- الحركة الطلابية تعكس تغيرًا في الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل وجرائم الحرب في غزة، مما يضع ضغوطًا على الإدارة الأميركية والرئيس جو بايدن لإعادة النظر في سياساتهم.
- الإعلام الإسرائيلي يحاول تشويه صورة الاحتجاجات مدعيًا معاداتها للسامية، بينما تعكس الاحتجاجات تغيرًا في الوعي السياسي تجاه السياسة الإسرائيلية وتزايد الدعم للقضية الفلسطينية عالميًا.
منذ منتصف إبريل/نيسان الماضي، بدأ طلاب رافضون للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، اعتصاماً في حرم جامعة كولومبيا الأميركية في نيويورك. ومع تدخّل قوات الشرطة واعتقال عشرات الطلاب، اتسعت حالة الغضب وتمددت التظاهرات إلى عشرات الجامعات الأميركية ومنها جامعات رائدة مثل هارفارد وجورج واشنطن ونيويورك وييل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وكارولاينا الشمالية. وطالبت حركة الاحتجاج الطلابية بوقف الحرب على غزة، وإيقاف المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، والعفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين تعرّضوا لإجراءات تأديبية أو الطرد بسبب الاحتجاج. لاحقاً، اتسع الحراك الطلابي غير المسبوق لدعم فلسطين في الولايات المتحدة إلى جامعات في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا والهند، وشهدت جميعها تظاهرات داعمة لنظيراتها الأميركية ومطالبات بوقف الحرب على غزة ومقاطعة الشركات التي تزود إسرائيل بالأسلحة.
احتجاجات الجامعات الأميركية
أهمية احتجاجات الجامعات الأميركية عديدة، في سياق المطالبة والضغط باتجاه توسيع المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية لإسرائيل، وقد تكون كرة ثلج بالنسبة لمقاطعة المؤسسات الإسرائيلية. وهي تنتج صورة مختلفة عن إسرائيل في مدن ودول كانت من أشد الداعمين لإسرائيل على مدار عقود، ويمكن أن تساهم في تغيير الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل وجرائم الحرب في غزة. في تلك الدول تترجم هذه المواقف في التصرف السياسي، خصوصاً في دولة مثل الولايات المتحدة في عام الانتخابات الرئاسية. من هنا فإن الضغط مزدوج، أولاً على إسرائيل ومكانتها بشكل مباشر، وثانياً على الإدارة الأميركية والرئيس جو بايدن لتغيير سياساته ودعمه المطلق للحرب على غزة، وعلى أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ الأميركي.
ناهيك عن التأثير على الأجواء السياسية تجاه إسرائيل في العديد من العواصم الغربية. القيادات السياسية الإسرائيلية ومؤسسات الإعلام، بادرت بالهجوم على احتجاجات الطلاب واتهامها بالعداء للسامية، كما صرح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بتغريدة على منصة إكس (تويتر سابقاً) في 24 إبريل الماضي. نتنياهو، الخبير في السياسة الأميركية، يعرف تماماً مدى تأثير هذه الاحتجاجات على الرأي العام الأميركي وعلى متخذي القرار هناك، خصوصاً في عام انتخابات. ويعرف أن حركات احتجاج طلابية ساهمت في الماضي في وقف حرب فيتنام وإسقاط نظام الأبرتهايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا. وشبّه نتنياهو حركة احتجاج الطلاب في الجامعات الأميركية بما حدث في الجامعات الألمانية في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي. كل هذا بهدف وصمها بالعنف ومعاداة السامية بغية نزع الشرعية عنها وتجنيد رأي عام مناهض ضدها.
