لا يزال نحو 350 ألف نازح عراقي من الطائفة الأيزيدية، التي تتركز في مدينة سنجار بمحافظة نينوى، شمالي البلاد، يقطنون في مخيمات متفرقة بإقليم كردستان ضمن محافظات دهوك وأربيل، بسبب عدم تنفيذ اتفاق تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار بمحافظة نينوى، وفقاً لوزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد، الذي أبدى أسفه في كلمة له في أربيل، على "مضي 8 سنوات على كارثة سنجار، دون أن يتمكن عشرات الآلاف من الأيزيديين من العودة إلى ديارهم"، مبيناً أن "الحكومة في بغداد لم تتخذ أي خطوة جدية لتنفيذ اتفاق سنجار".
وأبرمت الحكومة العراقية في بغداد والسلطة المحلية في إقليم كردستان، في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، اتفاق تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار، برعاية الأمم المتحدة والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بهدف إخراج الجماعات المسلّحة من البلدة، تمهيداً لعودة نازحيها الذين لا يزال نحو 80 في المائة منهم يرفضون الرجوع بسبب توتر الأوضاع في المدينة وسيطرة تلك الجماعات عليها، إضافة إلى طرد مسلحي "حزب العمال الكردستاني"، الذي ينشط في المدينة بدعم من مليشيات مسلحة تتبع لفصائل حليفة لطهران، مثل "كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"عصائب أهل الحق".
ولا يبدو "اتفاق سنجار" ضمن خطة عمل أو منهاج حكومة محمد شياع السوداني، فهي من جهة لم تتحدث عن الاتفاق طيلة الأشهر السبعة الماضية، في حين تزداد معاناة النازحين الأيزيديين من سنجار في إقليم كردستان، مع ارتفاع درجات الحرارة، ناهيك عن كون التضييق على الأهالي في سنجار يأتي من قبل مليشيات حليفة لإيران وتدعم عناصر مسلحي "حزب العمال الكردستاني" الذين يسيطرون على المدينة، ويمارسون نشاطات مسلحة وهجمات واشتباكات مسلحة في مناطق متفرقة من إقليم كردستان.
وفي السياق، قال النائب عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الحاكم في إقليم كردستان العراق ماجد شنكالي إن "اتفاق سنجار مضى عليه ثلاث سنوات، ولم يحدث أي تقدم على المستوى العملي لتثبيت الاستقرار وتحقيق الاشتراك بين الإقليم والمركز في الإدارة المحلية والأمنية، كما أن الحكومة المحلية لم تستطع ممارسة عملها داخل المدينة بسبب الجماعات المسلحة الموجودة على الأرض، والتي تمنع بطريقة أو بأخرى عودة الأهالي النازحين"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الاتحادية مسؤولة عن فرض الاتفاق، حتى وإن كانت هناك معرقلات من داخل المدينة، ومنع إبقاء سنجار أسيرة للسلاح المنفلت".
وأضاف شنكالي أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني ضمّن اتفاق سنجار ضمن الاتفاقات السياسية مع ائتلاف إدارة الدولة قبل تشكيل حكومة السوداني، وكان هذا الشرط ضمن مجموعة الشروط للمشاركة ودعم الحكومة"، موضحاً أن "عدم تطبيق الاتفاقية يزعزع الثقة بين بغداد وأربيل، ولا سيما أن نحو نصف مليون مواطن عراقي متضررون من عدم تطبيق الاتفاق. كما أن الحزب الديمقراطي يعمل حالياً على التواصل مع المسؤولين والحكومة في بغداد لتنفيذ الاتفاقية وبنودها".
لكن مصدراً قريباً من مكتب السوداني أشار إلى أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني اشترط على ائتلاف إدارة الدولة ضرورة تنفيذ اتفاق سنجار، لكنه لم يستمر في متابعة الملف بعد تشكيل الحكومة، وأن عودة الحديث عن الاتفاقية أمر طبيعي، لكن دواعي الهجمة على بغداد تتزامن مع الخلاف الحاصل بين الحكومة ببغداد والسلطات في أربيل، بشأن الموازنة العامة للعام الجاري".
