تجددت الاتهامات لمسؤولين كُرد بتورطهم في ملف تجريف القرى العربية بمناطق شمال العراق، وتحديداً المحاذية لحدود إقليم كردستان بمحافظة كركوك، إذ اتهم محافظ كركوك راكان سعيد، وزير العدل العراقي خالد شواني بأنه أشرف بنفسه على قوات البيشمركة أثناء الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في 2015، وأنه كان وراء هدم 138 قرية وناحية في كركوك وتهجير سكانها العرب، في إطار العمل على طرد العوائل العربية والاستعاضة عنهم بعوائل كردية.
وهاجم المحافظ، في مقابلة متلفزة، وزير العدل خالد شواني بوصفه أنه "كان مشرفًا على قوات البيشمركة في أعوام 2014 و2015 في كركوك، حين كانت البيشمركة تقاتل (داعش)، ونجحت في تحرير 138 قرية وناحية عربية".
وبحسب قوله، فإن سكان هذه القرى هُجّروا بنسبة مائة بالمائة خلال عملية التحرير، كما وهدمت القرى أيضاً بنسبة مائة بالمائة، مضيفًا: "منذ عملية فرض القانون وسلطة الدولة على كركوك عام 2017 لم يعتقل أي شخص بدون مذكرة قبض، لكن لدينا وثائق تؤكد وجود ثلاثة آلاف مواطن من المكون العربي في سجون إقليم كردستان جرى اعتقالهم بعد عام 2003".
تصريحات محافظ كركوك، جاءت رداً على خالد شواني، وزير العدل في الحكومة العراقية الحالية، وهو قيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي اتهم محافظ كركوك بـ"محاولة (تعريب) كركوك واستبعاد الكرد من المناصب الحكومية".
وأشار الوزير في تصريحات صحافية إلى أن "من بين أربعة أشخاص يتولون منصب القائمقام لا يوجد شخص من المكون الكردي، وأن الكرد لديهم اثنان فقط من كل مدراء النواحي الذين يقدر عددهم بـ10، وأن راكان سعيد يلعب بالنار، وأنه يسلب الأراضي الزراعية من المزارعين الكرد والتركمان ويوزعها على العرب".
وكانت قوات البيشمركة تسيطر بشكلٍ شبه كامل على محافظة كركوك والمناطق المعروفة باسم "المتنازع عليها" قبل أكتوبر/ تشرين الأول 2017، وقد اشتركت في القتال ضد تنظيم "داعش" الذي هاجم أطرافا واسعة من المدينة، واتهمت هذه القوات، بشقيها التابعين لحزب الاتحاد الوطني الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردستاني، بتدمير القرى العربية، ونزوح عشرات الآلاف من سكان القرى والفرار من المدن والبلدات.
ونفذت البيشمركة عمليات تجريف واسعة لقرى عربية في محافظة نينوى، ضمن محاور خازر وزمار ومخمور، وفي كركوك ضمن المناطق الشمالية منها على وجه التحديد، وفي ديالى ضمن محوري كلار وخانقين.
لكن في أكتوبر / تشرين الأول 2017، تغير الوضع، بعد أن عادت القوات العراقية إلى المناطق المتنازع عليها بأوامر من رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، وانسحبت البيشمركة والقوات الأمنية الأخرى. وأطلق على هذه العملية "عملية فرض القانون".
وفي يناير/ كانون الثاني 2016، قالت منظمة العفو الدولية في تقرير، إن "قوات البيشمركة والمليشيات الكردية في شمال العراق هدمت باستخدام الجرافات، ونسفت، وأحرقت آلاف المنازل في محاولة، على ما يبدو، لتهجير سكان المجتمعات العربية، وأن النزوح القسري والتدمير المتعمد في شمال العراق، وفق بحوث ميدانية جرى في 13 قرية وبلدة وإفادات جمعتها مما يزيد على 100 من شهود العيان وضحايا النزوح القسري".
ودعمت تقريرها بصور ملتقطة بالأقمار الصناعية كشفت وقتها عن أدلة على تدمير واسع النطاق نفذته قوات البيشمركة. ونقل التقرير عن دوناتيلا روفيرا، وهي كبيرة مستشاري الاستجابة للأزمات في المنظمة، قولها إن "قوات حكومة إقليم كردستان، تقود على ما يبدو، حملة منسقة للنزوح القسري لأبناء المجتمعات المحلية العربية عن طريق تدمير قرى بأكملها في المناطق التي استعادت السيطرة عليها من الدولة الإسلامية في شمال العراق، وقد يُعَد النزوح القسري للمدنيين والتدمير المتعمد للمنازل والممتلكات دون مبرر عسكري من قبيل جرائم الحرب".
