إعلان تبون فتح حوار وطني: بداية جديدة أم عنوان سياسي بلا مضمون؟

17 سبتمبر 2024
تبون أثناء أدائه اليمين الدستورية، 17 سبتمبر 2024 (الرئاسة الجزائرية)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن حوار وطني شامل**: أعلن الرئيس تبون عن نية الحكومة فتح حوار وطني شامل مع جميع القوى الوطنية، بهدف دمقرطة التنمية والحقوق المعيشية. ومع ذلك، تبقى تفاصيل الدعوة غامضة.

- **ردود الفعل من الأحزاب السياسية**: تباينت ردود الفعل؛ حزب العمال شدد على شمولية الحوار وحرية التعبير، بينما عبّر آخرون عن شكوكهم في جدية الدعوة.

- **تداعيات الانتخابات والحراك الشعبي**: يرى الناشط إسلام بن عطية أن نجاح الحوار يعتمد على معرفة أطرافه وضماناته، محذراً من تعميق الإحباط إذا لم يكن الحوار جاداً.

أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اليوم الثلاثاء، عن عزم الحكومة فتح حوار وطني شامل مع جميع القوى الوطنية و"الطاقات الحية" في البلاد، بهدف إشراكها في صياغة السياسات السياسية والاقتصادية للجزائر. ولكن تبقى تفاصيل هذه الدعوة غامضة، حيث لم يتضح بعد ما إذا كانت ستتجاوز اللقاءات الشكلية السابقة التي عقدها الرئيس مع قادة الأحزاب والتنظيمات، أم أنها ستأخذ منحى جديداً.

في كلمة ألقاها بعد أدائه اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية، وبحضور كبار المسؤولين في الدولة، صرح الرئيس تبون: "خلال العهدة الثانية، وفي ظل الظروف المناسبة، سنقوم باتصالات كثيفة واستشارات مع كل الطاقات الحية للبلد، وندخل في حوار وطني مفتوح لنخطط معاً للمسيرة التي سننتهجها، لتجسيد الديمقراطية الحقة وليس ديمقراطية الشعارات"، في إشارة منه إلى رغبته في تجاوز المعنى والممارسة التقليدية للديمقراطية المرتبطة حصراً بالممارسة السياسية، إلى دمقرطة التنمية والحقوق المعيشية للجزائريين، كفرص العمل والصحة والتعليم وغيرها.

ومع ذلك، يبقى مفهوم "الحوار الوطني المفتوح" غير واضح، خاصة أن الرئيس يتحدث عن "التخطيط معاً"، وسط تساؤلات حول هذه الدعوة، وهل تسفر عن شراكة سياسية حقيقية تتضمن القوى الوطنية والهيئات التمثيلية والمهنية في رسم الخيارات، أم أن الأمر مجرد عنوان سياسي يتماشى مع طبيعة الخطاب والمناسبة.

بالنسبة لغالبية الأحزاب السياسية، فإن إعلان الرئيس تبون عن نيته انتهاج حوار وطني ما زال غير واضح، ما يجعلها غير قادرة على تقديم تقييم أو تفسيرات سياسية سريعة لتصريحاته. حزب العمال اليساري بقيادة لويزة حنون كان من أوائل المتفاعلين مع خطاب الرئيس، إذ أصدر بياناً مقتضباً أشار فيه إلى أن "القضايا السياسية هي من مسؤولية الفاعلين السياسيين، سواء الأحزاب أو الشخصيات الوطنية، باعتبارها مسألة جوهرية". وشدد الحزب على أن "الحوار يجب أن يكون شاملاً لكل الشعب الجزائري دون أي إقصاء، في نقاش وطني حر وديمقراطي، بما يتيح في نهايته تحديد شكل ومضمون المؤسسات والأدوات الضرورية لممارسة السيادة الكاملة"، معتبراً أن "هذا هو جوهر الديمقراطية الحقيقية".

كما أكد البيان أن "نجاح هذا الحوار يتطلب رفع جميع القيود المفروضة على حرية التعبير السياسي والصحافة، والدفع نحو انفتاح سياسي وإعلامي حقيقي، مع إنهاء جميع أشكال التجريم المرتبطة بممارسة الحريات الديمقراطية".

