الأسباب الفعلية التي تقف وراء هذا الإصرار.
قبل كل شيء هناك ملاحظتان رئيسيتان. الأولى هي أنه كان هناك اعتقاد لدى الحكومة العراقية والقوى الإقليمية أن الضغوط سوف تثمر في جعل رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، يتراجع عن الاستفتاء، ويقبل بعرض بديل يُشكّل حلاً وسطاً بين بغداد وأربيل. والنقطة الثانية تتمثّل في حسابات بعض الأطراف بأن الصف الكردي غير موحّد الموقف من قضية الاستفتاء، وأن هناك دولاً إقليمية لها قدرة على الضغط من أجل تشكيل قوة كردية معارضة للاستفتاء، وهذا الأمر ينطبق على إيران التي تربطها علاقات متينة مع حزب "الاتحاد الوطني" بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، ولهذا الغرض قام قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بأكثر من زيارة للإقليم.
شهد الأسبوع الأخير السابق ليوم الاستفتاء رهاناً على الضغوط من جهة، ومحاولة شق الصف الكردي من جهة ثانية. جرت مساومات اللحظة الأخيرة بين بغداد وأربيل، في ظل وساطات دولية، ولكن الطرف الكردي لم يتراجع، وفي الوقت ذاته تم لعب ورقة طالباني، إذ برز نجل جلال طالباني، بافيل، ليعلن يوم السبت الماضي رفض الاستفتاء، ولكنه تراجع عن موقفه بسرعة، وانخرط في السرب، وكان ذلك إشارة إلى أن غالبية كردية مطلقة تقف في صف قرار إجراء الاستفتاء.
اقــرأ أيضاً
البرزاني نفسه فوجئ بالحالة التي ولّدها قراره بالذهاب إلى الاستفتاء، ولم تكن حساباته تتوقع أن يلقى القرار هذا التجاوب الشعبي من الأكراد قاطبة، الأمر الذي وضعه أمام خيار وحيد بعدم العودة إلى الوراء. وكان واضحاً في الأيام الثلاثة الأخيرة أن الشارع الكردي سبق القيادة الكردية بأشواط، ورفع السقف السياسي أعلى مما كانت تطالب به، ولهذا لم يترك أمامها أي هامش للمناورة أو طريقاً للعودة إلى الوراء. ومن يقارن خطاب البرزاني في بداية سبتمبر/أيلول الحالي، مع خطابه الذي تحوّل إلى الراديكالية في الأيام الثلاثة الأخيرة، يمكنه أن يفهم سر هذا الانعطاف، ذلك أن الشارع التقط رسالة الاستفتاء وذهب بها نحو أفق آخر هو "الاستقلال"، وهذا ما عبّر عنه البرزاني في مؤتمره الصحافي الأخير، حين نعى الشراكة والدولة الاتحادية.
يفتح الاستفتاء الباب باتجاه انفصال كردستان، وليس نحو أي أفق آخر، وكل من يخمّن غير ذلك لا يريد قراءة الأمر الواقع في تعابيره الواضحة والصريحة، إلا أن هذه النتيجة لن تكون أوتوماتيكية، ويتطلب تحقيقها معادلة جديدة، تعيد هيكلة الوضع العراقي بطريقة مختلفة.
الشارع الكردي تصرف بعفوية، ومن منطلق أن "الاستقلال" حق طبيعي للأكراد الذين جرّبت معهم الدولة العراقية صيغا عدة للتعايش، ولكنها جميعها فشلت، من الحكم الذاتي إلى الدولة الاتحادية، وبالتالي فهم يرون أن اللحظة حانت من أجل أن يقرروا مصيرهم، ويعلنوا دولتهم المستقلة التي باتت موجودة على الأرض بكافة أركانها.
حسب وجهة نظر الأكراد، ليس هناك أي سبب يدفعهم إلى الحرص على الصيغة الحالية القائمة بينهم وبين بغداد، وسواء قصّرت بغداد بالوفاء في التزاماتها أو لم تقصر، فإن الوضع القائم منذ سنة 2003 تاريخ احتلال العراق، ومن ثم كتابة الدستور في عام 2005، لم يعد يناسبهم، وهم يرون أن الفرصة باتت سانحة لإعلان دولتهم، وربما لن تتكرر.
