إيران: تمدّد الاحتجاجات على وفاة الشابة أميني وأنباء عن سقوط قتلى

20 سبتمبر 2022
شهدت طهران تجمعات احتجاجية في نقاط عدة على وفاة الشابة مهسا أميني (Getty)
+ الخط -

تمددت، الليلة الماضية، الاحتجاجات في إيران على وفاة الشابة مهسا أميني، التي تُوفيت الجمعة الماضي في المستشفى، بعد أيام من احتجازها من قبل شرطة الآداب بتهمة عدم تقيّدها بقواعد الحجاب.

وتوسّعت الاحتجاجات من مدن كردية غربي إيران إلى العاصمة طهران ومدن أخرى وسط وشرقي وشمالي البلاد.

وأكد رئيس محافظة كردستان، إسماعيل زارعي كوشا، اليوم الثلاثاء، مقتل ثلاثة أشخاص خلال الاحتجاجات الأخيرة في المحافظة، لكنه اعتبر أن قتلهم "أمر مشكوك فيه". 

ونفى زارعي كوشا، في حديثه لوسائل الإعلام الإيرانية، أن يكون هؤلاء قد قتلوا بنيران القوات الإيرانية، متهماً من سمّاهم بـ"مجموعات إرهابية" بالوقوف وراء ذلك، وداعياً الأسر إلى أخذ الحيطة والحذر "لأن هذه المجموعات بصدد اصطناع قتلى"، حسب قوله.  

وخرجت تصريحات إيرانية رسمية، وتقارير في وسائل إعلام رسمية وشبه رسمية، خلال الساعات الأخيرة، اتهمت محتجين بـ"إثارة الشغب" و"تسييس" الاحتجاجات، ومهاجمة الممتلكات الحكومية والخاصة. وتحولت شبكات التواصل ووسائل الإعلام المعارضة أو الناطقة بالفارسية خارج البلاد إلى مصدر لتداول الأنباء بشأن الاحتجاجات وما يجري خلالها.  

وتُظهر مقاطع مصوّرة متداولة على هذه الشبكات وقوع احتجاجات عنيفة في مدن كردية غربي إيران في محافظات كردستان وأذربيجان الغربية وكرمانشاه. وأفادت منظمة "هنجاو" الحقوقية الكردية، ومقرّها خارج إيران، بسقوط ثلاثة قتلى في محافظة كردستان.

وأشارت المنظمة إلى مقتل المواطنين فؤاد قديمي ومحسن محمدي في مدينة ديواندرة، ومواطن ثالث يدعى رضا لطفي من مدينة دهغلان، لكن السلطات الإيرانية لم تعلق بعد على هذه الأنباء.

إلى ذلك، بث التلفزيون الإيراني مقابلة مع مصابين آخرين في مستشفى من مدينة سقز بمحافظة كردستان، مسقط رأس الفتاة مهسا أميني، نافياً من خلال ذلك الأنباء عن وفاتهما والتي جرى تداولها أمس الاثنين.

وتعليقاً على مشاهد إنزال العلم الإيراني في مدينة سقز، اتهمت وكالة أنباء التلفزيون الإيراني "انفصاليين" بذلك، فضلاً عن اتهامها وسائل إعلام ناطقة بالفارسية في لندن مثل "بي. بي. سي" و"إيران إنترناشونال" بالسعي لـ"ركوب الموجة" حول حادث وفاة مهسا أميني. 

وشهدت العاصمة طهران، أمس الاثنين، تجمعات احتجاجية في جامعات ونقاط عدة داخل المدينة. وأظهرت فيديوهات منتشرة على مواقع التواصل، لم يتسن لـ"العربي الجديد" التأكد من صحتها، استخدام الشرطة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.  

وتعليقاً على احتجاجات طهران، قال رئيس محافظة طهران، محسن منصوري، في تغريدة على "تويتر"، إنّ "العناصر الرئيسية للنواة الأولى لتجمعات الليلة الماضية في طهران كانوا منظمين بالكامل ومدربين وسعوا إلى إثارة الشغب بتخطيط مسبق"، حسب قوله. 

وأشار منصوري إلى حرق العلم الإيراني، ورمي الحجارة، والاعتداء على الشرطة، وحرق الدراجات النارية، وحاويات القمامة، قائلاً إنّ "هذه الأعمال لا تصدر عن مواطنين عاديين".  

