إعلان مصر توقف الجلسات المشتركة مع تركيا: ليبيا وأسباب أخرى

01 نوفمبر 2022
شكري: لم يطرأ تغيير تركي في ليبيا (مازن مهدي/فرانس برس)
+ الخط -

أعلن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في مقابلة صحافية مساء الجمعة الماضي، توقف الجلسات الاستكشافية المشتركة بين بلاده وتركيا بعد انعقاد جولتين منها، بحجة أنه "لم يطرأ تغيير على ممارسات الجانب التركي في ليبيا"، وهو ما أثار تساؤلات عن توقيت الإعلان، وما إذا كان الملف الليبي فقط وراء اتخاذ هذه الخطوة، أم أن هناك مستجدات أخرى.

وربط البعض بين الإعلان وبين انزعاج مصر من استمرار نشاط بعض المعارضين المصريين المقيمين في تركيا في التحريض ضد النظام والدعوة للتظاهر. 

وكان لافتاً إلقاء الشرطة التركية القبض على الإعلامي المصري المعارض، حسام الغمري، يوم الجمعة الماضي أيضاً، بحسب ما كشفه ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتبيّن بحسب ما أفاد الصحافي المصري المقيم في تركيا، خالد إسماعيل أن الأجهزة الاستخباراتية المصرية أبلغت نظيرتها التركية بأن حسام موضوع على "كود إرهابي"، وهو أمر لا بد أن تتعامل معه السلطات التركية بجدية، على حد قوله.


أيمن سلامة: من شأن حلحلة الموقف المأزوم بين الدولتين أن يحقق أعلى المكاسب والمنافع لشعوب الدولتين وحكومتيهما

وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أيمن سلامة، لـ"العربي الجديد"، إن "كلا من تركيا ومصر عقدتا جولات استكشافية من المفاوضات المباشرة، غير مرة، ولاحت في الأفق تصريحات إيجابية صدرت من رأس الدولة التركية الرئيس رجب طيب أردوغان، حول أهمية ترقية العلاقات الدبلوماسية مع مصر، حيث إن العلاقات بين البلدين مخفضة". 

مصر تتمسك بحقها السيادي

وأضاف سلامة أنه "على الرغم من هذه التصريحات الإيجابية، لكن في المقابل تتمسك مصر بحقها السيادي، في ضرورة أن تمنع وتوقف تركيا الحملات التحريضية والتدخل الهدام الذي تقوم به عناصر جماعة الإخوان المسلمين الموجودة في تركيا". 

وتابع أن "مصر أيضاً أبدت موقفاً إيجابياً مهماً ومبدئياً، حين قامت القاهرة بإبرام اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع اليونان، وهي الاتفاقية غير المكتملة، أي غير النهائية، حيث آثرت القاهرة ألا تقوم بإنهاء هذه الاتفاقية، إلا بعد ضمان عدم المساس بأية حقوق بحرية لتركيا في شرق البحر المتوسط، تكون على تماس مع أي من الدولتين، مصر واليونان".

واعتبر سلامة أن "هذا الموقف يُحسب بالفعل لمصر في هذا الصدد، وكان من المفترض أن يكون باعثاً لترقية العلاقات الدبلوماسية، وتبادل السفراء مرة ثانية بين أنقرة والقاهرة".

وأشار إلى أنه على الرغم من التوتر السياسي بين البلدين، وتخفيض العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ أكثر من 8 سنوات، لكن ذلك لم يؤثر على العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية بينهما.

تركيا فاعل مهم في المحيط الإقليمي والدولي

ورأى أن تركيا، في السنوات الأخيرة، "أصبحت فاعلاً مهماً في المحيط الإقليمي والدولي، وتجلى ذلك في نزاعات وأزمات دولية كبيرة معاصرة، ومصر أيضاً تلعب دوراً محورياً في الإقليم، وهي الدولة العربية الكبرى".

واعتبر أن "من شأن حلحلة الموقف المأزوم بين الدولتين، وتسوية كافة الخلافات بينهما، أن يحقق أعلى المكاسب والمنافع لشعوب الدولتين وحكومتيهما".

وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية إنه "إذا كان لبنان وإسرائيل، وهما المتحاربان حتى اللحظة الآنية، قاما بتعيين الحدود البحرية بينهما من أجل تحقيق أكبر مكاسب اقتصادية يمكن أن تحققها أي دولة في العالم، فإنه من المهم أيضاً في الحالة المصرية التركية، أن تقوم الدولتان بتعيين حدودهما البحرية، وفي أقرب وقت، لتحقيق المنافع الاقتصادية خاصة لمصر، في ظل الوضع الاقتصادي الحالي".

وحول التصريحات الإيجابية المتكررة من جانب أنقرة، اعتبر سلامة أن "الموقف التركي الإيجابي تجاه مصر، والسعي الحثيث من جانب أنقرة لاستعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين، ليس موقفاً استثنائياً".

وأشار إلى أنه "على الرغم من التوتر الشديد في العلاقات الذي وصل لدرجة التلاسن بين تركيا والسعودية بعد حادث تعذيب وقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، إلا أن الأمور عادت إلى نصابها الطبيعي وكانت هناك زيارات، والنهج ذاته حدث مع الإمارات، بالرغم أيضاً من التوتر الذي شاب العلاقات في الآونة الأخيرة".

وقال: "لذلك تركيا تيقنت أنه من الضروري أن تكون علاقاتها بالمحيط العربي، أو بدول الجوار العربي المهمة في المنطقة، مثل مصر والسعودية والإمارات إيجابية وطبيعية لتحقيق المصالح التركية العليا".

