إنجازات المقاومة تزعزع ثقة الإسرائيليين بجيشهم

03 اغسطس 2014
القسام قتلت وجرحت المئات من الجنود الإسرائيليين (فرانس برس/Getty)
+ الخط -
أصاب كبار المعلقين العسكريين الإسرائيليين، وخصوصاً الذين سبق لهم أن شغلوا مواقع حساسة في المؤسسة الأمنية، حرج واضح، عندما طلب منهم مقدمو البرامج الحوارية في قنوات التلفزة الرائدة، تفسيراً حول كيفية تمكّن مقاتلي "كتائب عز الدين القسام" من السيطرة على ضابط في لواء "جفعاتي"، أحد أبرز ألوية الصفوة في جيش الاحتلال، وأسره صباح يوم الجمعة الماضي.

فبحسب إفادات الجنود، كان هناك العشرات من ضباط وجنود "جفعاتي" في الساحة التي جرت فيها عملية الأسر، علاوة على أن عدد أفراد المجموعة التي تمكنت من أسر الضابط لم يتجاوز خمسة مقاتلين. وقد أظهر تسليط الضوء على الخلفية الأيديولوجية والسياسية للضابط المفقود، الملازم هدار جولدين، حجم الانجاز الذي تمكنت المقاومة الفلسطينية من تحقيقه. فقد ذكرت القناة "الثانية" الإسرائيلية أن جولدين، المتديّن، قد ترعرع في منظمة "بني عكيفا"، التي تعتبر الذراع الشبابي للتيار الديني الصهيوني، وهو التيار الذي تدلّ معطيات "شعبة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي" على أن شبابه يتّسمون بدوافع قتالية كبيرة. وقد وصف جولدين، تحديداً، بأنه "أيديولوجي"، تمكّن من "أسر قلوب" الآلاف من الفتية والشباب في هذه المنظمة التي عمل فيها مدرباً، إذ أُعجبوا بشكل خاص بـ"شجاعته وجرأته"، كما تفيد القناة الإسرائيلية.

وتنضم عملية أسر جولدين، إلى عدد من العمليات النوعية التي نفذتها "القسام" في الحرب الدائرة، والتي مسّت نتائجها بتقدير المجتمع الإسرائيلي لضباط جيشه وجنوده. وكانت "عملية ناحل عوز"، التي جرت يوم الاثنين الماضي، والتي تمكن فيها خمسة من مقاتلي "القسام" من اقتحام موقع يتمترس فيه ضباط من وحدة "ماجلان" الخاصة، وقتل خمسة من هؤلاء الضباط، من دون أن يجرؤ أي من الضباط على إطلاق النار للدفاع عن النفس، رمزية في الاشارة إلى المدى الذي وصلت إليه إمكانات المقاومة. وممّا زاد الحرج والإحباط لدى الرأي العام الإسرائيلي، حقيقة أن عناصر "القسام" قد قاموا بتصوير العملية وعرض فيديو يوثّقها على موقع "الكتائب" الالكتروني.

وأظهر الفيديو ضابطاً يتولى الحراسة في برج المراقبة، وقد أغلق على نفسه باب البرج، في الوقت الذي كان مقاتلو "القسام" يجهزون على زملائه، مع العلم أنه كان بإمكانه أن يطلق النار على أفراد الوحدة "القسامية"، ما كان سيغيّر من نتائج العملية. وبحسب المعلق العسكري في القناة "العاشرة" الإسرائيلية، ألون بن دافيد، فقد بدت عملية "ناحل عوز" بالنسبة لمقاتلي "القسام"، كما لو كانت "نزهة". واعتبر أن الحرص على تصوير العملية "دليل على ثقة عالية بالنفس".

وعكست التعليقات التي زخرت بها مواقع التواصل الاجتماعي العبرية على العملية، تدنّي ثقة الإسرائيليين بضباطهم وجنودهم. وقد كانت معركة "الشجاعية" التي جرت في بداية العدوان البري، والتي تمكن فيها مقاتلو "القسام" من قتل 13 ضابطاً وجندياً من لواء النخبة "جولاني"، وجرح عشرات آخرين، أبرز مؤشر بالنسبة لكثير من المحللين السياسيين الإسرائيليين، على خطأ الافتراضات التي انطلق منها الجيش الإسرائيلي في حربه على القطاع، ولا سيما الزعم بأنّ الروح القتالية لمقاتلي حركة "حماس" متدنّية، وأن قيادة الحركة لن تجرؤ على فتح مواجهة مع إسرائيل في ظل التحولات الإقليمية التي أضعفت الحركة.

وعلّق المحلل العسكري في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، على معركة "الشجاعية" قائلاً إنها "دلّت على أن عناصر القسام مقاتلون أشداء لم يردعهم تفوّق جيشنا العسكري والتقني عن السعي لمواجهته ومحاولة إلحاق خسائر به".

وقد دفع أداء المقاومة الفلسطينية خلال الحرب، دوائر صنع القرار في تل أبيب، إلى تغيير تعريفها للمواجهة الحالية، إذ إن جيش الاحتلال أطلق عليها عند شروعه بها اسم "حملة الجرف الصامد"، لكن سرعان ما اعتبرها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، "حرباً للحفاظ على الوطن". وممّا زاد الأمور تعقيداً لدى دوائر صنع القرار الإسرائيلية، أن الحرب لم توفر مواداً يمكن أن توظفها الدعاية الإسرائيلية لتشويه المقاومة، لا سيما الزعم بأن المقاومة تحرص على استهداف المدنيين. فقد دلت نتائج الحرب، حتى الآن، على أن جميع القتلى في صفوف الإسرائيليين هم من الضباط والجنود، في حين أن أكثر من 90 في المئة من القتلى في الجانب الفلسطيني هم من المدنيين.

في الوقت ذاته، فإنه على الرغم من التفوّق العسكري الإسرائيلي الكاسح، فإن قائمة الانجازات التي حققتها "حماس" أكبر بكثير من تلك التي حققتها إسرائيل. ووفق الباحث الإسرائيلي، يوري زيريسكي، فـ"في الوقت الذي يصعب فيه على المرء أن يرصد إنجازاً واحداً لإسرائيل منذ اندلاع الحرب، فإن حماس حققت إنجازات كبيرة". وفي مقال نشره موقع "معاريف"، يوم الجمعة، يشير زيريسكي، إلى نجاح "كتائب القسام" في إغلاق أجواء إسرائيل أمام الملاحة المدنية وإجبار ملايين الإسرائيليين على النزول إلى الملاجئ، ناهيك عن تواصل استهداف العمق الإسرائيلي على مدى الحرب، من دون أن يتمكن جيش الاحتلال من التشويش على المخططات الحربية لـ"كتائب القسام".
المساهمون