يمكن لاحتجاجات الطلاب أن تساهم في تغيير الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل
الصحافي نتانئيل شلوموفيتش وصف في صحيفة هآرتس الإسرائيلية الاحتجاج بأنه مقلق للغاية، وشبّهه باحتجاج الطلاب في الولايات المتحدة نهاية ستينيات القرن الماضي ضد حرب فيتنام، وكيف أدى هذا الاحتجاج إلى عدم ترشح الرئيس الأميركي حينها ليندون جونسون وخسارة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية. وأضاف أن الانتخابات الأميركية المقبلة ليست فقط رئاسية بل أيضاً لثلث من أعضاء الكونغرس وستجرى في ظل حرب غزة والاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية التي يمكن أن تلحق ضرراً بالغاً في حملة الحزب الديمقراطي. وقال داني ديان، الرئيس الحالي لمؤسسة "ياد فاشيم" التي تكرس ذكرى اليهود ضحايا المحرقة النازية، والقنصل العام لإسرائيل في نيويورك سابقاً، إن إسرائيل تخسر الجامعات الأميركية وإن الرواية التي تسود هناك مناهضة لإسرائيل، وترى فيها مشروعاً استعمارياً استيطانياً غير شرعي، وهذا منتشر لدى المدرسين والطلاب، وهذا الأخطر.
الصحافي أنشيل بيبر من صحيفة هآرتس، وعلى الرغم من انتقاداته لتعامل نتنياهو مع حركات الاحتجاج، حاول التقليل من تأثير حركات الاحتجاج على إسرائيل، وقال "إن الطلاب المحتجين لا يدعون إلى السلام، بل إلى تدمير الدولة اليهودية. ويحظى المنظمون أيضاً بدعم حفنة من اليهود، ولا يتم قبولهم في صفوفهم إلا إذا تخلوا مقدماً وعلناً عن كل تضامن مع إخوانهم اليهود في إسرائيل". في المقابل ادعى بيبر أنه "ممنوع أن نبالغ في حجم تهديد الناشطين على إسرائيل أو اليهود. ففي نهاية المطاف الحديث يدور عن أقلية صغيرة لديها امتيازات حتى في أميركا الليبرالية. وفي كل مرة تزداد أعمال الشغب وتتخذ الاحتجاجات طابعاً أكثر عنفاً ومعاداة لليهود، يفقد المتظاهرون الدعم الشعبي. وذلك ليس بالضرورة بسبب التعاطف الواسع الذي لا يزال قائما نحو إسرائيل في أميركا، ولكن لأن التهديد الحقيقي لهذه الاحتجاجات هو على الديمقراطية الأميركية نفسها".
الإعلام والمحللون في إسرائيل يحاولون تشويه حركة الاحتجاج والادعاء أنها ممولة من قبل أطراف معادية لإسرائيل، ومن منطلقات غير ديمقراطية. على سبيل المثال كتب يرون فريدمان، المحاضر في جامعة حيفا، في موقع صحيفة معاريف، "أن النجاح المخزي الذي حققته الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل والمؤيدة لحماس في الجامعات في الولايات المتحدة يرتبط بحقيقة أنها ليست عفوية على الإطلاق، بل إنها منظمة وممولة بشكل جيد". وادعى أن من يقف وراء هذا التمويل هي دولة قطر وحركة الإخوان المسلمين. وأوضح أن "التحولات في الجامعات الأميركية في العقد الأخير أوسع مما نراه الآن وهي تشمل تغيراً في المفاهيم الأكاديمية والنظرية المستعملة لفهم إسرائيل والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، واستعمال مقاربات الاستعمار الاستيطاني، وتسطيح الصراع بين قامع ومقموع، والابتعاد عن تعقيدات الحالة".
في متابعة التحليلات في الإعلام الإسرائيلي، يُلاحَظ أنها بالمجمل، وعلى الرغم من مشاركة طلاب وطواقم تدريس يهود ضمن حركات الاحتجاج، تحاول وصف الاحتجاج معاديا للسامية، وأن الاحتجاج محدود وتشارك فيه نخب صغيرة من المجتمع الأميركي ولا يمثل المجتمع الأميركي، وأن تأثيره على الحالة السياسية الأميركية أكبر من تأثيره على الحرب في غزة أو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فهو يساعد المرشح الجمهوري للرئاسيات دونالد ترامب ويضر ببايدن. بذلك تريد كيّ وعي الجمهور الإسرائيلي بأن هذا الحراك ذو تأثير محدود، وأن دوافعه الأساسية هي كراهية إسرائيل، ولا علاقة لما تقوم به إسرائيل من جرائم حرب في غزة في انطلاق حركة الاحتجاج.
