ما إن عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العاصمة واشنطن بعد قمة جمعته في الرياض بقادة العالم الإسلامي، حتى وصل مستشاره الخاص، وزوج ابنته، جاريد كوشنر بصحبة الممثل الخاص للرئيس في مفاوضات الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات إلى المنطقة لوضع اللمسات الأولى على "صفقة القرن" التي وعد بها ترامب ناخبيه في الولايات المتحدة، وحلفائه في الشرق الأوسط، ومحورها إقامة السلام الشامل والدائم في منطقة مزقتها الصراعات الكبرى. وما بين وعد بلفور في عام 1917 ووعد ترامب 2017، مرّ قرن كامل من الزمن، تحقق فيه الحلم الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، بينما ظل الحلم العربي مجرد أغنية تجترها الإذاعات العربية في النكسات والنكبات الوطنية.
ولا يبدو ما يتسرب من معلومات عن "صفقة القرن" غريبا عن الرئيس ترامب، رجل العقارات، الخبير في بيع المباني والأراضي، والضالع في التهرب الضريبي، إذ إن كل المؤشرات تشي بأنه ومبعوثيه إلى المنطقة يسعون لتصفية القضية الفلسطينية بالتطبيع المجاني، وبيع أراضٍ لأصحابها، والتبرع بأراضٍ لغير أهلها، وتحقيق الأمن والسلام الدائم للحليفة إسرائيل، مع تحويل "الكوميشن" لخزينة الدولة الأميركية العطشى للمزيد من مليارات العرب.
لن تكون "صفقة القرن" إلا صفعة جديدة على الوجه العربي، تماما كتلك الصفعة التي لطمت كل عربي في الثاني من نوفمبر 1917 عندما كتب وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور رسالة إلى اللورد روتشيلد، أبلغه فيها بـ "كثير من السرور، أن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".
بعد مائة عام من ذلك الوعد المشؤوم، وبينما جراح لطمة القرن الماضي لا تزال غائرة في الجبين العربي، يُكرر التاريخ نفسه بصفعة جديدة، يعد الرئيس الأميركي فيها، بتحقيق صفقة تُنهي الصراع في الشرق الأوسط، عبر طريق التفافي سريع، يمر على أنقاض الحقوق الفلسطينية، ويصل تل أبيب بالعالمين العربي والإسلامي مجانا، عبر بوابة الرياض.