قالت مصادر إيطالية خاصة إنه "على الرغم من أن حكم محكمة النقض في إيطاليا، يوم السبت الماضي، برفض محاكمة أربعة مسؤولين في أجهزة أمنية مصرية، بتهمة خطف وتعذيب الباحث الإيطالي جوليو ريجيني (2016)، كتب فصل النهاية في القضية التي أدت إلى تسميم العلاقات بين القاهرة وروما، فإنّ هذه القضية لا تزال معلّقة بخيط رفيع تمسك به الأجهزة الأمنية الإيطالية، وتحديداً جهاز المخابرات".
قضية ريجيني: عناوين المتهمين بحوزة المخابرات الإيطالية
وأوضحت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن الحكم الذي أصدرته محكمة النقض العليا استند إلى السبب ذاته الذي استندت إليه محكمة إيطالية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بتعليق المحاكمة، وهو عدم معرفة عناوين الضبّاط المصريين المتهمين، وبالتالي اعتبرت المحكمة أنّه لم يتم إبلاغهم رسمياً بالتهم الموجهة إليهم، وهو ما أبطل الإجراءات.
والضباط الأربعة المتهمون بالقضية هم: اللواء طارق صابر، والعقيدان آسر كامل محمد إبراهيم وحسام حلمي، والرائد إبراهيم عبد العال شريف المتهم بتنفيذ عملية القتل.
وأكدت المصادر أن "عناوين الضبّاط المصريين، بالإضافة إلى أدلة مهمة أخرى، هي في حوزة المخابرات الإيطالية، لكنها تحتفظ بها ولا تريد تقديمها إلى جهات التحقيق، حتى لا تتدمر العلاقات التي تربط الحكومة الإيطالية بمصر".
قضية ريجيني لا تزال معلّقة بخيط رفيع تمسك به أجهزة الأمن الإيطالية، وتحديداً المخابرات
ولفتت المصادر إلى أن "جهاز المخابرات الإيطالية سوف يحتفظ بهذه الورقة ضمن ملفات أخرى، من أجل الضغط على الحكومة المصرية إذا لزم الأمر، وهذا أمر متعارف عليه في أجهزة المخابرات حول العالم".
وأكدت المصادر الإيطالية أنّ السلطات الإيطالية الرسمية اتبعت الطرق القانونية والقنوات الرسمية في التواصل مع السلطات المصرية من أجل تقديم الأدلة والمعلومات الخاصة بالقضية، لكنها فشلت في ذلك.
وشدّدت المصادر على أن "عناوين الضباط المصريين، وكل المعلومات عن الجريمة، بما فيها أماكن المقار الأمنية التي مرّ بها ريجيني قبل مقتله، معروفة لدى أجهزة الأمن الإيطالية، التي تتمتع بقدرة وكفاءة عالية في البحث الجنائي، يشهد لها التاريخ، وتشهد لها الدورات التدريبية التي تلقاها ضبّاط أميركيون وأوروبيون في مجال البحث الجنائي بواسطة الخبراء الإيطاليين". وأضافت المصادر أن "خبرة إيطاليا في البحث الجنائي تضاهي الخبرة الهولندية في القانون الدولي، لكنها لم تستخدمها".
من جهتها، قالت مصادر مصرية إن "النائب العام في مصر (حمادة الصاوي) لم يقرّر غلق قضية جوليو ريجيني إلا بعد أن تأكدت مصر أن أجهزة الأمن الإيطالية لن تقدم الأدلة التي في حوزتها إلى المحكمة، حرصاً على العلاقات بين حكومتي الدولتين".
مصر - إيطاليا: مصلحة متبادلة في صفقات التسليح
ولفتت المصادر المصرية، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحكومة المصرية بصدد تنفيذ أكبر صفقة أسلحة مع إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية، ستشتري مصر في إطارها أسلحة بقيمة 10 إلى 12 مليار دولار من إيطاليا"، مؤكدة أن الصفقة "في مراحلها النهائية، وستبدأ بشراء مقاتلات حربية".
وستحصل شركة ليوناردو الإيطالية على أول دفعة مالية، لصالح صفقة مقاتلات "تايفون" لمصر، تقدر قيمتها بين 280 إلى 420 مليون يورو.
وستحصل مصر بموجب الصفقة على 24 مقاتلة متعددة المهام من هذا النوع، وستقوم بدفع مقدم بقيمة 500 مليون دولار خلال عام من توقيع الصفقة، بينما يبلغ السعر الكلّي لصفقة التايفون 3 مليارات دولار.