الإعلام والمحللون في إسرائيل يحاولون تشويه حركة الاحتجاج
التحليلات الإسرائيلية
المثير للاهتمام كمية الاستعلاء في عشرات مقالات التحليل الإسرائيلية، والادعاء بأنهم يفهمون المجتمع الأميركي أكثر من المجتمع الأميركي نفسه، وهم قلقون على مستقبل الولايات المتحدة أكثر من هؤلاء الطلاب والمحاضرين. والقول إن هذه الاحتجاجات مضرة للمجتمع الأميركي، وإنها تشكل خطرا لتزايد معاداة السامية على الديمقراطية. كل هذا في محاولة لتقزيم وتقليل أبعاد تلك الاحتجاجات. في مقال يمكن أن يكون من القليلة التي تغرد خارج سرب التشويه والتحريض الإعلامي الإسرائيلي على حركات الاحتجاج الطلاب، كتب ميخال راز وغاي غروسمان، اللذان يدرّسان في جامعات أميركية، في صحيفة هآرتس: "بصفتنا أساتذة في جامعات أميركية، نحن نعيش ونعمل بالقرب من حركة الاحتجاج. ونريد أن نوضح: نحن آمنون. طلابنا اليهود آمنون. ومن ناحية أخرى، فإن إسرائيل في خطر. نأمل أن تتعلم إسرائيل من تاريخ التظاهرات الطلابية ضد الحروب، وأن تفكر بجدية في ما ينبئ به ذلك بالنسبة لمستقبل البلاد ومستقبل الأكاديمية الإسرائيلية العزيزة على قلوبنا".
وأضافا: "بدلاً من الاستيقاظ والاعتراف بالظاهرة، التي تعكس تغيراً جذرياً بين الشباب الأميركيين، فإن إسرائيل، بما في ذلك ساستها وقيادتها الأكاديمية، تقلل من أهمية التظاهرات على أساس أن المتظاهرين جهلة ومعادون للسامية. ويُطلق على المسؤولين عن المتظاهرين لقب أنصار حماس، ويزعمون، ضمناً أو بغير قصد، أن المخيمات وحتى المتظاهرين تم شراؤهم بأموال أجنبية. هذه الاتهامات تصرف الانتباه عن الأمر الأساسي: السياسة الإسرائيلية".
إسرائيل تعي أن احتجاج الطلاب مؤشر واضح وفوري على تغير مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة ودول غربية عديدة. وتعي أن الجامعات الأميركية تلعب دوراً كبيراً في بناء صورة إسرائيل وروايتها، والمواقف تجاهها. وتعي أن هؤلاء الطلاب شريحة هامة في تشكيل الوعي السياسي في تلك الدول، وأن قسم منهم سيكون في المستقبل من متخذي القرار السياسي والثقافي والاقتصادي والفني، وهم قادة المستقبل وصُناعه، وقسما منهم سيكون في الدوائر الحكومية بعد تخرجهم. في هذه الأجواء سيكونون مدعومين من جيل ناشئ على الانفتاح على وسائل الإعلام غير التقليدية، وتراجع الرواية الإسرائيلية، وهو ما سيجعل مهمة إسرائيل صعبة للغاية في مواجهة هذه التحوّلات. حرب الإبادة على غزة وما حصل منذ عملية طوفان الأقصى، أوضح أن إسرائيل بحاجة ماسة إلى دعم الولايات المتحدة، العسكري والدبلوماسي والاقتصادي والأكاديمي والشعبي. وما يحصل في الجامعات الأميركية يمكن أن يؤثر على كل هذه الجوانب ويضع إسرائيل في أزمة عميقة وجدية.