في غضون ذلك، تحدث قائد شرطة محافظة جيلان، حسين حسن بور، عن احتجاجات في مدينة رشت مركز المحافظة، مشيراً، وفق ما أوردته وكالة "مهر" الإيرانية، إلى اعتقال 22 شخصاً، وصفهم بأنهم "مثيرو شغب قاموا بتحريض المواطنين وتخريب الممتلكات العامة". وأضاف أنّ التجمع نُظم بعد دعوات على الفضاء الافتراضي لـ"تنظيم احتجاجات غير قانونية"، على حد تعبيره.  

كذلك، شهدت مدينتا أصفهان وسط إيران ومشهد شرقيها، بحسب وسائل إعلام إيرانية، تجمعات احتجاجية، مساء الاثنين، انتهت بعد تفريق الشرطة المحتجين.  

وشهدت الاحتجاجات رفع هتافات سياسية ضد المسؤولين الإيرانيين، ومطالبات بمحاكمة المتسببين بوفاة أميني، فضلاً عن دعوات متصاعدة لإنهاء عمل شرطة الآداب وإلغاء قانون الحجاب. 

كذلك، عبرت محتجات عن احتجاجهن من خلال خلع الحجاب (غطاء الرأس)، بالإضافة إلى قيام ممثلات بقص شعرهن وخلع حجابهن. 

واليوم الثلاثاء، نظم طلاب جامعة يزد، وسط إيران، وبعض جامعات طهران تجمعات احتجاجية داخل الجامعة، وفق فيديوهات منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن لم تسجل اليوم، حتى هذه اللحظة، تجمعات جديدة في المدن الكردية غربي إيران، والتي تمركزت فيها الاحتجاجات خلال الأيام الأخيرة. وشهد تجمع اليوم في جامعة العلم والصناعة في طهران اشتباكاً بين طلاب وأمن الجامعة حين حاول اعتقال أحدهم.

في الأثناء، أشارت مؤسسة "نت بلوكس" الدولية غير الحكومية المعنية بمراقبة أمن الشبكات وسرعة الإنترنت في مناطق العالم إلى انقطاع خدمة الشبكة في محافظة كردستان، ووجود مشاكل في الوصول إليها في طهران ومناطق أخرى بالبلاد، وفقاً لما أوردته المؤسسة على موقعها. 

وأكد رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف أنّ البرلمان سيتابع قضية وفاة مهسا أميني "حتى إصلاح أسلوب تسيير شرطة الآداب"، وذلك بعد تصاعد دعوات من أوساط إيرانية لإنهاء عملها وانتقادات لأدائها. 

وحذر قاليباف من سمّاه العدو "من السعي لركوب الموجة في أي حادث"، متهماً إياه من دون أن يحدّده بـ"إثارة الفوضى والاضطراب في إيران"، وفق ما نقله موقع نادي "المراسلين الشباب". كذلك، خرج برلمانيون بتصريحات دعوا فيها إلى عدم تشويه سمعة الجمهورية الإسلامية من خلال ما وصفوه بـ"ممارسة الكذب والافتراء ضدها".   

مواقف دولية 

إلى ذلك، أعربت الأمم المتحدة عن "قلقها" حيال "ردّ قوات الأمن العنيف" على المحتجّين على وفاة الشابة مهسا أميني في إيران، إثر توقيفها من جانب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وجاء في بيان لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أنّ "المفوّضة السامية لحقوق الإنسان بالإنابة ندى الناشف أعربت اليوم (الثلاثاء) عن قلقها حيال وفاة مهسا أميني في الحجز، بعدما أوقفتها "شرطة الأخلاق" الإيرانية تطبيقاً لقواعد الحجاب الصارمة، وحيال ردّ قوات الأمن العنيف على المتظاهرين" احتجاجاً على الوفاة.

كذلك خرجت تصريحات جديدة من الولايات المتحدة الأميركية بشأن وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني، إذ قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في تغريدة، أمس الاثنين، إنّ "مهسا كان ينبغي أن تكون على قيد الحياة اليوم. لكن الولايات المتحدة والشعب الإيراني في عزائها"، مضيفاً: "نطالب الحكومة الإيرانية بإنهاء الاضطهاد الممنهج ضد النساء والسماح بالاحتجاج السلمي". 

وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان والمبعوث الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي قد علّقا خلال الأيام الماضية على وفاة مهسا أميني، واستنكرا احتجازها. 

ودعا الاتحاد الأوروبي، أمس الاثنين، إلى تقديم من وصفهم بـ"الجناة المسؤولين" عما حصل مع أميني إلى العدالة، داعياً إيران إلى "ضمان احترام الحقوق الأساسية لمواطنيها، لا سيما عدم تعرّض المحتجزين داخل مراكز الشرطة لسوء المعاملة بأي شكل من الأشكال". 

كذلك، قالت الخارجية الفرنسية، في بيان، إنّ اعتقال السلطات الإيرانية الفتاة مهسا أميني ثم وفاتها على يد الشرطة "أمر مروع جداً"، داعية، في بيان لها، إلى "إجراء تحقيق شفاف وعاجل" بشأن الحادث. 

وتعليقاً على التصريحات الأميركية والغربية بشأن حادثة وفاة الفتاة الإيرانية مهسا أميني، اعتبرها المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في مؤتمره الصحافي، أمس الاثنين، "تدخلاً"، داعياً السلطات الأميركية إلى تجنّب التدخل في الشؤون الإيرانية الداخلية.  

وقال كنعاني إنّ هذه التصريحات الأميركية "غير مفيدة وأنصح مسؤولي الإدارة الأميركية بالتركيز على قضاياهم الداخلية وحقوق شعبهم، وتجنب التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى". 

وكانت "شرطة الأخلاق" في العاصمة الإيرانية طهران قد اعتقلت، الثلاثاء الماضي، مهسا أميني التي كانت في زيارة إلى طهران للسياحة برفقة أسرتها، آتية من محافظة كردستان، أمّا السبب فحجابها "غير المناسب" وفق رواية الشرطة. لكن بعد ساعتَين من اقتيادها إلى مركز شرطي نُقلت الشابة إلى مستشفى في حالة غيبوبة، قبل أن تتوفّى مساء الجمعة الماضي. 

https://f.io/jmPWrpHP

وأعلنت الشرطة الإيرانية أنّ الغيبوبة نتجت عن إصابة أميني بـ"نوبة قلبية مفاجئة" خلال "جلسة إرشاد"، لكنّ أسرتها ونشطاء ومدوّنين يشكّكون في الرواية الرسمية، وسط اتهامات للشرطة بتعذيبها، كما تعالت الأصوات المطالبة بضرورة إنهاء نشاط دوريات "شرطة الأخلاق" في الشوارع، وإلغاء "قانون الحجاب الإجباري". 

وتحوّلت وفاة مهسا أميني في هذه الظروف إلى قضيّة رأي عام في إيران، وحاولت السلطات احتواء غضب الشارع، من خلال إطلاق تصريحات وتطمينات بإجراء تحقيقات "عادلة وعاجلة" بشأن حادثة وفاتها. 

من جهته، أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اتصالاً مع أسرة مهسا أميني، مقدّماً التعازي لها وواعداً بإجراء تحقيقات حتى تتّضح أبعاد الحادثة.

كما أفاد التلفزيون الإيراني، اليوم الثلاثاء، بأنّ ممثل المرشد الإيراني الأعلى في محافظة كردستان، عبد الرضا بور ذهبي، زار بيت عائلة مهسا أميني، في مدينة سقز لتقديم التعزية لها، ناقلاً عنه قوله إنه طمأن العائلة بأنّ "أجهزة الدولة ستدافع عن حقوق ضاعت من السيدة أميني". 

واليوم الثلاثاء، رفض وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تغريدة، التصريحات الأميركية، قائلاً "أمر قد صدر بفتح تحقيق في وفاة مهسا المأساوية، التي، كما قال الرئيس، كانت مثل بناتنا"، متهماً الولايات المتحدة باستخدام حقوق الإنسان "أداة ضد الخصوم". 

ودعا أمير عبد اللهيان واشنطن إلى "إنهاء الإرهاب الاقتصادي (العقوبات) بدلاً من ذرف دموع التماسيح"، على حد تعبيره.  

المساهمون