إلى ذلك يبدو أن المرحلة الأصعب هي التي ستلي الاستفتاء، ولن تشبه، في جميع الأحوال، المرحلة السابقة التي كانت تُعرف بالشراكة. وإذا كانت الشراكة قد انتهت بالاستفتاء وفق ما أعلن البرزاني، فإن الفترة الجديدة لن تكون مقتصرة فقط على المواجهة بين بغداد وأربيل، بل هي متعلقة بعراق ما بعد "داعش"، الأمر الذي يتجاوز الحسابات العراقية إلى الإقليمية والدولية.
اقــرأ أيضاً
شهد الأسبوع الأخير السابق ليوم الاستفتاء رهاناً على الضغوط من جهة، ومحاولة شق الصف الكردي من جهة ثانية. جرت مساومات اللحظة الأخيرة بين بغداد وأربيل، في ظل وساطات دولية، ولكن الطرف الكردي لم يتراجع، وفي الوقت ذاته تم لعب ورقة طالباني، إذ برز نجل جلال طالباني، بافيل، ليعلن يوم السبت الماضي رفض الاستفتاء، ولكنه تراجع عن موقفه بسرعة، وانخرط في السرب، وكان ذلك إشارة إلى أن غالبية كردية مطلقة تقف في صف قرار إجراء الاستفتاء.
البرزاني نفسه فوجئ بالحالة التي ولّدها قراره بالذهاب إلى الاستفتاء، ولم تكن حساباته تتوقع أن يلقى القرار هذا التجاوب الشعبي من الأكراد قاطبة، الأمر الذي وضعه أمام خيار وحيد بعدم العودة إلى الوراء. وكان واضحاً في الأيام الثلاثة الأخيرة أن الشارع الكردي سبق القيادة الكردية بأشواط، ورفع السقف السياسي أعلى مما كانت تطالب به، ولهذا لم يترك أمامها أي هامش للمناورة أو طريقاً للعودة إلى الوراء. ومن يقارن خطاب البرزاني في بداية سبتمبر/أيلول الحالي، مع خطابه الذي تحوّل إلى الراديكالية في الأيام الثلاثة الأخيرة، يمكنه أن يفهم سر هذا الانعطاف، ذلك أن الشارع التقط رسالة الاستفتاء وذهب بها نحو أفق آخر هو "الاستقلال"، وهذا ما عبّر عنه البرزاني في مؤتمره الصحافي الأخير، حين نعى الشراكة والدولة الاتحادية.
يفتح الاستفتاء الباب باتجاه انفصال كردستان، وليس نحو أي أفق آخر، وكل من يخمّن غير ذلك لا يريد قراءة الأمر الواقع في تعابيره الواضحة والصريحة، إلا أن هذه النتيجة لن تكون أوتوماتيكية، ويتطلب تحقيقها معادلة جديدة، تعيد هيكلة الوضع العراقي بطريقة مختلفة.
الشارع الكردي تصرف بعفوية، ومن منطلق أن "الاستقلال" حق طبيعي للأكراد الذين جرّبت معهم الدولة العراقية صيغا عدة للتعايش، ولكنها جميعها فشلت، من الحكم الذاتي إلى الدولة الاتحادية، وبالتالي فهم يرون أن اللحظة حانت من أجل أن يقرروا مصيرهم، ويعلنوا دولتهم المستقلة التي باتت موجودة على الأرض بكافة أركانها.
إلى ذلك يبدو أن المرحلة الأصعب هي التي ستلي الاستفتاء، ولن تشبه، في جميع الأحوال، المرحلة السابقة التي كانت تُعرف بالشراكة. وإذا كانت الشراكة قد انتهت بالاستفتاء وفق ما أعلن البرزاني، فإن الفترة الجديدة لن تكون مقتصرة فقط على المواجهة بين بغداد وأربيل، بل هي متعلقة بعراق ما بعد "داعش"، الأمر الذي يتجاوز الحسابات العراقية إلى الإقليمية والدولية.