تحاول مصر التوسع في حملة اللقاح ضد فيروس كورونا، بالإعلان خلال الساعات الماضية عن ضرورة تسجيل الأطباء والموظفين الحكوميين والمعلمين وأساتذة الجامعات والعاملين الإداريين، والطلاب فوق 18 سنة، للحصول على اللقاح خلال سبتمبر/أيلول المقبل، لتتمكن الدولة بدءاً من مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فرض بعض القيود على دخول بعض الأماكن التابعة لها، ومزاولة بعض الأنشطة الرسمية، إلا بعد تقديم ما يثبت أخذ اللقاح.
لكن الدولة ما زالت تغض النظر عن سوء الأوضاع في السجون، والشكاوى التي ترفع بصورة شبه يومية إلى النائب العام ووزير الداخلية محمد توفيق، ووصل بعضها إلى المحاكم للمطالبة بتعميم اللقاح على السجناء، وبصفة خاصة السجون المركزية والكبيرة كثيفة العدد، وتلك التي تضم الأعداد الأكبر من المحبوسين احتياطياً، حيث لم يتم ذكر السجناء على الإطلاق بين الفئات الأولى بالحصول على اللقاح، رغم تعميمه على ضباط الشرطة والقضاة في الفترة الحالية بصورة مركزية ومنظمة، من خلال قوافل أسبوعية تصل إلى أماكن تجمعهم في الأقسام والمحاكم والأندية.
تم تسجيل عدد من حالات الوفاة المفاجئة في بعض السجون المركزية
وقالت مصادر حقوقية، لـ"العربي الجديد"، إن الأوضاع الصحية في السجون يكتنفها الغموض بما يثير قلق الأهالي بشدة، حيث تم تسجيل عدد من حالات الوفاة المفاجئة في بعض السجون المركزية خلال الأسبوعين الماضيين، لسجناء جنائيين كبار السن. وأشارت إلى أنه تم تسجيل حالات نُقلت إلى المستشفيات بأعراض يمكن أن تكون لفيروس كورونا، في ظل إهمال جميع المطالبات التي تم تقديمها للتسجيل للقاح. وأضافت المصادر أن عدداً كبيراً من المعتقلين المحبوسين على ذمة قضايا سياسية تسجلوا، بمساعدة ذويهم ومحاميهم، في قاعدة البيانات الخاصة باللقاح، ولكن لم يتم الرد عليهم حتى الآن. كما تم تقديم طلبات لتعميم اللقاح في مجمع سجون طرة وسجون برج العرب والوادي الجديد وأسيوط والقناطر، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء.
وذكرت المصادر أنه تم، في الآونة الأخيرة، فرض قيود جديدة على زيارات السجناء، بتقليص مدة بقاء الزائر في صالة الزيارة، وإبعاد السجناء عن زائريهم بنحو ثلاثة أمتار باستخدام أسلاك معدنية، الأمر الذي تظن إدارات السجون أنه يساهم في تقليل احتمالات تسرب الفيروس إلى داخل السجون، لكنه في الواقع لا يضمن ذلك، كما يقلل من أهمية الزيارة كممارسة مهمة للحالة النفسية للسجناء، ما زاد التوتر في عدد من السجون أخيراً، وقابلته الإدارات بتشديد الإجراءات وتقليل أوقات الفسحة والاختلاط بين نزلاء العنابر.
