إيران تطرد 4 دبلوماسيين أذربيجانيين.. ما أسباب الأزمة؟

05 مايو 2023
مبنى السفارة الأذربيجانية في طهران (Getty)
+ الخط -

يبدو أن العلاقات الإيرانية الأذربيجانية تتجه نحو مزيد من التوتر والتصعيد، إذ أفادت وكالات أنباء إيرانية، اليوم الجمعة، بأن إيران قررت اعتبار 4 دبلوماسيين أذربيجانيين في السفارة الأذربيجانية بطهران، وقنصليتها في تبريز، "عناصر غير مرغوب فيهم"، ومن ثم طردهم من البلاد. 

وأوردت وكالة "تسنيم" الإيرانية أن هذه الخطوة جاءت رداً على طرد باكو 4 دبلوماسيين إيرانيين خلال الشهر الماضي. 

وتعليقا على الأنباء من إيران حول طرد دبلوماسيين أذربيجانيين، نقلت وكالة "آبا" الأذربيجانية، الجمعة، عن المتحدث باسم خارجية أذربيجان ايهان حاجي زادة قوله إن طرد الدبلوماسيين الأذربيجانيين من إيران "ليس جديدا".

وأضاف أن إيران أعلنت بعد أيام من طرد بلاده أربعة دبلوماسيين إيرانيين طرد أربعة دبلوماسيين أذربيجانيين، موظفين بالسفارة في طهران، وموظفين من القنصلية في تبريز.

وخلال الشهرين الأخيرين، اعتقلت باكو عدداً من مواطنيها بتهمة "التجسس" لصالح إيران. وتتهم وسائل إعلام أذربيجانية إيران بدعم منظمة "حسينيون" الشيعية الأذربيجانية، وإيواء أعضائها بهدف قلب نظام الحكم.  

توتر مستمر 

تشوب العلاقات الإيرانية الأذربيجانية توتراتٌ قديمة منذ تسعينيات القرن الماضي، انخفض منسوبها مع مرور الوقت خلال العقدين الماضيين، غير أنها تجددت منذ أكثر من عامين على خلفية تطورات القوقاز الجنوبي والحرب التي جرت في هذه المنطقة عام 2020 بين أرمينيا وأذربيجان، حيث تتهم الأخيرة طهران بأنها تدعم يريفان، التي تربطها علاقات جيدة بطهران، رغم أن إيران تعتبر إقليم ناغورنو كاراباخ منطقة أذربيجانية محتلة.

وعكفت طهران على نفي الاتهامات الأذربيجانية، متهمة باكو بأنها تسعى إلى تغيير حدود القوقاز وإلغاء حدود إيران مع أرمينيا، البالغة نحو 44 كيلومتراً لربط جمهورية نخجوان بأراضيها.  

وخلال العام 2021، أجرت إيران مناورات متعددة على الحدود مع أذربيجان، محذرة إياها من مغبة تغيير الحدود الجغرافية في منطقة القوقاز. كما أجرت أذربيجان مناورات متعددة، منها مناورات ثلاثية أجرتها تركيا وباكستان وأذربيجان تحت شعار "الإخوة الثلاثة 2021". 

وتقرأ إيران التطورات في منطقة القوقاز خلال العامين الأخيرين باعتبارها مؤشرات على مخطط أذربيجاني وتركي، بدعم إسرائيلي، لإحداث تغييرات جيوـ سياسية في منطقة القوقاز عبر إنهاء حدودها مع أرمينيا، وذلك من خلال السيطرة على الشريط الحدودي الممتد من جمهورية نخجوان إلى الأراضي الأذربيجانية، والذي يشكل الحدود الإيرانية الأرمينية في محافظة سيونيك الأرمينية، وذلك بغية ربط تركيا بالجمهوريات التركية في آسيا الوسطى. 

الهجوم على السفارة الأذربيجانية 

وفي سياق هذا التوتر، جاء الهجوم المسلح على السفارة الأذربيجانية في طهران، في يناير/ كانون الثاني الماضي، ليعمق الأزمة والشرخ بين البلدين، حيث قررت باكو بعد ذلك سحب موظفي سفارتها. وأدى الهجوم إلى مقتل حارس أمن أذربيجاني وإصابة آخرين. 

وأعلنت طهران أنّ الهجوم كان بدافع شخصي، واعتقلت المهاجم الإيراني الذي قال في تصريحات إنه هاجم السفارة ظناً منه أنّ زوجته الأذربيجانية موجودة في السفارة، مضيفاً أنه راجع السفارة عدة مرات لكنها أعلنت أنّ زوجته ليست هناك. وتبين لاحقاً أنّ زوجته كانت قد عادت إلى أذربيجان بعد خلافات شخصية مع زوجها، الأمر الذي دفع وسائل إعلام إيرانية إلى اتهام باكو بالتواطؤ لتهريب المواطنة الأذربيجانية من دون علم زوجها الإيراني. 