وفي نفس العام، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن قوات الأمن الكردية العراقية دمرت بلا أي سند قانوني منازل وقرى عربية في شمال العراق، معتبرة أن "الانتهاكات التي وقعت بين سبتمبر/ أيلول 2014 ومايو/ أيار 2016 في 21 بلدة وقرية داخل مناطق متنازع عليها بمحافظتي كركوك ونينوى انتهجت نمطا من عمليات الهدم غير القانونية على ما يبدو".
ورغم أن تقرير "هيومن رايتس ووتش"، اعتمد على أكثر من 12 زيارة ميدانية ومقابلات مع أكثر من 120 شاهدا ومسؤولا، إضافة إلى تحليلات لصور التقطتها الأقمار الصناعية إلى أن تدمير الممتلكات استهدف السكان العرب بعد فترة طويلة من انتهاء أي ضرورة عسكرية للقيام بمثل هذه الأعمال، إلا أن حكومة الإقليم نفت تبني أي سياسة منهجية لتدمير منازل العرب لكنها قالت إن "البيشمركة نفذت عمليات هدم لأسباب أمنية مثل تطهير المنازل المفخخة".
أكبر عملية تغيير ديمغرافي
في السياق، قال المتحدث باسم "التحالف العربي في كركوك" حاتم الطائي، وهو حراك يضم مجموعة قوى سياسية عربية، إن "القوات والمليشيات الكردية عاثت بأمن واستقرار الكثير من القرى العربية، ليس فقط في كركوك، بل في أربع محافظات وهي كركوك وديالى ونينوى وديالى، في سبيل إجراء أكبر عملية تغيير ديمغرافي بحجة محاربة تنظيم (داعش)".
وأضاف الطائي خلال حديث لـ"العربي الجديد": "في الحقيقة كانت هذه المليشيات تمارس أدواراً خبيثة في تهجير العرب مقابل السيطرة على الأراضي في كركوك، لكن عملية فرض القانون التي قادها حيدر العبادي أوقفت هذه الحملة، دون أن تعمّر هذه القرى لغاية الآن"، مبيناً أن "التجاوزات الكردية على القرى العربية كانت مقصودة، وهناك حاجة لمحاسبة المتورطين بتدمير عشرات القرى وتهجير أهلها".
ابتزاز سياسي
من جانبه، بيَّن عضو حزب الاتحاد الوطني في كركوك، هدايت طاهر لـ"العربي الجديد"، إن "القوات الكردية كانت سبباً ضمن أسباب أخرى لتحرير محافظة كركوك من سيطرة تنظيم (داعش)، ولا توجد أي معركة بلا خسائر".
ونفى الاتهامات للحزب وبعض المسؤولين فيه بالتخريب والتهديم للقرى العربية، مشيرًا إلى أنها تندرج ضمن تغطية الفساد في المحافظة حالياً، إضافة إلى اجتثاث الشخصيات الكردية من مناصبها، كما يقول.
وأكد أن الاتهامات الأخيرة لوزير العدل خالد شواني وحزب الاتحاد، تندرج ضمن "الابتزاز السياسي"، بحسب تعبيره. وأكد أن "الحزب سيتوجه لإقامة دعوى ضد محافظ كركوك، بسبب تصريحاته الأخيرة".
أما الباحث في الشأن السياسي من محافظة كركوك، أحمد البياتي، فقد أشار إلى أن "التناحر السياسي بين المحافظ ووزير العدل، لا يسهم إلا في المزيد من التوتر والعنصرية داخل المدينة والقرى المهدمة".
وأضاف خلال حديث مع "العربي الجديد": "كان من المفترض أن يكون وزير العدل وزيراً لكل العراقيين وليس لقومية معينة، ويتخذ موقعاً مدافعاً عن حزبه المتورط في (تكريد) كركوك خلال السنوات التي أدار المحافظة فيها".
وأعرب عن توقعه في استمرار الصراع السياسي والاتهامات على حساب النازحين من العرب من قراهم، مشيرًا إلى احتمالية تصاعده بسبب اقتراب موعد الانتخابات المحلية، خصوصاً وأن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني يعتبر أن منصب محافظ كركوك من استحقاقاته وفق الاتفاقات ومبدأ المحاصصة السياسية والحزبية.