وتعليقاً على ذلك، قال مصدر أمني مطلع إن تعميم اللقاح على السجناء ليس له موعد محدد حتى الآن، لكن الوضع، في الوقت ذاته، ليس سيئاً كما يقول المحامون، غير أنه يبقى خطيراً قابلاً للتفاقم في أي لحظة، خصوصاً أنه لم يتم تخصيص نسبة من اللقاحات الواردة حديثاً لمصر بملايين الجرعات تحت تصرف وزارة الداخلية. ورجح المصدر ألا يتم تعميم اللقاح إلا بعد بدء طرح الإنتاج المحلي من لقاح "سينوفاك" ذي التقنية الصينية، والذي أعلنت هيئة الدواء الترخيص له رسمياً، مساء الإثنين الماضي فقط، ولم يتم إنتاجه حتى الآن، على الرغم من مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على إعلان الحكومة ذلك رسمياً. وأعلنت وزيرة الصحة هالة زايد، أمس الأول، أنه "سيتم بدء استخدامه قريباً" دون تحديد موعد، وأنه سيُنتج بكميات كبيرة قد تصل إلى 600 ألف جرعة يومياً. وسبق أن قالت مصادر في وزارة الصحة، لـ"العربي الجديد"، إن هيئة الدواء رفضت اعتماد التشغيلة الأولى من اللقاح المصنع في مصر بسبب مشاكل تم اكتشافها، وتحاول الوزارة تلافيها حالياً.
وذكر المصدر الأمني أن الوزارة تنتظر أيضاً صدور الأحكام القضائية في الدعاوى التي أقيمت لتعميم اللقاح على السجون، لتتحرك على ضوئها، معتبراً أنه إذا صدر حكم لصالحها فسوف يكسبها هذا مزيداً من الوقت، لتنظيم خطة زمنية طويلة الأمد، لتوزيع اللقاح على المحبوسين احتياطياً والسجناء المدانين. وتنظر حالياً محكمة القضاء الإداري في عدد من الدعاوى، منها المرفوعة من الصحافي المعتقل في قضية "خلية الأمل" هشام فؤاد، وقال فيها المحامي خالد علي إن عدداً كبيراً من السجناء أنذر محاموهم الجهات الرسمية المختصة لتسجيل رغبتهم في إدراج أسماء من يرغب من المودعين الآخرين بالسجون في تلقي اللقاح، ولكن دون جدوى، حيث لم يتلق أي منهم رداً على طلبه، وأن إتاحة اللقاح للسجناء، تُعتبر ضرورة وأولوية بالغة الأهمية في مواجهة تفشي الفيروس، لأسباب عدة، منها حماية أرواح السجناء، باعتبارهم ضمن المجموعات الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس، كما أنهم غير قادرين على تسجيل أنفسهم من داخل أماكن احتجازهم.
تسجل عدد كبير من المحبوسين على ذمة قضايا سياسية في قاعدة البيانات الخاصة باللقاح
وتنص المادة 18 من الدستور المصري على أن "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة… ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ، أو الخطر على الحياة". كما تنص المادة 55 على أن "كل من يُقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته، تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك، لائقة إنسانياً وصحياً". كما تنص المادة 56 على أن "السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر".
وسبق أن نبهت منظمة الصحة العالمية، في خريطتها الخاصة بأولوية توفير اللقاح في سياق الإمدادات المحدودة، المنشورة في أكتوبر الماضي، إلى أن السجناء والمحبوسين احتياطياً يقعون ضمن المجموعات الأكثر عرضة لاكتساب العدوى ونقلها، وذلك لتواجدهم في أماكن مزدحمة ومغلقة يصعب فيها مراعاة التباعد الجسدي. وبحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فقد وفرت بعض الدول اللقاح للسجناء بالفعل في المنطقة العربية وأفريقيا. فعلى سبيل المثال، قام المغرب بحملة تطعيم داخل السجون وأماكن الاحتجاز، استهدفت من تخطوا الستين سنة، وبحلول مارس/آذار الماضي تم تطعيم 77 في المائة من الفئة المستهدفة داخل المؤسسات العقابية. وكذلك أعلنت دول، منها الكويت والبحرين، عن بدء حملات للتطعيم داخل السجون وأماكن الاحتجاز، فيما وضعت جنوب أفريقيا المساجين في المرحلة الثانية من حملة التطعيم ضد فيروس كورونا. وفي نهاية مايو/أيار الماضي، أعلن مساعد وزير الداخلية المصري اللواء طارق مرزوق أن قطاع الخدمات الطبية بالسجون قام بتطعيم 5 آلاف من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى 1400 من الأطقم الطبية على مستوى السجون وجميع الضباط بجميع السجون، لكن لم يتم تحديث هذا الإعلان فيما بعد.