وبعد سنوات من التفاوض، سيتم التوقيع على الصفقة قريباً، والتي تشمل 24 طائرة من طراز "يوروفايتر تايفون"، وستكون جزءاً من اتفاقية أوسع، تقدر قيمتها بين حوالي 10 و12 مليار دولار، وتشمل أيضاً سفناً حربية وطائرات مقاتلة وتدريب وقمر اصطناعي عسكري. كما تقوم شركة ليوناردو، بموجب الصفقة، بتزويد مصر بـ60 في المائة من إلكترونيات طيران "يوروفايتر تايفون".
وقالت المصادر إن قيمة الشركة الإيطالية السوقية سترتفع بعد الصفقة مع القاهرة، كما أنها ستقوي وضعها في أوساط شركات الدفاع الأوروبية.
وأوضحت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن "صفقة من هذا النوع لن تغامر الحكومة الإيطالية بخسارتها في أي حال من الأحوال، خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية العالمية التي تسببت بها جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، وأثّرت على اقتصادات دول العالم كافة وبينها إيطاليا، ورفعت نسب البطالة والتضخم بمعدلات غير مسبوقة في هذا البلد الذي لا يعد أصلاً من ضمن الدول الغنية في أوروبا".
وأضافت المصادر أن "تقديم 4 ضباط مصريين كبار للمحاكمة في روما بتهمة خطف وقتل وتعذيب، كان من شأنه أن يفجر أزمة كبرى بين الحكومتين المصرية والإيطالية، لا سيما أن محاكمة هؤلاء الضباط، كان من الممكن أن تكشف عن متورطين آخرين في القضية في مستويات أعلى داخل النظام المصري".
تبخر احتمال إجراء محاكمة في إيطاليا بشأن القضية حالياً، لكن القضية لا تزال معلقة
وبقرار محكمة النقض الإيطالية، تعتبر محاكمة الضباط المصريين المتهمين بخطف وتعذيب وقتل الباحث جوليو ريجيني عام 2016 في القاهرة "معلقة". وأكدت المصادر الإيطالية أنه "بعد قرار المحكمة العليا، تبخرت احتمالية إجراء محاكمة في إيطاليا بشأن قضية ريجيني في الوقت الحالي، لكن القضية لا تزال معلقة".
وكانت محكمة إيطالية قد قرّرت في أكتوبر الماضي تعليق المحاكمة، وأمرت بإعادة الأوراق إلى قاضي التحقيق الأولي، خشية عدم معرفة الضباط بأنهم متهمون، ما يُبطل الإجراءات. ووصفت أسرة ريجيني ومحاموه القرار آنذاك بـ"الانتكاسة".
وكان من المقرر بدء محاكمة الضابط المصريين الأربعة غيابياً في العاصمة الإيطالية روما، بحضور عائلة ريجيني، حيث كان الضباط يواجهون اتهامات باختطاف وتعذيب وقتل الباحث الإيطالي في مصر، وهو ما تنفيه السلطات المصرية. وتمّ تنظيم اعتصام يوم الجمعة الماضي أمام محكمة النقض الإيطالية بحضور والدي جوليو، كلاوديو ريجيني وباولا ديفيندي، بينما عُلقت لافتات صفراء حملت شعار "الحقيقة من أجل جوليو"، خارج المحكمة العليا.
وكان النائب العام المصري حمادة الصاوي قد قرّر (في ديسمبر/ كانون الأول 2020) أنه "لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في واقعة قتل واحتجاز المجني عليه جوليو ريجيني وتعذيبه بدنياً مؤقتاً لعدم معرفة الفاعل، وتكليف جهات البحث بموالاة التحري لتحديده".
كما قرّر الصاوي استبعاد ما نسب إلى أربعة ضباط وفرد شرطة في قطاع الأمن الوطني في تلك الواقعة، وألا "وجه لإقامة الدعوى الجنائية في واقعة سرقة منقولات المجني عليه بالإكراه" الذي ترك آثار جروح به لانقضائها بوفاة المتهمين. وذكر النائب العام أن التحقيقات بدأت بتاريخ الثالث من فبراير/ شباط 2016، مع اكتشاف المارَّة إلقاء جثمان المجني عليه في طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي، أعلى نفق حازم حسن، واستمرت لما يقارب من 5 أعوام دون انقطاع.
وكان ريجيني يجري أبحاثاً عن النقابات العمالية المصرية، وهي قضية سياسية حسّاسة، وتمّ خطفه في يناير/ كانون الثاني 2016 من قبل مجهولين، وعُثر على جثته المشوهة التي تحمل آثار تعذيب شديد، بعد أيام في ضواحي العاصمة المصرية. واتهمت إيطاليا السلطات المصرية بانتظام، بعدم التعاون والتضليل في التحقيق.