بالتزامن مع تصعيد واضح في الاعتداءات الإرهابية لتنظيم "داعش" في مناطق مختلفة من العراق، واستمرار تسجيل اعتداءات تتورط فيها مليشيات مرتبطة بإيران في مناطق عدة شمال وغربي البلاد، يحذّر سياسيون عراقيون من توظيف سياسي لتلك الهجمات من مختلف الأطراف السياسية. ويخشى هؤلاء من أن يعتمد هذا التوظيف على التأجيج الطائفي، من خلال قنوات فضائية وصحف وصفحات ممولة على منصات التواصل الاجتماعي، ضمن سعي لحشد طائفي، هدفه خدمة تلك القوى انتخابياً.
تستحوذ الأحزاب والقوى السياسية والفصائل المسلحة على أكثر من 90 في المائة من وسائل الإعلام في العراق
وخلال أقل من أسبوعين، شهدت محافظتا صلاح الدين وديالى، شمال وشرقي العراق، جريمتي قتل جماعي في كلّ من الفرحاتية والخيلانية، طاولت مدنيين، الأولى تُتهم مليشيا "عصائب أهل الحق" بارتكابها، بينما الثانية نفّذها مسلحون يتبعون لتنظيم "داعش"، وفقاً للسلطات العراقية في بغداد. وراح ضحية الاعتداء الأول 12 مدنياً، فضلاً عن مختطفين لا يزال مصيرهم مجهولاً، بينما قتل في الاعتداء الثاني 5 مدنيين، وأصيب ثلاثة آخرون، بعد تلغيم جثّة أحد الضحايا، التي انفجرت في المسعفين. ولم تعلن السلطات العراقية لغاية الآن عن نتائج التحقيق في جريمة الفرحاتية، لكنها أعلنت عن نتائج التحقيق في جريمة الخيلانية بديالى، وهي التي تبناها "داعش".
ومن أصل 78 قناة فضائية عراقية وأكثر من 20 صحيفة ونحو 60 موقعاً إلكترونياً إخبارياً، تستحوذ الأحزاب والقوى السياسية والفصائل المسلحة على أكثر من 90 في المائة منها، كما تملك تأثيراً بشكل أو آخر على خطاب النسبة المتبقية، وفقاً لموظف في قسم الرصد بهيئة الإعلام والاتصالات، وهي الجهة المنظمة لعمل وسائل الإعلام العراقية ومراقبة أدائها. وقال المسؤول لـ"العربي الجديد"، إن هناك تصاعداً في حدة الخطاب الطائفي من خلال توظيف الهجمات الأخيرة، ما اعتبره أمراً خطيراً على العراق، لافتاً إلى أنه تمّ توجيه تحذيرات لعدد من المؤسسات الإعلامية حيال ذلك.
ورأى المصدر أن هذا الخطاب لا يمكن عزله عن الانتخابات المبكرة المنتظرة، ومحاولة تحشيد الشارع طائفياً، في حالة غير جديدة، عادة ما تستفيد منها الأحزاب الدينية والطائفية تحديداً. وأقر المسؤول بأن الحكومة العراقية تتحمل جزءاً من هذا التصعيد، كونها انتهجت أسلوب لجان التحقيق الوهمية، والتي لم تعلن على الرغم من كثرتها، عن أي نتيجة، ما يجعل وسائل إعلام تنسج قصصاً وروايات عن كل حادثة تناسب خطابها.
وعلى الرغم من أن التظاهرات التي شهدتها البلاد منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019، ساهمت في خلق حالة إيجابية في الشارع العراقي إزاء تحقير وازدراء أي خطاب طائفي، إلا أن مراقبين وسياسيين يؤكدون أن بعض زعماء الأحزاب يعولون على البسطاء من الشعب العراقي للتأثير عليهم.