وأكد لـ"العربي الجديد" أن "الإقليم يعاني من مشاكل داخلية تجعله غير مؤهل لإجراء مفاوضات جديدة في سبيل تطبيق الاتفاقية، لا سيما في برلمان الإقليم، إضافة إلى الخلاف مع حزب الاتحاد الوطني، وأخيراً مشكلة الموازنة العامة".
وأكمل المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "الحكومة الحالية تجد صعوبة في التعامل مع ملف حزب العمال الكردستاني، لا سيما الأجنحة المرتبطة بهيئة الحشد الشعبي، مثل مليشيا وحدات حماية سنجار التي تتلقى مرتبات ومخصصات وأسلحة من الحشد"، مستكملاً حديثه أن "الحكومة المحلية في سنجار حالياً مدعومة من بغداد وحكومة السوداني تجد أن من الأفضل أن يبقى الحال على ما هو عليه إلى ما بعد الانتخابات المحلية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، كي لا يستغل الحزب الديمقراطي ملف سنجار في الدعاية الانتخابية لمرشحيه".
وسبق أن طالب النائب في البرلمان العراقي، القائمقام السابق في سنجار محما خليل، في إبريل/نيسان الماضي، حكومة السوداني بتنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار، معتبراً أن حزباً غير عراقي يتحكم في مصير المدينة، في إشارة إلى "حزب العمال الكردستاني"، الذي يتخذ من مناطق عراقية شمالي البلاد ملاذاً له، أبرزها سنجار وقنديل، ضمن نينوى وإقليم كردستان.
وقال خليل، في تصريحات صحافية، إن "هناك 50 مليار دينار مخصصة لإعادة إعمار سنجار، إلا أن وجود حزب العمال الكردستاني والخارجين عن القانون يحول دون الإعمار وعودة النازحين"، مؤكداً في الوقت ذاته أن "السوداني جاد بتنفيذ هذا البرنامج واتفاقية سنجار وتهيئة الأجواء لعودة النازحين"، مضيفاً أن "سنجار مدمرة ومنكوبة، وملف إعادة الإعمار وعودة النازحين مرهون بخروج قوات حزب العمال الكردستاني والخارجين عن القانون".
من جانبه، لفت الناشط السياسي من مدينة الموصل حمزة الجمّاس إلى أن "الوضع سيئ للغاية في سنجار، وهناك سيطرة واضحة للمليشيات في المدينة، وخلال الفترة الماضية، وبسبب اشتداد الضربات التركية على مقرات وعناصر حزب العمال الكردستاني، باتت المدينة تشهد وجوداً أكثر للمسلحين"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الفصائل المسلحة ووحدات أخرى تابعة لحزب العمال الكردستاني ترفض الانسحاب من المدينة، فيما تبدو حكومة السوداني لا تريد الاشتباك أو خلق حالة من التناحر السياسي بشأن سنجار، تلافياً لأي مشاكل قد تحدث خلال الفترة المقبلة، حيث تستعد جميع الأحزاب للمشاركة في الانتخابات المحلية".
وتقع سنجار ضمن مثلث جغرافي يربط العراق بسورية، وتقابلها مدينة الحسكة بالطرف السوري، وتخضع مساحات واسعة منها لنفوذ مسلحي حزب "العمال الكردستاني" المعارض لأنقرة، الذي شكّل أجنحة وأذرعاً مسلحة محلية، إلى جانب تكثيف مقراته وتشييد أنفاق تحت المناطق الجبلية لتأمين الحماية من الغارات الجوية التركية، فضلاً عن وجود فصائل مسلحة أخرى فيها.
ومنذ انسحاب قوات البيشمركة من قضاء سنجار عام 2017، على خلفية عمليات فرض القانون التي قادها رئيس الحكومة العراقية الأسبق حيدر العبادي، لا تزال أوضاع سنجار غير مستقرة، ولم تعد إليها العوائل النازحة.