اتسع نطاق الاحتجاجات في محافظة السويداء في جنوب سورية، وارتفع سقف مطالب المحتجين على سوء الأوضاع المعيشية وسياسة حكومة النظام، التي تسببت قراراتها في استبعاد مئات آلاف الأشخاص من الدعم الاقتصادي بغضب شعبي، من المتوقع أن يتصاعد في الأيام القليلة المقبلة.
وذكر مراسل "العربي الجديد" في جنوب سورية أن المحتجين أعادوا، أمس الإثنين، فتح الطريق الذي يربط السويداء بالعاصمة دمشق، بعد شل حركة المرور لعدة ساعات. وأشار إلى أن المحتجين قطعوا طريق شقا - شهبا في ريف السويداء الشمالي الشرقي بالإطارات المشتعلة، وأغلقوا طرق نمرة - شهبا، ومجادل – شهبا، في ريف المحافظة.
تجديد الوقفة الاحتجاجية في السويداء
وأوضح أن المحتجين انفضّوا من ساحة السير في مركز مدينة السويداء، ظهر أمس الإثنين، معلنين نيّتهم تجديد الوقفة الاحتجاجية في المكان نفسه، اليوم الثلاثاء. وفرض المحتجون على موظفي مجلس المدينة إنهاء الدوام في وقت مبكر أمس، وطلبوا من أصحاب المحال التجارية في الساحة الإغلاق خلال الوقفة.
إقبال من شباب القرى والبلدات المجاورة لمدينة السويداء للمشاركة في حركة الاحتجاج
ووجّه المتظاهرون في مدينة السويداء رسالة مصورة "لكل السوريين"، بُثت على مواقع التواصل الاجتماعي، أكدوا فيها أن "الدم السوري واحد". وأشاروا إلى أنه "لم نعد نقبل الذل والتهميش"، داعين "كل موظفي الدولة إلى الوقوف يوم الجمعة من أجل سورية"، مضيفين: لندع الأحقاد جانباً، فالهمّ واحد.
وتشهد محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية من السكان، منذ عدة أيام، احتجاجات شعبية، بسبب رفع الدعم الحكومي عن شرائح واسعة من السوريين الخاضعين لسلطة النظام، لجهة مواد أساسية، أبرزها الخبز الذي بات سعره عبئاً ثقيلاً على كاهل الملايين في مناطق النظام.
ولمحافظة السويداء خصوصية طائفية، وهو ما يعطي سكانها هامشاً واسعاً للتحرك الشعبي احتجاجاً على سياسة النظام، إذ منحها وضعاً أمنياً خاصاً، كي يبقي طائفة الموحدين الدروز خارج الصراع معه.
وأوضحت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن هناك إقبالاً من شباب القرى والبلدات المجاورة لمدينة السويداء، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، للمشاركة في حركة الاحتجاج.
"هذه الاحتجاجات لن تتوقف قبل أن تتراجع الحكومة عن قراراتها الأخيرة"، يقول ناصر. ج، وهو أحد المشاركين في الاحتجاج في مدينة السويداء. ويضيف، في حديث مع "العربي الجديد": "أوضاعنا المعيشية تتدهور يوماً بعد يوم. لن نسكت على ذلك".
ارتفاع سقف مطالب المحتجين
وكان لافتاً ارتفاع سقف المطالب من قبل المحتجين في محافظة السويداء ليصل إلى أبعاد سياسية واضحة. إذ حمل المحتجون، أمس الإثنين، لافتات تدعو إلى بناء "وطن لكل السوريين"، وأخرى تطالب بتطبيق القرار الأممي 2254 الذي ينص على الانتقال السياسي في سورية. ووصف المتظاهرون النظام بـ"السلطة الفاشلة"، مشيرين إلى أنها "السبب في تدهور أحوال السوريين".
وتعليقاً على ما يجري في محافظة السويداء من حراك شعبي يتصاعد، لفت المتحدث باسم هيئة التفاوض التابعة للمعارضة يحيى العريضي (وهو من أبناء السويداء)، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "نطاق الاحتجاج يمكن أن يتسع أكثر، ويصبح مداً شعبياً". وأضاف: "لكن لا بد من حراك مماثل في مناطق أخرى من سورية، سواء كانت تحت سيطرة النظام أو خارجها".
