تواجه الاستشارة الإلكترونية التي يراهن عليها الرئيس التونسي قيس سعيّد، بهدف إشراك الشعب في التغييرات السياسية الكبرى، وفق إعلانه، صعوبات بالغة، وضعفاً شديداً في الإقبال، وصفه المعارضون بالفشل الذريع، قبل نحو أسبوعين على نهايتها.
ولا تفصل تونس سوى أيام عن احتفالات عيد الاستقلال في 20 مارس/آذار الحالي، الذي أعلنه سعيّد موعداً لختم الاستشارة الوطنية، في وقت لم يتجاوز عدد المشاركين ربع مليون شخص منذ الانطلاق الفعلي وفتح الموقع للعموم، في 15 يناير/كانون الثاني الماضي.
الاستشارة الإلكترونية في تونس: إقبال ضعيف
وتفيد الإحصاءات الرسمية الأخيرة بأن عدد المشاركين تجاوز بقليل 249 ألف مشارك (حتى يوم أمس السبت). وذكر الموقع الرسمي للاستشارة أن الفئة العمرية ما بين 30 و39 سنة هي الأكثر مشاركة بنسب قاربت الـ29 في المائة، فيما كانت نسبة المشاركة الأضعف للفئة العمرية الأقل من 20 سنة، بنسبة 2,2 بالمائة فقط. كما أبرزت الإحصاءات أن محافظتي تونس العاصمة وصفاقس هما الأكثر إقبالاً، فيما شهدت محافظة تطاوين أقصى جنوب البلاد أضعف مشاركة.
لم يتجاوز عدد المشاركين في الاستشارة ربع مليون شخص حتى الآن
ووصف سعيّد منذ أيام عدد المشاركين في الاستشارة الوطنية بـ"دون المطلوب"، مرجعاً ذلك إلى بعض الإشكاليات التقنية والفنية، ومتهماً كذلك "المنظومة القديمة" بأنها "تحاول بكل الطرق إجهاض هذه التجربة". وكان سعيّد قد أكد أن "مستقبل تونس هو في أيدي التونسيين والتونسيات، ومشاركتهم المكثفة في الاستشارة هي التي ستعبّد الطريق نحو مرحلة جديدة في تاريخ البلاد تقوم على الإرادة الشعبية الحقيقية، لا على شرعية وهمية لفظها التونسيون والتونسيات لأنها لا تعبر عن إرادتهم الحقيقية".
وللإشارة، فإن عدد الناخبين في تونس بحسب إحصاءات هيئة الانتخابات في عام 2019، يبلغ أكثر من 7 ملايين و155 ألف ناخب مسجل. وبالتالي فإن نسبة الإقبال على الاستشارة لا تتجاوز 4 في المائة من نسبة الناخبين ممن تجاوزت أعمارهم 18 عاما.
سعيّد يواصل الحشد لإنجاح الاستشارة
ويواصل أنصار سعيّد والصفحات الداعمة له، الحشد لإنجاح هذه المحطة من خلال دعوة الشباب والعموم إلى المشاركة، فيما تتحرك جميع مؤسسات البلاد الحكومية لدفع عملية المشاركة عبر الحملات والدعاية.
واعتبر محافظ بن عروس، عضو الحملة الانتخابية لسعيّد سابقاً، عز الدين شلبي، في تصريحات صحافية، أن الاستشارة الشعبية هي ''أهم حدث في تاريخ الدولة التونسية''، داعياً ممثلي الشباب إلى الدعاية لهذا الحدث، وذلك بتعليق لافتات تفسيرية للاستشارة في كل المؤسسات. واعتبر المحافظ أن "هذه الاستشارة هي فرصة للمواطن، ويجب عليه ألا يترك فرصته تضيع حتى لا يندم عليها بعد ذلك".
تشكيك في شرعية النتائج
في المقابل، اعتبر معارضو سعيّد أن عدم الإقبال على هذه الاستشارة سيجعل نتائجها غير شرعية، وبالتالي لن يستطيع الرئيس الذهاب بعيداً في تنفيذ برنامجه والإعداد للاستفتاء بناء على نتائجها، مؤكدين فشل أول مراحل أجندته السياسية بما يستوجب التخلي عنها والعودة إلى المسار الدستوري.
ورأى القيادي في "ائتلاف الكرامة"، منذر بن عطية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الرقم المعلن مبالغ فيه وهو رقم كبير جداً يتجاوز الشعبية الحقيقية للرئيس سعيّد، بالنظر إلى عدد المساندين له الذين نزلوا إلى الشارع والذي لا يتجاوز واقعياً عشرات الأشخاص". وأضاف بن عطية: "بوصفي مختصاً في الإحصاءات والاقتصاد، فإن التطبيق الإلكتروني للاستشارة لا يستجيب للشروط والمعايير الدولية حيث يتضمن خروقات واضحة تمكّن نفس الشخص من الولوج مرات عدة".
