بالتزامن مع استمرار التحركات الشعبية في لبنان بوجه الطبقة السياسية الحاكمة، وتزايد أعداد المتظاهرين الغاضبين من الوضع الاجتماعي والمعيشي الذي وصلت إليه البلاد، عقد اجتماع، اليوم الاثنين، برئاسة الرئيس ميشال عون، في قصر بعبدا، خرج بجملة مقرّرات وتكليفات مُكرَّرة بعيدة تماماً عن حجم الأزمة ومطالب الشارع. كما صدر عنه أوامر صارمة بتدخل الأجهزة الأمنية والعسكرية لمنع قطع الطرقات.
ويلجأ المسؤولون في لبنان إلى خطاب المؤامرة والتحذير من إثارة الفتن، لربطه بكلّ تظاهرة أو انتفاضة شعبية، متجاهلين الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يتخبط فيها اللبنانيون.
ونبّه عون إلى خطورة الشعارات التي يتم رفعها بـ"قصد المساس بوحدة الوطن وإثارة الفتن، والنيل من الدولة ورمزها"، مؤكداً أنه ماض في برنامجه الإصلاحي مهما بلغت الضغوط.
وتناول الرئيس اللبناني الوضع الأمني في البلاد، مشدداً على أنه "من حق المواطنين التعبير عن آرائهم بالتظاهر"، إلّا أنه استدرك بالقول إن "إقفال الطرقات هو اعتداء على حق المواطنين بالتنقل والذهاب إلى أعمالهم". وأضاف أنّ "قطع الطرق مرفوض، وعلى الأجهزة الأمنية والعسكرية أن تقوم بواجباتها كاملة وتطبيق القوانين من دون تردّد، وخصوصاً أنّ الأمر بات يتجاوز مجرّد التعبير عن الرأي إلى عمل تخريبي منظَّم يهدف إلى ضرب الاستقرار".
وكان لافتاً طلب الرئيس اللبناني إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية، التي كانت شبه غائبة عن التحركات منذ أسبوع تقريباً، إذ سجّلت إشكالات بسيطة جداً، مع انتشار أمني وعسكري محدود مقارنةً مع التظاهرات السابقة.
مقررات الاجتماع الاقتصادي، المالي، الأمني والقضائي في بعبدا: الطلب الى الاجهزة الامنية والعسكرية عدم السماح بإقفال الطرقات مع الاخذ في الاعتبار المحافظة على سلامة المواطنين والمتظاهرين وعلى الممتلكات العامة والخاصة pic.twitter.com/epUT58d40b
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) March 8, 2021
وقد توقّف عدد من المتظاهرين عند موقف عون، مؤكدين أنهم لن يغادروا الشارع حتى لو حصلت مواجهات مباشرة مع الجيش وقوى الأمن الداخلي، وقد نصبوا الخيم في بعض الساحات كرسالة بإبقاء حراكهم مفتوحاً.
وعبّر المتظاهرون عن غضبهم من أن يكون همّ المسؤولين كيفية فتح طريق على أشخاص هم أصلاً بلا وظائف، في ظلّ ارتفاع معدلات البطالة والفقر، ووضعوا مقررات اجتماع بعبدا في إطار "مشهدٍ قمعي جديدٍ" دائماً ما يطغى على التحركات التي تنتهي بزج ناشطين في السجون، وفتح ملفات، مشددين على أن هذه السياسة من الأسباب التي تحول دون نزول آلاف المواطنين إلى الساحات.
تعليقا على ذلك، قال الناشط والمحامي محمد حسنة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما يحصل من قطع للطرقات هو ممنوعٌ، انطلاقاً من أن حرية التنقل مصانة قانوناً ودستوراً، ولكن ما يحصل في الشارع اليوم لا يمكن وضعه في هذا الإطار، حيث إنّ من يقفل الطريق ليس عصابات أو قطّاع طرق، بل الجاري محاولة للتعبير عن حالة الفقر والجوع والحرمان".