ضرورة تدابير استباقية لتعزيز الحوار

يرى القيادي في حركة مجتمع السلم، عبد الرحمن سعيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حديث الرئيس تبون عن الحوار خطوة جريئة إذا جرى تنفيذها، لكنه يعبر عن شكوكه بشأن ما إذا كانت هذه الدعوة مجرد عنوان سياسي فرضته المناسبة أم أنها تعبير عن نية حقيقية. من جهته، أكد إبراهيم عوف، القيادي في جبهة القوى الاشتراكية، التي شاركت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بمرشحها السكرتير الأول يوسف أوشيش، أن الحديث عن حوار وطني وتجسيد الديمقراطية الحقة يعد مؤشراً إيجابياً، لكنه يحذر من أن التجارب السابقة جعلت الجميع أكثر حذراً.

وأوضح أن "الحوار الوطني كان دائماً مطلباً لحزبهم، لكنه يتطلب إجراءات لبناء الثقة، مثل إطلاق سراح معتقلي الرأي، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وفتح المجال السياسي والإعلامي لمختلف الأصوات". هذه التدابير، بحسب عوف، يمكن أن "تكون بوادر حسن نية لتوفير بيئة ملائمة لحوار وطني جاد، بانتظار معرفة أهداف الحوار وطبيعته".

يشير هذا التقييم السياسي إلى مسافة حذرة تجاه عنوان الحوار، لا سيما في ضوء التجربة السابقة خلال ولاية الرئيس تبون الأولى، التي شملت سلسلة من اللقاءات مع قادة الأحزاب والنقابات، ولكن دون تأثير كبير بالسياسات الحكومية. في المقابل، تُعبر القوى السياسية والمدنية عن قلقها المستمر من التضييق على الحريات، وحق التنظيم، واحتكار الشارع أمام الاحتجاجات السياسية والعمالية، ما يعني أن شروط الحوار السياسي تتطلب نقاشاً مسبقاً لتوفيرها.

جزء من تداعيات الانتخابات

ويرى الناشط البارز في الحراك الشعبي عام 2019 وما قبله، إسلام بن عطية، أن الوقت ما زال مبكراً لإصدار أحكام على نوايا السلطة بشأن جدية الدعوة إلى الحوار الوطني. في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أكد بن عطية أن "الحوار كان وسيبقى مطلباً رئيسياً لكل الطبقة السياسية في الجزائر للخروج من حالة الانسداد"، مضيفاً أن صدق نوايا السلطة سيتضح من خلال الإجراءات المرافقة لهذه الدعوة، مثل معالجة ملف معتقلي الرأي، وحل الإشكاليات المتعلقة بإغلاق الإعلام، باعتبارها مؤشرات أولية على نوايا السلطة الحقيقية. وشدد بن عطية على أن نجاح الحوار يعتمد على معرفة أطرافه، ومواضيعه، وضماناته لتجنب فشل التجارب السابقة التي اتسمت بالتلاعب وربح الوقت.

من جهة أخرى، أشار بن عطية إلى أن انتقال السلطة من حالة الإنكار لواقع الأزمة والإصرار على سياسة الغلق والرؤية الواحدة، إلى لغة الحوار، هو دليل على حجم التأثير الذي خلفته العملية الانتخابية، وحالة التخبط في إدارتها، بالإضافة إلى العزوف العام عن المشاركة فيها. وأوضح أن "هذا التحول يأتي في ظل تغييرات دولية وإقليمية متسارعة، تعمل كثير منها ضد استقرار الجزائر". لهذا شدد على ضرورة تحصين الجبهة الداخلية، مؤكداً أن "الحوار، إذا صدقت نوايا السلطة، يمكن أن يكون نقطة انطلاق صحيحة للخروج من الأزمات الداخلية، والتطلع إلى مواجهة التحديات الخارجية المعقدة". لكن بن عطية حذر من أن "التلاعب بعنوان الحوار من قبل السلطة سيؤدي إلى تعميق الإحباط وزيادة أزمة الثقة الموجودة أصلاً".