احتجاجات باكستان... مخاوف من تكرار سيناريو بنغلادش

13 اغسطس 2024
تظاهرة للبشتون في كراتشي، 10 فبراير 2019 (رضوان تبسم/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تصاعد التوتر في باكستان مع احتجاجات واسعة بقيادة تيارات متعددة تستهدف المؤسسات، خاصة العسكرية، وسط تحذيرات من قائد الجيش الجنرال عاصم منير.
- الحكومة توصلت لاتفاق مع الجبهة الشعبية البلوشية لإنهاء اعتصامها قرب ميناء غوادر، بينما تستمر احتجاجات البشتون المطالبة بفتح الحدود الأفغانية.
- حراك طلابي بقيادة اتحاد الطلاب التابع لحزب عمران خان يطالب بالإفراج عن خان وعدم تدخل الجيش في السياسة، مما يثير مخاوف من تكرار سيناريو بنغلادش.

في موازاة تصاعد التوتر الأمني بدأ تحرك احتجاجي واسع في باكستان بقيادة تيارات عدة لأهداف متنوعة، ولكن المشاركة الشعبية القوية فيها، والمساس بمؤسسات الدولة وتحديداً المؤسسة العسكرية الباكستانية، أثارت مخاوف من تحول باكستان إلى بنغلادش جديدة، التي أُطيح بحكم رئيسة الوزراء الشيخة حسينة فيها في الفترة الماضية.

ودفعت هذه التطورات قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير والمؤسسة العسكرية بمجملها، إلى تهديد من يسعى إلى إثارة البلبلة في البلاد من خلال الحراك الاحتجاجي. وتطرق منير في خطاب له في اجتماع لعلماء الدين في العاصمة إسلام أباد، الخميس الماضي، إلى هذه الاحتجاجات، معتبراً أن الاحتجاج السلمي حق للجميع ولكن أتعهد بالوقوف بصرامة في وجه كل من يأخذ القانون في يده، ويعبث بأمن واستقرار باكستان لأن الأمن حالياً جاء بعد تضحيات كبيرة، والآلاف من رجال الأمن وأبناء الشعب ضحوا بدمائهم، من هنا أحذر كل من يسعى لإثارة البلبلة في البلاد.

كما أكد قائد الجيش أن كل من لا يحترم دستور البلاد لن نعتبره مواطناً باكستانياً وسنتعامل معه بيد من حديد وبكل قسوة. وقد فسرت الجزئية الأخيرة من خطاب قائد الجيش في سياق الحديث عن حركة طالبان الباكستانية والتي سماها بـ"فتنة الخوارج"، ولكن هناك من المحللين والمراقبين من اعتبروها إشارة إلى بعض البلوش وبعض القبائل البشتونية بالإضافة إلى طالبان الباكستانية.

فريد الله خان: الانفصاليون البلوش يرون أن الجيش الباكستاني احتل أراضي البلوش

احتجاجات باكستان

في السياق، اعتبر المحلل السياسي، المهتم بشؤون القبائل الباكستانية فريد الله خان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "مع الأسف في الآونة الأخيرة نحن نسمع ممن يقود الحراك الاحتجاجي، خصوصاً بين البلوش والبشتون، يقول جهاراً إنه لا يحترم دستور باكستان، بدعوى أن الدستور موضوع فقط للحفاظ على مصالح إقليم البنجاب، كبرى الأقاليم الباكستانية، بينما البشتون والبلوش محرومون من حقوقهم".

وأضاف: "نعم، هناك حركات مسلحة من القبائل، ففي البلوش هناك الحركات الانفصالية، تحديداً جيش تحرير بلوشستان، وهي منذ البداية لا تعترف بدستور باكستان وتحارب كل من ينتمي لباكستان"، معتبراً أن هذه الحركات "ترى أن الجيش الباكستاني احتل أراضي البلوش، وهكذا في البشتون تنظيمات مسلحة ترفض الدستور الباكستاني مثل طالبان الباكستانية وجيش الأحرار وفصائل أخرى صغيرة". واستدرك خان بالقول: "لكن ما هو جديد هو أنه عدا التنظيمات المسلحة، هناك تيارات غير مسلحة ترفع شعار معارضة الدستور الباكستاني، على سبيل المثال في اعتصام البلوش الأخير في ميناء غوادر، سمعنا هتافات بين الشباب يرفضون الدستور الباكستاني وهتافاتهم تشبه هتافات الانفصاليين البلوش، وهكذا شأن حركة الحماية عن البشتون، والتي لها نفوذ كبير في أوساط القبائل، خصوصاً الشباب، وهي ظاهرة خطيرة".

