من المرتقب أن يُنظّم "الحشد الشعبي"، المظلة الجامعة لأكثر من 70 فصيلاً مسلحاً في العراق، استعراضاً عسكرياً مسلحاً خلال الأيام المقبلة، يقول قادة بارزون فيه إنه يأتي بمناسبة ذكرى تأسيسه، التي حلت في يونيو/حزيران الماضي، وتم تأجيل الاستعراض أكثر من مرة من دون الكشف عن سبب ذلك.
واعتُبر اليوم الذي أصدر فيه المرجع الديني علي السيستاني فتوى "الجهاد الكفائي"، في 13 يونيو/حزيران عام 2014، إثر اجتياح تنظيم "داعش" مساحات واسعة من مدن شمالي وغربي العراق، ذكرى سنوية لتأسيس "الحشد الشعبي".
وصوّت البرلمان في العام 2016 على مشروع قرار قدّمته قوى سياسية عدة عُرف باسم "قانون الحشد الشعبي"، اعتبر "الحشد" جزءاً من المؤسسة العسكرية المرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة وتتلقى أوامرها منه، وأقر لعناصرها رواتب شهرية موازية لرواتب الجندي في الجيش العراقي، وموازنة تسليح وتطوير سنوية. وعلى الرغم من ذلك، لم يُغلَق باب الجدل والمطالبات بحل تلك الفصائل أو دمجها في صفوف الجيش والشرطة، بسبب استمرار تحديها للدولة والخروج عن قراراتها.
ولم تُظهر الفصائل المعروفة بـ"الولائية" (الموالية لإيران) التزاماً بهذا القانون، وظلّت تمارس أنشطة مخالفة له، بما في ذلك القتال في سورية. كما تورطت بتنفيذ جرائم وانتهاكات في المحافظات التي شهدت معارك ضد "داعش"، وفق تصريحات لشخصيات سياسية عراقية مختلفة وتقارير لمنظمات حقوقية متخصصة.
"سرايا سلام" تغيب عن استعراض "الحشد"
وبالنسبة للاستعراض الذي من المقرر أن يشارك فيها عشرات آلاف المقاتلين التابعين لفصائل مدعومة من طهران، فهو يتزامن مع واحدة من أعقد الأزمات السياسية التي تخيّم على العراق منذ ما يزيد عن 9 أشهر، بعد إجراء الانتخابات التشريعية العامة في 10 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي والفشل بتشكيل حكومة جديدة.
وقالت مصادر مسؤولة في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن جماعة "سرايا السلام"، الجناح المسلح لـ"التيار الصدري"، قررت عدم المشاركة في الاستعراض، مضيفة أن فصائل النجف المعروفة بـ"حشد العتبات"، لم تحسم قرارها بالمشاركة حتى الآن.
عضو في "التيار الصدري": الاستعراض عبارة عن عرض عسكري بغايات سياسية ولن يستفزنا
وتواصلت "العربي الجديد" مع عضو في "التيار الصدري"، أكد أنهم لن يشاركوا في هذا الاستعراض. وقال إن "تأجيل استعراض الحشد الشعبي لما بعد صلاة الجمعة الموحدة، التي دعا لها مقتدى الصدر غداً الجمعة، له أهداف سياسية، ويراد منه الرد على التجمّع الصدري عبر هذا التجمّع المسلح، لإيصال رسائل لمقتدى الصدر أن جمهور الإطار جاهز لأي ردة فعل في الشارع العراقي". ووصف الاستعراض بأنه "عبارة عن عرض عسكري بغايات سياسية واضحة ولن يستفز التيار الصدري وجمهوره".
من جهته، قال عضو بارز في جماعة "عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي، أبرز المليشيات الحليفة لإيران، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "الاستعراض العسكري للحشد الشعبي سيكون خلال الأيام المقبلة، لكن لم يتم تحديد موعد رسمي له حتى اللحظة". ولفت إلى أن "الاستعراض سيشارك فيه عشرات آلاف العناصر من غالبية الفصائل، من دون مشاركة سرايا السلام بهذا الاستعراض".
وأضاف طالباً عدم الكشف عن هويته، بسبب ما قال إنها توصيات بعدم التحدث عن الاستعراض إلا من خلال رئاسة "الحشد"، ممثلة بكل من فالح الفياض، والقيادي في "كتائب حزب الله" عبد العزيز المحمداوي، المعروف بـ"أبو فدك"، أن الاستعراض سيقام في محافظة ديالى، وتحديداً في المعسكر السابق لجماعة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة والتي تركت العراق عام 2010 بشكل نهائي بعد سلسلة هجمات دامية تعرضت لها.