وتابع حسنة قائلا: "هي ثورة على الفساد، بل إنها الطريقة الوحيدة لإيصال الصوت، من دون التعرّض للتوقيف، أو للضرر الجسدي، باعتبار أنّ كل التحركات التي نفذت أمام منازل السياسيين أو مراكز أمنية أو مؤسسات تابعة للدولة انتهت بتوقيف الناشطين أو تسجيل إصابات جسدية في صفوفهم، وأحياناً قتلى، آخرها أحداث طرابلس شمالي لبنان".
وأشار الناشط إلى أنّ "مهام الجيش اللبناني يجب أن تكون حماية الحدود، لكنه منذ سنين طويلة أمسك الأمن الداخلي، وأوكلت إليه واجبات فض الاعتصامات والتظاهرات، وبات مطلوبا منه النزول إلى الأرض بقوّة أكثر لفتح الطرقات"، موضحا: "لكن هذا العمل يبقى مؤقتا، على اعتبار أنّ الموضوع ليس أمنياً أو عسكرياً للحفاظ على السلم الأهلي، بل هو سياسي بامتياز، وهناك شرخ كبير بين رئاسة الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري، والطرفان يرميان المسؤوليات على بعضهما، ويتبادلان التهم بالتعطيل، بينما الخارج لا يبالي بالشأن اللبناني الداخلي، والمؤشرات كلها تشي بأن الأمور ذاهبة إلى مزيدٍ من التعقيدات، وحتى الفوضى الأمنية".
حسنة: هي ثورة على الفساد، بل إنها الطريقة الوحيدة لإيصال الصوت، من دون التعرّض للتوقيف، أو للضرر الجسدي، باعتبار أنّ كل التحركات التي نفذت أمام منازل السياسيين أو مراكز أمنية أو مؤسسات تابعة للدولة انتهت بتوقيف الناشطين أو تسجيل إصابات جسدية في صفوفهم، وأحياناً قتلى
وترأس الرئيس اللبناني الاجتماع بحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وعدد من الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية، ومدعي عام التمييز، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومسؤولين في القطاعين المصرفي والصيرفي.
وفي مستهله، قال عون: "نشهد ارتفاعاً غير مبرر في سعر صرف الدولار، بالتزامن مع شائعات هدفها ضرب العملة الوطنية وزعزعة الاستقرار"، مشدداً على أنّ "هذا الواقع يفرض اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لملاحقة المتلاعبين بلقمة عيش اللبنانيين، والإجراءات هي ذات طبيعة مالية وقضائية وأمنية".
ولا تزال هذه المواقف المقرونة بتدابير معلنة فارغة المضمون منذ انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، في ظلّ استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الذي لامس اليوم 11 آلاف ليرة لبنانية، وتحكم تجار العملة والسلع بالسوق والأسعار بلا حسيب أو رقيب.
وبعد الاجتماع، تقرّر تكليف الأجهزة الأمنية ضبط جميع الأشخاص الذين يخالفون أحكام قانون النقد والتسليف، وقانون تنظيم مهنة الصرافة، سواء كانوا من الصرافين المرخصين أو غير المرخصين الذين يمارسون المضاربة. وتم تكليف الأجهزة الأمنية العمل على استكمال إقفال المنصات والمجموعات الإلكترونية غير الشرعية المحلية، التي تحدد أسعار الدولار الأميركي تجاه الليرة اللبنانية.
كما تقرّر تكليف الوزارات المعنية والأجهزة الأمنية العمل على ضبط استعمال العملة الأجنبية إلا لغايات قطاعية تجارية أو صناعية أو صحية، وذلك لتأمين المتطلبات الأساسية للمواطنين، وتكليف وزارة الخارجية والمغتربين تكثيف العمل الديبلوماسي لحث الدول المانحة على مساعدة اللاجئين السوريين (تصرّ السلطات اللبنانية على وصفهم بالنازحين) في وطنهم الأم، إضافة إلى التأكيد على ضرورة وأهمية إعداد وإقرار مشروع القانون المعروف بـ "الكابيتال كونترول".
وخلص الاجتماع لقرار يطلب من الأجهزة الأمنية والعسكرية عدم السماح بإقفال الطرقات، مع الأخذ في الاعتبار المحافظة على سلامة المواطنين والمتظاهرين، وعلى الممتلكات العامة والخاصة.