لا تزال جهود المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، متعثرة حيال تحديد موعد للجولة الرابعة من أعمال اللجنة الدستورية السورية، إذ لم تنفع زيارته الأخيرة إلى دمشق في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بإقناع مسؤولي النظام بقبول الذهاب إلى جولة جديدة. ولا تزال دمشق تُعرقل انعقاد مثل هذه الجولة، من خلال الإصرار على إبقاء جدول الأعمال مقتصراً على مناقشة "الثوابت والمبادئ الوطنية". في المقابل، يحاول المبعوث الأممي إدخال الأطراف الثلاثة في اللجنة، النظام والمعارضة والمجتمع المدني، في مرحلة مناقشة مضامين الدستور ومواده. وهو ما تنادي به المعارضة، إذ يطلب الرئيس المشترك للجنة الدستورية هادي البحرة، تركيز الجولة المقبلة على مناقشة المقدمة والمبادئ الدستورية والحقوق والحريات وسيادة القانون، أو هيكل الدستور. ولا يبدو أن سياسة العرقلة التي يعتمدها النظام، من خلال مبدأ "الإغراق بالتفاصيل" لعمل اللجنة والذي يُنظّر له وزير خارجية النظام وليد المعلم، صالحة اليوم، في ظل الضغط الغربي على النظام عبر العقوبات للانخراط جدياً في إنجاز المسار الدستوري.
تبحث إيران عن صفقة أو مقايضة لتنظيم مؤتمر اللاجئين
وفي السياق، لجأت دمشق، وحليفتها موسكو، لاستحضار مؤتمر اللاجئين مجدداً، الذي فشلت الأخيرة في عقده منتصف عام 2018، إلا أنها تكرّس اليوم جهوداً سياسية ودبلوماسية مضاعفة لعقده بين 11 و12 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي في دمشق. غير أن الجولة التي قام بها مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى كل من بغداد وعمّان وبيروت للترويج وكسب التأييد للمؤتمر، لم تكن كافية لعدم المرور بأنقرة التي تستضيف حوالي 3.5 ملايين لاجئ. لكن أبرز العوائق أمام عقد المؤتمر تتمثل في الرفض الغربي غير المباشر له، مع الاعتقاد بأن المؤتمر ليس سوى "حجر عثرة" لتعطيل اللجنة الدستورية، أو عرقلتها زمنياً على الأقل، لتمرير الانتخابات الرئاسية في سورية منتصف العام المقبل. ويُدرك بيدرسن، أنّ حلفاء النظام، الروس والإيرانيين، لهم كلمة أعلى في قرار النظام، لذلك قرر التباحث أولاً مع كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر خاجي، الذي ركز في حديثه على مؤتمر اللاجئين وضرورة انعقاده في موعده.
وأشارت مصادر مطلعة إلى طلب إيراني من بيدرسن يتمثل في ضرورة مشاركة الأمم المتحدة في المؤتمر، لما في ذلك من إسهام في الوصول إلى الحل السياسي في سورية. ولم تتناول وسائل الإعلام الإيرانية ردود المبعوث الأممي على الرؤية الإيرانية بخصوص مؤتمر اللاجئين، واكتفت بالقول إن خاجي وبيدرسن تناولا إمكانية عقد جولة جديدة من اللجنة الدستورية والتطرق لمؤتمر اللاجئين.
ومن الواضح أن إيران تحاول التوصل إلى صفقة أو مقايضة قائمة على تحديد موعد جديد للجنة الدستورية، في مقابل تأمين دعم أممي، وربما غربي، لمؤتمر اللاجئين. وربما لم يعجب ذلك المبعوث الأممي، الذي توجه إلى أنقرة واجتمع بنائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، المكلف بمتابعة المفاوضات مع الجانب الروسي في ما يخص الملف السوري. ولم يرشح الكثير من المعلومات حول اللقاء الذي جرى في 3 نوفمبر الحالي، سوى أن الطرفين بحثا أنشطة اللجنة الدستورية. وتأتي هذه الزيارة في وقت تشهد العلاقات الروسية – التركية مرحلة فتور بسبب تعقّد مصالح الطرفين في سورية وليبيا، فضلاً عن بروز ملف النزاع بين أرمينيا وأذربجيان حول إقليم ناغورنو كاراباخ، الأمر الذي جعل مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية يتجنب زيارة تركيا خلال جولته الإقليمية للحشد لمؤتمر اللاجئين.
وأول من أمس الخميس، زار بيدرسن القاهرة ملتقياً وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي تستضيف بلاده 130 ألف لاجئ سوري وفق إحصاءات أممية. وكان واضحاً خلال اللقاء تناول مسألة التغيير الديمغرافي في سورية، وسط تشديد شكري على رفض بلاده أي عملية تغيير ديمغرافي تتم بشكل قسري، الأمر الذي يوحي بأن مسألة اللاجئين كانت مطروحة بين بيدرسن وشكري. كذلك التقى المبعوث الأممي في القاهرة بالأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الذي أكد لبيدرسن أن القضايا العالقة في الملف السوري تتجاوز اللجنة الدستورية، مشدداً على أنها تتطلّب أيضاً نوعاً من المرونة والتوافق بين الأطراف الخارجية ذات الوجود والتأثير في مُجريات سورية. من جهته، ركّز بيدرسن على شرح المحطات المتعلقة بالعملية الدستورية، مع توضيح خريطة الاحتمالات التي تعزز التقدم بالعملية. وعن جولة المبعوث الأممي، قال الرئيس المشترك للجنة الدستورية، هادي البحرة، إن "جولة بيدرسن كانت للتشاور بخصوص دفع كامل العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن 2254 بما فيها اللجنة الدستورية". واستبعد البحرة، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، سيناريو وضع حلفاء النظام شرط دعم مؤتمر اللاجئين مقابل التقدم في العملية الدستورية، قائلاً: "علاقتنا مع الأمم المتحدة، أما بالنسبة للدول فلكل دولة سياستها وقرارها. وحتى اللحظة، لم تعلن أي دولة من الدول الشقيقة والصديقة الداعمة للحل السياسي مشاركتها في المؤتمر".
المعارضة تريد مناقشة المقدمة والمبادئ الدستورية
وعن اتهام مصدر دبلوماسي من النظام وفد المعارضة بعدم قبول تحديد موعد جديد لانعقاد الجولة الرابعة، في حين وافق النظام على ذلك، حسب ما نقلته صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، رفض البحرة الرد. واعتبر أن هذا التصريح لم يخرج من مصدر رسمي لوفد النظام، مفضلاً عدم التعليق أثناء سير المفاوضات لتحديد موعد جديد للجولة المقبلة. وخلال إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد زيارته دمشق، اتهم بيدرسن وفد النظام بعدم التجاوب مع حل وسطي تقدم به للتقريب بين النظام والمعارضة في ما يخص جدول أعمال الجولة المقبلة. ونوّه بتجاوب البحرة مع مبادرته، الأمر الذي دفع دولاً غربية، في مقدمتها الولايات المتحدة، إلى توجيه رسائلها نحو النظام السوري وروسيا، رفضاً لعقد مؤتمر اللاجئين، على اعتبار أنه محطة سياسية جديدة لتمييع مسار اللجنة الدستورية، بهدف الوصول إلى الانتخابات الرئاسية في سورية وربما تمرير التجديد للأسد لولاية أخرى. مع العلم أن الأميركيين والفرنسيين والألمان شدّدوا على عدم الاعتراف بالانتخابات المقبلة، ما لم تكن تحت رعاية الأمم المتحدة.