بيد أنّ باكو اتهمت طهران بالتفريط في توفير الأمن لسفارتها، وعقب الهجوم على سفارة أذربيجان، بدأ تراشق إعلامي في وسائل الإعلام، احتدم أخيراً، إذ وجّه السفير الإيراني عباس موسوي انتقادات لـ"الحملات الإعلامية" ضد بلاده.  

وجرت، خلال العام الأخير، اتصالات ولقاءات عدة بين المسؤولين الإيرانيين ونظرائهم الأذربيجانيين، وخاصة بين وزيري خارجيتي البلدين، غير أنها أخفقت في الحد من التوتر إلا لبعض الوقت. 

علييف يهاجم طهران 

وفي السياق، أدلى الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، الأربعاء الماضي، بتصريحات في مؤتمر "جيولوبوتيا أوراسيا الكبير: من الماضي إلى الحاضر والمستقبل"، بمدينة شوشا الأذربيجانية، هاجم فيها الجارة الإيرانية وسياساتها.  

وقال علييف إن "العلاقات الأذربيجانية الإيرانية في الوقت الراهن في مستوى منخفض جدا ولا يمكن القول الآن إن كانت ستبقى على هذا المستوى أيضا"، مضيفا أن توقع مستقبل العلاقات بين البلدين "معقد للغاية". 

وأشار الرئيس الأذربيجاني إلى أن باكو تلقت "رسائل من المسؤولين الإيرانيين، وجرت محادثات هاتفية لتطبيع العلاقات، لكنني أريد القول صراحة إن مطالب أذربيجان مشروعة ومنطقية، وإذا ما تحققت الشروط، حينئذ يمكننا الحديث عن تطبيع العلاقات، وإن لم يحدث ذلك، فستبقى العلاقات كما هي"، من دون الكشف عن طبيعة هذه الشروط وتسميتها. 

وأضاف علييف أن "هذا الشكل من العلاقات ليس ما انتخبته أذربيجان وعلى الجميع في إيران، وخاصة بعض الأوساط، أن يعلموا أن لغة التهديد والاغتيال لن تجدي نفعا مع أذربيجان"، لافتا إلى أن إغلاق السفارة الأذربيجانية في طهران "كان قراري لأن أمن وأرواح الناس هي الأهم بالنسبة لي". 

واعتبر علييف أن الهجوم على السفارة الأذربيجانية في طهران "كان إجراء إرهابيا متعمدا، لقتل الدبلوماسيين وأعضاء أسرهم".  

طهران تصوّب على العلاقات مع إسرائيل 

وتصوّب إيران على العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية، وظلت تتهم إسرائيل بأنها تسعى إلى إثارة تشنجات وتوترات بينها وبين جمهورية أذربيجان، التي تربطها علاقات جيدة بتل أبيب توجت أخيراً بفتح سفارة فيها. 

وفي السياق، اتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في وقت سابق، إسرائيل بأنها تسعى إلى تحويل أراضي أذربيجان إلى "ساحة لتهديد الأمن القومي لإيران"، وذلك تعليقاً على تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، في مؤتمر صحافي مع نظيره الأذربيجاني، جيحون بيراموف.   

وقال كوهين، خلال حفل افتتاح السفارة الأذربيجانية في تل أبيب: "اتفقت مع وزير الخارجية بيراموف على تشكيل جبهة موحدة أمام إيران".  

وأكد كنعاني تنديد بلاده بهذه التصريحات، قائلاً إنّ تصريحات الوزير الإسرائيلي بشأن تشكيل هذه الجبهة، وحديث نظيره الأذربيجاني عن "مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية" بين إسرائيل وأذربيجان، تؤكد "الاتجاه المعادي لإيران للتعاون بينهما"، داعياً سلطات أذربيجان إلى تقديم إيضاحات بشأن ذلك.  

وتنتاب إيران مخاوف من ارتدادات الأزمة الراهنة مع أذربيجان داخليا، لوجود أقلية أذرية تناهز نحو 25% من عدد سكان إيران، وذلك وسط اتهامات أوساط إعلامية وسياسية إيرانية لكل من أذربيجان وتركيا بتحريض الأقلية الأذرية ونشر النزعة القومية في أوساطها. لذلك حاولت السلطات الإيرانية إبعاد شبهة وجود نزعة قومية عن التوتر مع أذربيجان التي تسكنها غالبية شيعية، مع التركيز على التصدي لأية محاولات لتغيير الجغرافيا السياسية في جنوب القوقاز على حساب المصالح الإيرانية.