وأوضح خان أن "زعيم حركة الحماية عن البشتون منظور بشتين، أكد علناً في اجتماع شعبي في وزيرستان في 18 يوليو/تموز الماضي، أنه مع الأسف، تشير المعطيات على الأرض إلى أنه لا يمكننا السير قدماً مع باكستان، الي لم تعرف الحفاظ على حقوقنا طيلة العقود الماضية". وأضاف أن "الأوساط القبلية رحبت بتلك التصريحات، مما دفع حركة حماية البشتون إلى التحضير لاجتماع قبلي كبير في 11 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تحت اسم محكمة البشتون، من أجل اتخاذ القرار المستقبلي بشأن باكستان، وسيستمر الاجتماع ثلاثة أيام، ومن المرجح عقده في وزيرستان. وهناك اجتماعات مكثفة وحراك كبير بين الشباب والقبائل من أجل الاستعداد لهذا الاجتماع، والهدف هو أن تقرر القبائل البشتونية وزعاماتها مستقبل علاقاتها مع باكستان وهو أمر خطير للغاية، يدركه كل من يعرف طبيعة القبائل البشتونية على مر التاريخ".

وشدّد على أنه "لنضع في الحسبان الوضع في أفغانستان، لأن القبائل هناك ظهرها مفتوح وآمن. وبالتالي تعرف أنه حيال أي قرار يمكن لها أن تحصل على المساعدة من القبائل البشتونية على الجانب الثاني من الحدود، وهو أمر يحصل على مر التاريخ في كل الأزمات، ولكن الأمر يتعلق كثيراً بالعلاقة بين كابول وإسلام أباد، على الرغم من أنه لا توجد أي بوادر لتحسن تلك العلاقة في الوقت الحالي".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي إطار مفاوضات الحكومة الباكستانية، وخلفها المؤسسة العسكرية، فقد تمكنت السطات الحكومية من الاتفاق مع الجبهة الشعبية البلوشية على إنهاء الاعتصام المفتوح قرب ميناء غوادر في إقليم بلوشستان. وأعلنت الجبهة، الجمعة الماضي، أنه "بعد مفاوضات مع الحكومة أنهت الاعتصام الذي شارك فيها الآلاف من أبناء البلوش، الذين يطلبون من الحكومة ومن أجهزة أمن الدولة وقف حملات الاعتقال في صفوف البلوش وحل قضية المختفين قسرياً". ولم تتطرق الجبهة إلى مضامين المفاوضات ونتائجها، لكنها شدّدت على أن الحراك الاحتجاجي "سيستمر في صورة مختلفة، من أجل الضغط على الحكومة كي ترضخ لمطالبها". والسبت الماضي، عقدت الجبهة مهرجاناً شعبياً كبيراً في منطقة تربت بإقليم بلوشستان، مؤكدة على مواصلة الحراك حتى الوصول إلى كافة مطالبها، كما شهد المهرجان هتافات معارضة للجيش والمؤسسة العسكرية.

وفي إطار تلك العلاقة العدائية، تستعد باكستان للاحتفال بيوم الاستقلال، غداً الأربعاء، بشكل غير مسبوق وكبير، وفق تأكيدات الحكومة. غير أن ما عكر صفو ذلك هو وصف قبائل وزيرستان هذا اليوم بـ"الأسود"، مانعة رفع الأعلام الباكستانية، مع التنديد بمشاريع الجيش والحكومة في منطقة قبائل وزيرستان، وهناك خشية من تمدد الظاهرة إلى قبائل البشتون الأخرى، بينما يفعل البلوش ذلك أصلاً منذ عقود.

