قدمت الشرطة العراقية عروضا مالية لحاملي السلاح مقابل شراء أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة، في خطة تهدف لحصر السلاح المنفلت بيد الدولة، وإنهاء أحد أعقد ملفات برنامج حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وكانت وزارة الداخلية العراقية قد أعلنت، منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، استعدادها لإطلاق مشروع جديد لـ"حصر السلاح بيد الدولة"، يتضمن شراء الأسلحة من العراقيين، مؤكدة أن 697 مركزاً لشراء الأسلحة باتت جاهزة إضافة إلى نافذة إلكترونية خصصت لهذا الغرض.
وقال سكرتير اللجنة الوطنية الدائمة لتنظيم الأسلحة في وزارة الداخلية، العميد منصور سلطان، الخميس، إن "الأسلحة التي تم ضبطها لدى المواطنين بلغت 25 طنا"، مضيفا أن "وزارة الداخلية تبحث حاليا عن الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وهي في مرحلة تنظيمية لتسجيلها، ومستعدة لشرائها من المواطنين".
وهذه المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات العراقية إلى شراء الأسلحة من حامليها في إطار مشروع "حصر السلاح بيد الدولة" الذي رفعته كل الحكومات منذ العام 2005، دون إحراز تقدم فيه، بل على العكس، بات السلاح في المتناول وسبباً في الجرائم والاعتداءات.
عمليات دهم وتفتيش لمصادرة السلاح
وتنفذ وزارة الداخلية العراقية بموازاة خطتها، حملة مداهمات وتفتيش في منازل بغداد والمحافظات الأخرى، أسفرت عن مصادرة كميات من الأسلحة.
وقال مدير العلاقات والإعلام في الوزارة اللواء خالد المحنا: "صادرنا العديد من الأسلحة غير المرخصة المنتشرة في المنازل"، مضيفا في تصريح صحافي أن "إجراءات قضائية مشددة ستتخذ بحق جميع الأفراد الذين يمتلكونها".
وأشار إلى استمرار المداهمات وترميز جميع أسلحة الدولة للسيطرة عليها ومنع بيعها عبر سوق السلاح.
"الإغراءات المالية لا تكفي"
وعلى الرغم من أن الجهات الحكومية لم تعلن رسميا أسعار شراء السلاح من المواطنين، قلل ناشطون من إمكانية السيطرة عبر الإغراءات المالية فقط.
وكشف ضابط في الشرطة لـ"العربي الجديد"، عن أن قيمة سعر سلاح "كلاشنكوف"، مثلا، ستكون أعلى بنحو 20 بالمائة من قيمته في السوق، فيما ستكون قيمة الأسلحة المتوسطة والثقيلة الضعف تقريبا نظرا لخطورتها وسعيا لترغيب المواطنين ببيعها للدولة، مشيرا إلى رصد نحو مليار دينار عراقي لكل محافظة بالمرحلة الأولى لتنفيذ الخطة التي ستنطلق قريبا.
وقال الناشط المدني عمار السلامي لـ"العربي الجديد": "على الوزارة أن تعلم أن خطتها لا تنهي انفلات السلاح، وستستطيع شراءه من المواطن البسيط فقط، إلا أن الفصائل المسلحة والعشائر المتنفذة ليست بحاجة للمال بقدر حاجتها لقوة السلاح".
وأضاف أن السلاح الثقيل والمتوسط في معظمه عند الفصائل وبنسبة أقل عند العشائر، مستدركا بالقول إن عدم وجود عقوبات مشددة تطاول أي جهة غير متعاونة في هذا الملف يجعل من إمكانية حصر السلاح بيد الدولة أمرا صعبا للغاية، "لذا فإن الملف يحتاج إلى قوة قانون وتطبيق عقوبات على المخالفين مهما كانت جهات ارتباطهم، فضلا عن عمليات الشراء والتفتيش وغيرها".
ويُعدّ السلاح المنفلت في العراق من أكثر المشاكل التي تعيق الأمن والاستقرار في البلاد، لما له من تأثيرات على الأمن المجتمعي. وسبق أن تعهد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ضمن برنامجه الحكومي بإنهاء هذه الظاهرة خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، وهو التحدي الذي أثيرت شكوك سياسية حول قدرته على الوفاء به.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق "كلاشنكوف"، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع "هاون" وقذائف "آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط البلاد.
وتملك غالبية هذه الأسلحة المليشيات والجماعات المسلّحة، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كإحدى ثقافات ما بعد الغزو الأميركي للبلاد، وانعدام الأمن، واضطرار العراقيين للتفكير بالدفاع عن أنفسهم من اللصوص والاعتداءات المتوقعة.