ويقع المعسكر قرب بلدة الخالص شمال شرقي بعقوبة، مركز محافظة ديالى الحدودية مع إيران، ويُعرف باسم "معسكر أشرف". لكن "الحشد الشعبي" قام بتغيير الاسم بعد السيطرة عليه إلى "معسكر أبو منتظر المحمداوي"، وهو أحد قادة الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران والذي قتل عام 2016 قرب مدينة الفلوجة غربي البلاد.
ووفقاً للمصدر ذاته، فإن الاستعراض العسكري سيشمل كافة الأسلحة التي تمتلكها فصائل "الحشد"، من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، إضافة إلى الطيران المسيّر. وأقرّ أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لديه تحفظ على عرض الطائرات المسيّرة التي تمتلكها فصائل محددة أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق"، على اعتبار أنها تبعث برسائل غير مريحة للداخل وخصوصاً لإقليم كردستان، وكذلك لجيران العراق.
وتحدث عن حضور شخصيات سياسية وحكومية في الاستعراض، إلى جانب من وصفهم بـ"السفارات الصديقة وبعض المستشارين الإيرانيين، الذين كان لهم دور مهم وبارز في دعم الحشد خلال معاركه مع تنظيم داعش". وختم بالقول إن "الاستعراض سيكون رسالة موجهة ضد دعوات حل الحشد الشعبي، وتأكيد على استمراريته، وهي رسالة أيضاً لأطراف خارجية، تأمل سحب العراق ضمن محاور أميركية خليجية إسرائيلية"، على حد تعبيره.
ونظمت فصائل "الحشد الشعبي" في 26 يونيو/حزيران 2021 استعراضاً مسلحاً هو الأول من نوعه في الذكرى السابعة لتشكيلها في محافظة ديالى، بحضور الكاظمي وعدد من القيادات الأمنية وسياسيين ونواب في البرلمان.
نفي وجود رسائل سياسية من "الحشد"
من جهته، قال القيادي في "الحشد الشعبي"، محمد البصري، لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ تأسيس الحشد الشعبي اعتاد سنوياً على الاستعراض المسلح، بعيداً عن الأحداث الحاصلة في وقت الاستعراض، سواء على المستوى الداخلي او الخارجي، لكن البعض يحاول أن يصور استعراض الحشد على أنه لتهديد قوى داخلية أو خارجية، وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة".
وبيّن البصري أن "استعراض الحشد رسالة للعالم بأن في العراق مؤسسة أمنية عراقية تتطور وأصبحت تضم عدة أصناف وتشكيلات لحماية العراق من أي اعتداء إرهابي أو خارجي، وليس الهدف إيصال أي رسائل سياسية، فالحشد بعيد كل البعد عن السياسة ولا يتدخل في هذا المجال اطلاقاً، عكس ما يروج البعض".
البصري: تأجيل الاستعراض لأكثر من مرة ليس لغايات سياسية، لكن بسبب بعض الإجراءات اللوجستية
وأضاف انه "تم اختيار نخبة من ألوية الحشد الشعبي، التي ستقوم بالاستعراض العسكري المسلح، وليس من الضروري مشاركة كل فصائل الحشد، لكن غالبية الألوية ستكون مشاركة بهذا الاستعراض، كما أن القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي سيحضر ويشارك في هذا الاستعراض".
وأكد أنه "حتى الآن لا يوجد موعد محدد ورسمي لإجراء الاستعراض"، مشدداً على أن "تأجيله لأكثر من مرة ليس لغايات سياسية، لكن بسبب بعض الإجراءات اللوجستية، من أجل إظهار الاستعراض بصورة تليق بالحشد".
في المقابل، قال المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إن "استعراض الحشد المرتقب، سيكون لتوجيه رسائل سياسية لأطراف عديدة، خصوصاً أن الإطار التنسيقي يعتقد أن الحشد وسيلة في إدارة الصراع السياسي".
وبيّن الشريفي أن "المرحلة المقبلة ربما تشهد تصعيداً، خصوصاً بعد صلاة الجمعة الموحدة للتيار الصدري، والاستعراض المسلح للحشد الشعبي، والتصعيد ربما يكون من خلال الخطاب السياسي، والأمر ربما يصل إلى الاحتكاك الشعبي بين أنصار بعض الأطراف السياسية، وهذا امر غير مستبعد، بل وارد جداً".
وأضاف أن "تأجيل استعراض الحشد لأكثر من شهر على موعد ذكرى تأسيسه لا يخلو من الأجندة السياسية، خصوصاً أن الاستعراض أُجّل لهذا الموعد بسبب قرب تشكيل الحكومة الجديدة، وقرب عقد قمة جدة، والهدف من هذا إيصال رسائل سياسية وحتى رسائل تهديد إلى قوى داخلية وخارجية، خصوصاً ان الحشد أصبح أداة للصراع السياسي بيد قوى الإطار التنسيقي".