في السياق، قال عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي، لـ"العربي الجديد"، إن "التركيز على الخطاب الطائفي من قبل بعض السياسيين والأحزاب، وما تملك من وسائل إعلام وفصائل مسلحة وسلاح، تبدأ في العادة قبل أشهر من كلّ انتخابات، وبما أن موعد الانتخابات بات قريباً، فإن الأشهر المقبلة ستشهد تأجيجاً بالخطاب الطائفي، وسيظهر ذلك واضحاً في كل البيانات الرسمية والمؤتمرات والخطب". ورأى الدهلكي أن "العقل السياسي في العراق لا يزال يؤمن بالطائفية، وبأنها مصدر من مصادر الرزق السياسي، إلا أن معظم هذه الخطابات باتت لا تنطلي على العراقيين، وتحديداً بعد انتفاضة أكتوبر التي أفرزت جيلاً جديداً من الشباب، يسخر من الطائفية ويعتبرها لعبة خاسرة".
من جهته، قال السياسي العراقي ليث شبر، وهو رئيس حزب "الثورة" الذي تشكل حديثاً، لـ"العربي الجديد"، إن "معظم الأحزاب العراقية لا تملك غير وسيلتين لكسب جمهور لها، الأولى تتلخص في الاستيلاء على ملف التعيينات في الدوائر الحكومية لتعيين المواطنين مقابل كسب أصواتهم في الانتخابات، والثانية إثارة العواطف الدينية والمذهبية في نفوس بعض العراقيين، لإحداث طفرة مؤقتة في المجتمع العراقي". وأبدى شبر استغرابه من "قيام بعض السياسيين العراقيين بالحديث في الإعلام بخطابين متناقضين، واحد عن بناء دولة مدنية وإصلاحية والثاني بالطائفية المقيتة".
ولا يقتصر الخطاب الطائفي على سياسيين عراقيين من مكون مُعيّن دون غيرهم. ففي الوقت الذي تستخدم فيه معظم الأحزاب الشيعية صور المرجع علي السيستاني في حملاتها الانتخابية، على الرغم من تأكيد الأخير أكثر من مرة وقوفه "على مسافة واحدة من جميع المرشحين والقوائم الانتخابية"، تظهر الأحزاب الأخرى مثل "حزب الحل" الذي يقوده السياسي محمد الكربولي في المدن ذات الأثر الديني لدى سنّة العراق، مثل الأعظمية وغيرها. ويدور معظم حديث الكربولي عن "تعرّض السُنّة للاعتقالات والتهميش والإقصاء"، وأنهم "أكثر وطنية من غيرهم".
انتهجت الحكومة أسلوب لجان التحقيق الوهمية، في الجرائم التي لم تعلن أي نتيجة
لكن السياسي العراقي ناجح الميزان، رأى أن "اتهام بعض زعماء الأحزاب والقتلة الذين يوالون إيران، لا يعني التأجيج الطائفي بل إنها الحقيقة، وبالتالي لا بد من التعامل مع الحقائق بدلاً من الابتعاد عنها بحجة أنها تؤدي إلى تعزيز خطاب الكراهية". واعتبر الميزان في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أطرافاً سياسية تمارس إقصاءً كبيراً بحقوق شركائهم في الوطن والإنسانية، وبالتالي لا بد من الاعتراف بذلك، كما أن المليشيات المسلحة التابعة لشخصيات سياسية شيعية تمارس تعنيفاً وتصفية بحق أهالي المدن المحررة من تنظيم داعش"، متسائلاً "أين الطائفية من هذا الحديث؟".
من جهته، رأى عضو الحزب الشيوعي العراقي، أيهم رشاد، أن "تداعيات أزمة الصراع الطائفي لا تزال قائمة في العراق، وتلقي بظلالها على مستقبله، بسبب انجراف البسطاء من العراقيين معها". وأضاف أن بعض السياسيين وقادة الأحزاب تدعمهم المليشيات الموالية لإيران، يعززون الخطاب الطائفي، بل يستغلون أي حادثة ترتكبها عناصر من تنظيم داعش لإلقاء اللوم على الأهالي السُنّة، وهم يسعون من خلال ذلك للتذكير بأن للفصائل المسلحة القدرة على حماية المناطق المحررة". وأشار رشاد في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأمر نفسه ينطبق على بعض السياسيين السُنّة الذين لا يزالون يعتاشون على الطائفية، وبالتالي فإن جميع الأطراف السياسية في العراق تستغل الطائفية لأهداف مصلحية وسياسية واقتصادية وانتخابية".