واعتبر سلامة أنه "لا يغيب عن البال أيضاً أن تركيا تواجه مشاكل، وأزمات كبيرة مع الاتحاد الأوروبي حتى هذه اللحظة، وأيضاً مع الجارتين قبرص واليونان، لذلك فخيار "صفر أزمات"، هو الذي ترغب تركيا في تحقيقه، تحديداً مع المحيط العربي، الذي لا يرضى عن التدخلات العسكرية التركية، سواء كانت في العراق وسورية أو ليبيا".

تباين الرؤى بشأن ليبيا سبب الأزمة

وفي مقابل سلامة، قلل مسؤول تركي فضل عدم الكشف عن هويته، من عمق الخلاف بين القاهرة وأنقرة أخيراً، لافتاً إلى أن السبب الرئيسي في تعطل بعض الخطوات الرسمية بشأن استعادة العلاقات الكاملة بين البلدين، تتمثل في تباين الرؤى بشأن الأزمة الليبية.


دبلوماسي تركي: أنقرة تعتقد أن الموقف المصري مجرد ضغوط من القاهرة لتحقيق بعض المطالب والمكاسب
 

وقال المسؤول التركي إن بلاده تتبنى سياسة عدم الضرر بالمصالح المصرية في ليبيا، وهو ما تم التأكيد عليه في أكثر من مناسبة، سواء خلال الجولات الاستكشافية التي جرت في القاهرة وأنقرة، أو في لقاءات جرت على مستوى الممثلين الخاصين للدولة المعنية بالأزمة الليبية.

وأوضح المسؤول التركي أنه "في المقابل ترغب القاهرة في فرض رؤية مطلقة تتجاوز مصالحها الخاصة في ليبيا، إلى حدود مصالح شركائها أو حلفائها، بشكل يرقى للمساس بمصالح أنقرة".

ولفت إلى أنه في الوقت الذي تعطي فيه القاهرة الحق لنفسها، ولحلفائها، بتوقيع اتفاقيات دولية في شرق المتوسط، تعترض وترفض اتباع أنقرة نفس النهج مع شركائها، دون أي مساس بمصالح مصر.

وقال: "عرضنا في السابق على المسؤولين في مصر آلية تنسيقية مختصة بالأزمة الليبية، وتنسيق المواقف بشكل أوسع، وهو الأمر الذي لم يلق قبولاً بدرجة كبيرة لدى الجانب المصري الذي فضل التنسيق مع أطراف أخرى". 

وأوضح أن أنقرة لا تزال عند موقفها المؤكد على الحرص على العلاقات مع مصر واستعادة حيويتها، مضيفاً: "في المقابل يجب التوصل لصيغة تراعي مخاوف الجانبين ومصالحهما، مع الحفاظ على طبيعة خصوصية كل دولة".

وحول باقي ملفات الخلاف بين البلدين وعلى رأسها ملف المعارضة المصرية في تركيا، أكد المسؤول التركي أن هذا الملف لم يعد مطروحاً بدرجة كبيرة، على طاولة الاتصالات الخاصة بين الجانبين، في إشارة إلى اتصالات على المستوى الاستخباري. 

وأوضح أن "الجانب المصري أبدى سابقاً رضاه عن إجراءات اتخذتها تركيا في هذا الصدد، ونحن ملتزمون بذلك، وماضون في منع أية أنشطة سياسية تستهدف الأوضاع في مصر".

محاولة ضغط مصري لتحقيق مكاسب في ليبيا

من جهته، قال مصدر دبلوماسي تركي، لـ"العربي الجديد"، إن أنقرة "تعتقد أن سبب تصريح وزير الخارجية المصري، وإعلان وقف الجولات الاستكشافية يتزامن مع الزيارة الرفيعة للوفد التركي إلى طرابلس، والموقف التركي من الملف الليبي". 

ووضع الدبلوماسي هذا الأمر في إطار "محاولة ضغط من قبل القاهرة لتحقيق مكاسب من الجانب التركي على الساحة الليبية، إلى حين إجراء الانتخابات في ليبيا ووضوح المستقبل السياسي في البلاد". 

وأشار إلى أن "القاهرة ربما كانت تأمل مشاركة رفيعة بقمة المناخ من قبل تركيا، ولكن حتى الآن لم تؤكد أنقرة المشاركة على مستوى الرئاسة، بل على المستوى الوزاري. وبالتالي تعتقد أنقرة أن الموقف المصري الحالي مجرد ضغوط من القاهرة لتحقيق بعض المطالب والمكاسب".

وكانت القاهرة دعت المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، بدعوى انتهاء صلاحية الاتفاق السياسي الذي تشكلت بموجبه، في يونيو/ حزيران الماضي، وهي الحكومة التي وقعت اتفاقية جديدة مع تركيا تسمح للأخيرة بالتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الليبية.

وفي مقابلة مع قناة "العربية"، دعا شكري أطراف النزاع في ليبيا إلى احترام اتفاق الصخيرات الموقع في عام 2015، والالتزام بالمعايير والقواعد الدولية، مطالباً الأمم المتحدة والجهات المعنية بالتعامل مع ما سماه "الحكومة الليبية الشرعية"، والتي صادق عليها مجلس النواب في طبرق، في إشارة إلى حكومة فتحي باشاغا.

يذكر أن تركيا كانت أعلنت، في مارس/آذار 2021، استئناف اتصالاتها الدبلوماسية مع مصر. كما وجهت وسائل الإعلام المعارضة العاملة على أراضيها بتخفيف النبرة تجاه القاهرة. وفي 5 و6 مايو/أيار 2021 زار وفد تركي، برئاسة نائب وزير الخارجية، سادات أونال، القاهرة في أول زيارة من نوعها منذ 2013، وأجرى محادثات "استكشافية" مع مسؤولين مصريين بقيادة نائب وزير الخارجية حمدي سند لوزا لبحث التقارب وتطبيع العلاقات بين البلدين.