حمل المحتجون لافتات تطالب بتطبيق القرار 2254 الذي ينص على الانتقال السياسي في سورية
من جهته، أشار المحلل السياسي درويش خليفة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "محافظة السويداء أصبحت مركز التعبير عن الاستياء والاحتجاج، جراء الممارسات والسياسات التي يقوم بها نظام الأسد في المناطق الخاضعة لسيطرته".
وقال: "خلال الأعوام الماضية، كثيراً ما أرسل رأس النظام وفوداً لترضية أهالي السويداء، أو للاستماع لمطالبهم، غير أنه لم يلبِ أياً منها".
وتوقع خليفة "أن يعمل النظام على التهدئة والعودة إلى استراتيجيته السابقة، وهي الاستماع للمحتجين وتقديم الوعود لهم". وأبدى استغرابه من عدم اهتمام عدد كبير من المعارضين السوريين، الذين اجتمعوا في الدوحة السبت والأحد الماضيين، بالحراك الشعبي المتصاعد في السويداء. وقال: "سمعنا أصواتاً معارضة تتحدث عن الحراك باستخفاف، وكأن الظروف المعيشية ليست سبباً ومحركاً للشعوب في كل دول العالم".
ولا يعد الحراك الحالي في السويداء الأول من نوعه، إذ سبق لسكان هذه المحافظة أن خرجوا، متظاهرين ومحتجين بسبب سوء الأحوال المعيشية. وكانت المحافظة شهدت مطلع عام 2020 حركة احتجاج، حملت عنوان: "بدنا نعيش لا فساد ولا تهميش"، إلا أن النظام سرعان ما استطاع تطويق هذه الحركة، وما سبقها وتلاها من خلال فعاليات ومليشيات محلية موالية له.
وعلى الرغم من عدم انخراط محافظة السويداء في الحراك الثوري في سورية بشكل واسع النطاق، إلا أنه ظهرت، خلال سنوات الثورة، العديد من الحركات المناوئة بشكل أو بآخر للنظام.
ولعل أبرزها حركة "رجال الكرامة"، التي تأسست على يد الشيخ وحيد البلعوس في عام 2013، لمنع أجهزة النظام الأمنية من اعتقال الشبان الرافضين تأدية الخدمة الإلزامية في قواته. ولكن هذه الحركة تلقت صدمة كبرى حين اغتيل قائدها ومؤسسها منتصف عام 2015، في تفجير دامٍ، اتُهم النظام حينها بالوقوف وراءه.
ورأى الكاتب حافظ قرقوط (وهو من أبناء محافظة السويداء) أن الاحتجاجات في محافظته "دليل على أن مطالب السوريين في التغيير ما تزال مستمرة". وأشار إلى أنه "لو كانت هناك مواصلات متيسرة بين القرى ومدينة السويداء لرأينا مئات الآلاف في ساحات التظاهر".
حافظ قرقوط: الحراك الشعبي في السويداء أثبت تفكك وعجز المعارضة عن رعاية حراك مدني
وبيّن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المحرك الرئيسي لحركة الاحتجاج "اقتصادي"، مضيفاً: "لكن هناك مطالب سياسية، وهناك معارضون للنظام بالمعنى السياسي بين صفوف المتظاهرين".
ورأى أن الحراك الحالي "أكثر تنظيماً من تحركات سابقة شهدتها محافظة السويداء". واعتبر أن حركة الاحتجاج الحالية أكثر تأثيراً في المجتمع السوري ككل.
كما اعتبر أن الحراك الشعبي في السويداء "أثبت تفكك وعجز المعارضة السورية عن رعاية حراك مدني، ولا تلتفت إليه، ولا تعرج عليه حتى من الناحية الإعلامية". وأضاف: الشعب السوري بين فكي كماشة، معارضة غير مبالية بآلامه، ونظام يعتبر هذا الشعب رهينة لديه. السوريون أمام عدم اكتراث العالم بمأساتهم باتوا أشبه باليتيم.