إلى أين تتجه العلاقات التونسية المغربية بعد تبادل استدعاء السفراء؟

تونس

آدم يوسف

avata
آدم يوسف
27 اغسطس 2022
المغرب وتونس يتبادلان استدعاء السفراء.. إلى أين تتجه العلاقات؟
+ الخط -

أعلن المغرب وتونس، أمس الجمعة، تبادل استدعاء السفراء عقب استقبال الرئيس التونسي قيس سعيّد زعيم جبهة "بوليساريو" الانفصالية إبراهيم غالي في مطار قرطاج الدولي بالعاصمة التونسية، حيث تشارك الجبهة في قمة طوكيو للتنمية في أفريقيا "تيكاد 8"، في خطوة تنذر بتأزم العلاقات بين البلدين.

وأعربت الخارجية التونسية، في بيان أمس، عن استغرابها "الشديد ممّا ورد في بيان المملكة المغربية من تحامل غير مقبول على الجمهورية التونسية، ومغالطات بشأن مشاركة وفد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في ندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا"، وقالت إن تونس "حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء الغربية التزاما بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلا سلميا يرتضيه الجميع".

واستدعى المغرب سفيره لدى الجمهورية التونسية حسن طارق، وأعلن مقاطعته قمة "تيكاد 8" التي تحتضنها تونس، وفق بيان لوزارة الخارجية المغربية.

وربطت الخارجية المغربية استدعاء سفيرها في العاصمة التونسية بـ"عمل تونس على مضاعفة المواقف والأفعال السلبية المستهدفة المملكة المغربية ومصالحها العليا"، وذلك بعد تخصيص الرئيس التونسي استقبالاً رسمياً لزعيم الجبهة الانفصالية.

ويعد ذلك سابقة في تاريخ العلاقات التونسية المغربية، إذ تلتزم تونس منذ سنوات طويلة حياداً إيجابياً بخصوص قضية الصحراء، وترفض الاعتراف بأطروحة الانفصال. غير أنه منذ وصول سعيّد إلى سدة الحكم، بدا لافتاً أن هناك تحولاً في المواقف، وهو ما برز خلال تصويت تونس في مجلس الأمن الدولي في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين امتنعت عن التصويت لصالح قرار تمديد عمل بعثة الأمم المتحدة "مينورسو" سنة إضافية.

بن عيسى: تلهية فعالة

واعتبر المحلل السياسي شكري بن عيسى، في تعليقه لـ"العربي الجديد"، أن "كل شيء يمكن توقعه"، من دون أن يستبعد "تطور هذا الحادث إلى توتر دبلوماسي وربما نحو مزيد التأزم"، مبينا أن "النظام التونسي من مصلحته فتح مثل هذه الجبهات (المرتبطة بسردية السيادة واستقلال القرار الوطني) التي تكسبه مشروعية لدى أنصاره وتشكل تلهية فعالة عن الاستحقاقات الداخلية، سواء السياسية أو الاقتصادية والمالية أو الاجتماعية"، بحسب قوله.

وأوضح بن عيسى أنه "يصعب التقدير والتنجيم في العلاقات الدولية، ولكن بناء على الوقائع وما سبق من تجارب والبيانات الرسمية، فإن الموقف التونسي من البيان المغربي واضح ومباشر ومؤسس قانونيا ودبلوماسيا وعرفيا".

وبين بن عيسى أن "المغرب قبل هذا سابقا، فيما تجاسر على تونس، ويمكن تفسيره من عدة زوايا منها بالارتباط القوي بين تونس والجزائر وتزايد الدعم والإسناد الاقتصادي الجزائري لتونس خلال الهزات الأخيرة ما بات يهدد المغرب، كما يمكن إرجاعه إلى علاقة ارتباط المغرب دبلوماسيا وتكنولوجيا واقتصاديا وثقافيا وحتى عسكريا بالكيان الإسرائيلي، ما يجعله في موقع الاستغناء عن دول الجوار، وربما بسبب موقفي الجزائر وتونس من ذلك".

وقالت الخارجية المغربية، في بيانها أمس، إنه "بعد عمل تونس على مضاعفة المواقف والأفعال السلبية المستهدفة المملكة المغربية ومصالحها العليا، فإنّ تصرف تونس في إطار (تيكاد) (منتدى التعاون الياباني الأفريقي) يؤكد هذا النهج بوضوح".

ولفتت إلى أنّ "تونس عملت على معاكسة رأي اليابان بخرق مسار التحضير للمنتدى والقواعد الموضوعة لذلك، وقررت بشكل أحادي دعوة الكيان الانفصالي"، معتبرة أن "الاستقبال الذي خصّصه رئيس تونس لقائد الانفصاليين هو فعل خطير غير مسبوق، يؤذي كثيراً مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية".

وتابع بن عيسى أن "تعاظم وزن المغرب سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا بسبب علاقاته مع الملكيات في الخليج، التي تتضامن آليا ضد كل من يمس أحد مكوناتها، وكذلك بسبب علاقاته مع إسرائيل في مقابل تراجع وزن تونس وعدم استقرارها سياسيا واقتصاديا، يطرح التساؤلات حول مدى ذهاب تونس في التصعيد بعد استدعاء سفيرنا في المغرب للتشاور، ومدى قدرتها على الدخول في معركة لي أذرع مع مغرب نافذ أوروبيا وأفريقيا وخاصة خليجيا".