في السياق، أعلن الزعيم القبلي بيت الله، المتحدث باسم الاجتماع القبلي في وزيرستان، السبت الماضي، أن "الاجتماع القبلي قرر يوم استقلال باكستان من الهند يوماً أسود، وذلك لأننا لسنا أحراراً، القبائل تعيش تحت وطأة الجيش الباكستاني. نحن لسنا في أمان داخل منازلنا، قوات الجيش تدخل منازلنا متى شاءت، وتقتل أبناءنا وتخطفهم. من هنا سنرفع الأعلام السوداء على منازلنا وفي الأماكن العامة (غداً الأربعاء)".

وأوضح أن "القبائل قررت أن تعاقب كل من يرفع العلم الباكستاني، سواء من داخل القبائل أو من يأتي من الخارج، علاوة على تشكيل قوة من أجل القضاء على أنابيب الغاز التي قامت قوات الجيش بنشرها في عام 2017 بقوة السلاح وأرغمت القبائل على ذلك. الآن كل قبيلة ستقدم 200 شخص من صفوفها من أجل تشكيل تلك القوة، التي ستقضي على أنابيب الغاز التي تنقل غازنا إلى مناطق باكستان الأخرى. كما أن القبائل في المنطقة التي تمر منها تلك الأنابيب تساعد تلك القوة وتقف إلى جانبها"، مشدداً على أن "القبائل لن تصمت حيال ما تتعرض لها من العبثية من قبل الرئاسة الباكستانية والجيش والاستخبارات".


عبد القدير: الشعب الباكستاني مؤيد للحراك الطلابي والجيش مستعد للتغيير

إنهاء اعتصام الجماعة الإسلامية

كذلك أنهت الجماعة الإسلامية، ثاني أكبر جماعة دينية بعد جمعية علماء باكستان في البلاد، اعتصامها في مدينة راولبندي، الذي استمر 15 يوماً، للمطالبة بخفض أسعار الكهرباء والضرائب، وذلك بعد توقيع إتفاقية مع الحكومة، وعدت من خلالها الأخيرة بخفض أسعار الكهرباء. وتعليقاً على إنهاء الاعتصامين، أوضح الإعلامي الباكستاني نصير أحمد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "اعتصام الجماعة الإسلامية ليس إلا أمراً روتينياً تقوم به الجماعة بين الحين والآخر كي تطرح نفسها في الساحة، ولكن الجميع يعرفون أنه على الرغم من التوافق مع الحكومة على خفض أسعار الكهرباء، إلا أنها لا تستطيع فعل شيء، لأنها ليست في وضع يمكنها فيه خفض الأسعار والضرائب".

وأضاف أحمد أن "الأهم هو حراك البلوش والمؤسسة العسكرية تنظر إليه بحذر شديد، لأنه وإن أنهت الجبهة الشعبية البلوشية الاعتصام قرب ميناء غوادر، لكن الأمر لم يحصل لأن الحكومة أو المؤسسة العسكرية وافقت على مطالبها، بل لأنه كانت هناك خشية من الصدام مع قوات الجيش التي حاصرت موقع الاعتصام. كما أنه عملياً لم يكن بإمكان الجبهة مواصلة الاعتصام، لأن مئات السيارات كانت متوقفة في الطريق ولم تكن قوات الجيش تسمح بالدخول إلى المنطقة، كما أن المشاركين يواجهون شحاً في الغذاء والدواء بالتالي لم يكن هناك خيار سوى إنهاء الإعتصام، إلا أن الحراك متواصل وآخذ في التصعيد. البلوش لن يهدؤوا والحكومة غير مستعدة لأن تقبل مطالبهم، لأن القضايا التي تهم البلوش بيد الاستخبارات والجيش، خصوصاً قضية المختفين قسراً، وعمليات القتل الغامضة".