منذر بن عطية: التطبيق يتضمن خروقات واضحة تمكّن نفس الشخص من الولوج مرات عدة
واعتبر القيادي في "ائتلاف الكرامة"، أن "الاستشارة هي مجرد غطاء وجسر للعبور نحو تنقيح الدستور لا تعكس إرادة الشعب الحقيقية". وتابع: "على الرغم من تسخير وتوظيف إمكانات الدولة في المحافظات، وفي مؤسسات وبلديات جُنّدت لخدمة الاستشارة، إلا أن النتيجة كانت صفراً، باعتبار أن ما تمّ تسجيله هو نحو 250 ألف مشاركة لا مشارك". وبيّن المتحدث أن "الشعب لم يعد ينخدع بسعيّد، وبعد ثمانية أشهر، اكتشف خلالها أنه لا يمتلك سوى الشعارات والكلمات".
بدوره، اعتبر المتحدث باسم حزب "حراك تونس الإرادة"، عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الأرقام المعلنة حول الاستشارة الوطنية الإلكترونية تبيّن فشلها، وبالتالي فشل كامل الخطة التي أعلنها سعيّد، وعليه أن يعلن فشله ذلك، وأن يعود إلى حوار وطني حقيقي يفضي إلى استئناف المؤسسات الدستورية".
وبيّن السيفاوي أن "الاستشارة مسألة غير جدية وهلامية، وعلاوة على الصعوبات اللوجستية فإن استشارة عموم الناس في مسائل معقدة ومتشعبة تهم طبيعة النظام السياسي وتفاصيله تبين عدم جدية هذه المسألة". وأضاف المتحدث باسم "حراك تونس الإرادة"، أن "ضعف الإقبال يبيّن عدم نجاح الاستشارة ويؤكد تناقض ما تعلنه وكالات سبر الآراء حول نسب تأييد الرأي العام لسعيّد وإجراءاته وما دعا إليه، في مقابل العزوف الكبير في الميدان وغياب أي استجابة تذكر".
ولاحظ السيفاوي أن "الفشل مسجّل على الرغم من تكرار المشاركات من الشخص ذاته في العديد من المرات، وعبر استخدام وتوظيف وسائل الدولة ومؤسساتها وتجنيد حملة إعلامية وإعلانية". وشدد على أن "فشل الاستشارة يؤكد أنها لا تعبّر حقيقة عن إرادة الشعب، خصوصاً العموم الذين يبحثون عن تحسين مستوى عيشهم والاستقرار".
أما النائبة عن حزب "التيار الديمقراطي"، منيرة العياري، فلفتت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحزب أكد منذ البداية، أن الاستشارة هي إجراء ليبرر به الرئيس قراراته، ولا تعبّر عن الإرادة الحقيقية للشعب". وأشارت إلى أن "دولاً متقدمة تخلت وتراجعت عن استعمال المنصات الإلكترونية في العملية الانتخابية والاستفتاءات والاستشارات بسبب غياب الشفافية".
وشدّدت العياري على أن الاستشارة كآلية "معروف عنها النقص في الشفافية، بالإضافة إلى كيفية إعدادها ومن أعدها والأهداف من استخدامها، ما جعل التونسيين حذرين من حيث المشاركة". وبيّنت العياري أنه "غاب عن القائمين على الاستشارة التنوع في تركيبة الشعب وقدرته على التحليل والتمييز وهم ليسوا بتابعين للرئيس"، مشيرة إلى أن "المواطن متخوف لأنه لم يتم تفسير وتقديم هذه الاستشارة وهو يجهل مآلاتها وما سيبنى عليها من قرارات".
واستغربت النائبة عن حزب "التيار الديمقراطي"، تبرير ضعف المشاركة بالحديث عن صعوبات تقنية، متسائلة عمن يتحمل المسؤولية من الجانب التقني في حين أن القائمين عليها من وزارة الاتصال والحكومة. وذكّرت بأنه "تم التنبيه سلفاً إلى ضعف توزيع الإنترنت على كامل التراب التونسي فيما بقية الشعب ليس لديه مجال تغطية للمشاركة كما يفتقر إلى الحواسيب والإمكانات". واستغربت في ذات السياق "تعليل الرئيس بتعطيل أطراف بعينها للاستشارة، وكيفية منع المواطن من المشاركة فيما هي (الاستشارة) خاضعة للحرية الشخصية للمواطنين".
وفي السياق، اتهم عضو المكتب السياسي في حركة "الأمل"، أحمد نجيب الشابي، سعيّد، بالإعداد لمبايعته عن طريق الاستشارة الوطنية. وقال الشابي في حوار إذاعي إن "الاستشارة ألغت كل مكونات المجتمع وهي منصّة فاشلة"، مشككاً "في طريقة المشاركة فيها. وقال الشابي: "إنها ستذهب لمبايعة وهو أمر مرفوض"، مطالباً "بالتوجه نحو الحوار حول خيارات أساسية يتم التوجه بها للشعب".