واستنتج المحلل ذاته أن "تونس لا تبدو قادرة على التصعيد أكثر من هذا البيان المباشر وأكثر من دعوة السفير للتشاور، وفي الحد الأقصى دعوة السفير المغربي بتونس للاعتراض على الموقف المغربي أو الاحتجاج"، متسائلا: "ولكن ماذا لو طرد المغرب سفيرنا؟ فيبدو أن الحساسية مفرطة لدى المغرب في ملف الصحراء الغربية"، بحسب تعبيره.

وجاء استقبال الرئيس التونسي زعيم "البوليساريو" بعد نحو أسبوع على تشديد العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطاب له، على أن ملف الصحراء هو "النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات".

البرهومي: علاقات مكسوة بالحذر

من جانبه، قال رئيس "المركز المغاربي للبحوث والدراسات" في تونس ماجد البرهومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "العلاقات التاريخية بين تونس مع كل من المغرب والجزائر، كانت مكسوة بالحذر، ومبنية على توجس النظامين الجزائري والمغربي من تونس منذ زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة".

وتابع موضحا: "سجلت العلاقات توترا في مناسبات مختلفة، بداية من مهاجمة المغرب بورقيبة على خلفية انتقال تونس إلى النظام الجمهوري في سياق الخشية من عدوى انهيار الملكية في المنطقة وفي إطار تضامن الملكيات"، مشيراً إلى أن بورقيبة "سرعان ما رد الفعل بالدفع نحو الاعتراف باستقلال موريتانيا ودعم عضويتها في جامعة الدول العربية، وكان أول زعيم يعترف بها كدولة".

وبين البرهومي أن "العلاقات مع الجزائر أيضا عرفت توترا زمن أحمد بن بلة (أول رؤساء الجزائر بعد الاستقلال) وفي عديد المناسبات مع بورقيبة، حيث ما زالت تونس بصدد بناء دولة الاستقلال، منها عند زيارته لتونس حيث هوجم بورقيبة بسبب موقفه من القومية العربية".

ولفت إلى أنه ''زمن حكم (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي، تقلص التوتر بين تونس وكل من المغرب والجزائر لعدة اعتبارات، من بينها استقرار النظام وصلابته وعلاقات بن علي المتينة مع الخارج، حيث كان يحسب لتونس ألف حساب".

وأضاف البرهومي أنه "بعد الثورة، استغل المغرب والجزائر هشاشة النظام السياسي والتصدع الاقتصادي لبسط نفوذهما مغاربيا وإقليميا، حيث استفاد البلدان من ضعف النظام بسقوط بن علي، وكذلك الأمر بسقوط (العقيد الليبي الراحل معمر) القذافي في ليبيا".

وأضاف أن "الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي زار تقريبا غالبية الدول، بداية من الجوار وشركاء تونس وأصدقائها، باستثناء المغرب، وذلك لم يكن سهوا بل مقصودا بسبب ما توفر لديه من معطيات حول استهداف المغرب تونس اقتصاديا وحتى سياسيا".

واعتبر البرهومي "أن العلاقات المغربية التونسية مبنية بالأساس على مصالح واضحة، حيث استغل المغرب بشكل واضح الوهن السياسي والاقتصادي التونسي ليتمدد في المنطقة اقتصاديا وليفتك ما أمكن من المشاريع الموجهة نحو تونس".

العبيدي: سوء تقدير وتصرف دبلوماسي خاطئ

وقال الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، في تعليق لـ"العربي الجديد": "لا أعتبر أن تونس خرجت من حيادها الدبلوماسي، بل إن هذه الخطوة هي سوء تقدير وتصرف دبلوماسي خاطئ، لأن التظاهرة متعددة الأطراف أفريقية يابانية، وتونس وفرت الأرضية لاحتضان هذه التظاهرة".

وبين العبيدي أن "القوة الداعية هي اليابان والاتحاد الأفريقي، ولم يكن هناك موجب لتحول الرئيس التونسي لاستقبال الوفود ليلا ونهار".

وأفاد أن "ما حدث خطأ دبلوماسي"، نافيا "وجود ضغوط جزائرية، ففي الأمور الجوهرية ليس هناك أي بلد قادر على ممارسة ضغوط على تونس"، حسب تعبيره.

وبين أن "تونس لا قوة لها ولا إمكانات اقتصادية لدعم طرف على حساب آخر، ما يفقدها حيادها ودور الوساطة، في مقابل الدعم الأميركي والأوروبي للمغرب في ما يخص ملف الصحراء".

ولفت إلى "وجود ارتباك واضطراب في السياسة الخارجية التونسية"، مشيرا إلى أن "من وجهت لهم الدعوة يستقبلهم الاتحاد الأفريقي ولا داعي لاستقبالهم من الرئيس التونسي شخصيا".

وبين أن "علاقة تونس بالمغرب تضاهي علاقة تونس بعديد الدول الأفريقية، وهي علاقات طيبة عموما، حيث تلتزم تونس بثوابتها تاريخيا بعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول".

المساهمون