وفي موازاة انتهاء اعتصامي غوادر وراولبندي، ظلت جبهات أخرى مفتوحة في وجه الحكومة الباكستانية وقتاً أطول، ومنها اعتصام البشتون في إقليم بلوشستان قرب الحدود الأفغانية، بتنظيم من القبائل البشتونية المطالبة بفتح الحدود الأفغانية للعبور من دون الإجراءات الرسمية. وأنهت هذه القبائل الاعتصام في 22 يوليو الماضي بعد توقيع اتفاق مع الحكومة، تمّت الموافقة فيه على عبور سكان المناطق المحاذية على طرفي الحدود من دون إجراءات عبور، وذلك بعد اعتصام استمر 11 شهراً. وعلى الرغم من أن السلطات الباكستانية فتحت الحدود في وجه سكان البشتون من دون تفعيل إجراءات العبور، لكنها عادت وأقفلتها في اليوم التالي، بعد انتهاء الاعتصام. وعقدت القبائل عدة اجتماعات مع المسؤولين في الحكومة، ولكنهم تراجعوا عن التوافق ما جعل القبائل تنظم الإعتصام من جديد.

بدوره، واصل حزب حركة الإنصاف في اجتماعاته الضغط على الحكومة من أجل الإفراج عن رئيس الحكومة السابق عمران خان، ولكن الجديد في ذلك هو الحراك الطلابي، بقيادة اتحاد الطلاب التابع لحزب خان، وذلك تأثراً بما حدث في بنغلادش. ومن مطالب الحراك الطلابي الإفراج عن عمران خان وعدم تدخل المؤسسة العسكرية في الشؤون السياسية وحل لجنة الانتخابات الوطنية وتشكيل لجنة جديدة محايدة.

من جهتها، شنّت الاستخبارات الباكستانية حملة اعتقالات في صفوف الناشطين في هذا الحراك، ومنهم محمد عامر أحد المسؤولين في الاتحاد، ووحيد الله وهو مسؤول في نقابة طلابية لحزب عمران خان وعدد آخر. ومع أن موضوع الحراك الطلابي اقتصر على الاجتماعات الصغيرة والمؤتمرات الصحافية للنقابات الطلابية، غير أن الطلاب أبدوا استعدادهم للنزول إلى الشارع، مما أثار مخاوف صنّاع القرار من تكرار ما حصل في بنغلادش في باكستان.


نصير أحمد: اعتصام الجماعة الإسلامية روتيني بينما الوضع مع البلوش مختلف

حراكان وجيش

وتعليقاً على ذلك، لفت المحلل السياسي الباكستاني عبد القدير في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك حراكين: الحراك القبلي المتمثل في الاعتصام في بلوشستان، وما تقوم به حركة الحماية عن البشتون، التي لا تسعى إلى تغيير الحكومة أو تأييد حزب سياسي بل إن مشكلتها هي مع الرئاسة الباكستانية، وترفع قضايا مهمة لمستقبل باكستان كما أنها ترفع شعارات ضد الجيش، وهذا الحراك خاص بمنطقة جغرافية محددة وهي منطقة البشتون. وقد يكون ما يحدث بالتنسيق مع البلوش أيضاً. والمؤسسة العسكرية تنظر إلى هذا الحراك بشكل حذر، وربما تعتبره خطراً على مستقبل باكستان خصوصاً في ظل الوضع في أفغانستان، والقوة التي تستمدها القبائل البشتونية من القبائل الأفغانية وحتى من الحكومة الأفغانية، على حد تعبيره.

وأضاف عبد القدير: "أما الحراك الطلابي فمطالبه هي مطالب الشعب الباكستاني، وأظن أن الجيش مستعد للتغيير، وإيحاءات القادة في حزب خان تشير إلى أن تغييرات في الطريق، والمؤسسة العسكرية قد تصل إلى حل مع حزب خان. بالتالي هذا الحراك، قد يكون في صالح المؤسسة العسكرية، لأنها ستحصل على ذريعة من أجل تغيير تعاملها مع حزب خان وحيال بعض المؤسسات، كلجنة الانتخابات، وهناك تسريبات تؤكد أن تطوراً كبيراً قد حصل في العلاقات بين المؤسسة العسكرية وبين حزب خان".

المساهمون