إعادة هيكلة جيش النظام السوري: جذب المتطوعين ومراكمة البدل المادي

30 يونيو 2024
عنصران من جيش النظام بمنبج، 2 نوفمبر 2019 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد 13 سنة من الحرب الداخلية، يسعى بشار الأسد لإعادة هيكلة الجيش السوري المتضرر، مع تراجع الإقبال على الخدمة العسكرية، وإعلان خطة لتسريح المجندين الاحتياطيين بعد فترات خدمة محددة لتحفيز الالتحاق.
- الخطة تشمل تحويل الجيش إلى قوة تعتمد على المتطوعين مع تقديم حوافز، وتوسيع الفئات العمرية المؤهلة لدفع بدل نقدي بدلاً من الخدمة لتعزيز الموارد المالية.
- الدوافع المالية وضغوطات خارجية، خصوصاً من روسيا، تحفز النظام على هذه الإجراءات، رغم الشكوك حول جديتها وقدرتها على تحقيق تغيير حقيقي في بنية وأداء الجيش.

بعد 13 سنة من الحرب الداخلية في سورية، يحاول رئيس النظام بشار الأسد هيكلة جيش النظام السوري الذي تعرّض لخسائر كبيرة خلال الحرب بالعناصر والمعدات، في ظل عزوف معظم الشباب في سورية عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، ومحاولاتهم للتهرب منها، ما يجعل هذا الجيش يعاني بشدة من نقص في الكوادر البشرية، بالتزامن مع نقص في موارد النظام المالية، وعدم قدرته على جذب الشباب للتطوع في صفوفه.

وأعلن مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع بحكومة النظام السوري، اللواء أحمد سليمان، الأربعاء الماضي، في إطار الحديث عن هيكلة جيش النظام السوري قرارات جديدة حول الخدمة العسكرية الاحتياطية والإلزامية والتطوعية. وقال سليمان، خلال لقاء مع تلفزيون النظام، إن الوزارة جدولت خطة زمنية للخدمة الاحتياطية تتكون من ثلاث مراحل، تبدأ مطلع الشهر المقبل وحتى نهاية العام الحالي، يُسرَّح خلالها كل من أمضى ست سنوات في الخدمة ما قبل نهاية يونيو/ حزيران الحالي، إضافة إلى تسريح من أمضى خمس سنوات ونصف سنة حتى نهاية أغسطس/ آب المقبل.

محمد الحاج علي: العنوان الرئيسي من وراء هيكلة جيش النظام السوري هو الوضع المادي

وأضاف أنه في نهاية العام الحالي سيُسرَّح كل من أمضى في الخدمة الاحتياطية أربع سنوات ونصف سنة، مشيراً إلى أن المرحلة الثانية من الخطة تبدأ العام المقبل، وترمي إلى تسريح من أتمّ أربع سنوات حتى نهاية الشهر الأول من العام المقبل، بينما يُسرَّح من أمضى ثلاث سنوات ونصف سنة حتى نهاية فبراير/ شباط 2025. وأضاف أن الخطة ستمضي بهذا الشكل إلى أن يُسرَّح من أمضى سنتين في الخدمة الاحتياطية حتى نهاية مايو/ أيار العام المقبل، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2025. وأوضح سليمان أنه مع نهاية المرحلة الثانية من الخطة، سيكون الحد الأقصى للخدمة الاحتياطية عامين فقط. لكنه لفت إلى أن المدة الزمنية للخدمة الاحتياطية في المراحل الثلاث قابلة للتعديل زيادةً أو نقصاناً، وذلك حسب نسب الالتحاق. ووفق سليمان، فإن "عشرات الآلاف من العسكريين سيُسرَّحون من الخدمة حتى نهاية العام الحالي، ومثلهم خلال العام المقبل مع المحافظة على الجاهزية القتالية".

الغاية من خطوات هيكلة جيش النظام السوري

وحول الغاية من خطوات هيكلة جيش النظام السوري قال سليمان إن الهدف هو "الوصول إلى جيش متطور يعتمد على المتطوعين من خلال عقود التطوع الجديدة، التي تنص على أن من يؤدي خمس سنوات عقد تطوع ولا يرغب في الاستمرار، سيُسرَّح". وأوضح أنّ المتطوع المُسرَّح لن يُدعى إلى الاحتياط أو الاحتفاظ، قبل مرور خمس سنوات على تسريحه، إذا كان متطوعاً لمدة خمس سنوات، وفي هذه الحالة يُدعى إلى الاحتياط لمدة سنة واحدة فقط دفعة واحدة أو لفترات متفرقة، إما إذا كان تطوعه لعشر سنوات، فلا يُدعى إلى الاحتياط أبداً.

وفي نقطة رئيسية أخرى، تشير إلى سعي النظام لتوسيع الفئات التي يحق لها دفع بدل نقدي عن الخدمة، قال سليمان إن هناك دراسة جاهزة، وسيصدر لاحقاً صك تشريعي بشأن دفع البدل لمن بلغ 38 سنة بدلاً من 40 سنة في الوقت الحالي، لافتاً إلى أن "مفهوم الخدمة الإلزامية سيتغير نتيجة التطوير والاعتماد على المتطوعين، بدل المجندين".

الحاج علي: الهدف هو المال

وفي هذا الإطار، رأى اللواء محمد الحاج علي، وهو أبرز رتبة عسكرية انشقت عن جيش النظام السوري، وكان يشغل منصب مدير كلية الدفاع الوطني في الأكاديمية العسكرية العليا التابعة لجيش النظام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن العنوان الرئيسي من وراء هيكلة جيش النظام السوري هو الوضع المادي. وأضاف: "النظام يسعى لدفع المطلوبين للخدمة إلى دفع البدل النقدي بدل الخدمة، بغية تمويل الشق الثاني من هذه الخطة، المتمثل بطلب متطوعين للجيش على أسس جديدة بعيداً عن نظام التطوع السابق الذي يعني التطوع مدى الحياة". وأعرب الحاج علي عن اعتقاده أن "الموضوع مادي بشكل أساسي، ولا أعتقد أنّ التجنيد الإلزامي سيُلغى، لكنهم يسعون لتوسيع نطاق الفئات القادرة، أو التي يحق لها دفع بدل نقدي بدل الخدمة، لتشمل المزيد من الفئات العمرية في كل أنحاء العالم".

محمد الجزار: روسيا تسعى منذ سنوات لحث النظام على إعادة هيكلة المؤسستين العسكرية والأمنية بغية ضبطهما

ومن جهة أخرى، رأى الحاج علي أن النظام يستجيب من وراء إعادة هيكلة جيش النظام السوري أيضاً لنصيحة روسية بضرورة الاعتماد على المتطوعين بدل المجندين، بخاصة مع التراجع المستمر في أعداد المتطوعين ضمن الجيش خلال السنوات الماضية، وعزوف الشبان عن التطوع، بسبب صعوبة التسريح وفق النظام السابق للخدمة، أي إن التطوع سيكون أبدياً.
وعبّر عن أمله "بوجود خطة لإصلاح القوات المسلحة السورية"، لكنه أضاف: "أعتقد أنّ من الصعب وربما المستحيل حدوث ذلك، بسبب الفساد المستشري، وربط الجيش بالتوجه السياسي للنظام، ما يجعل إصلاح الجيش مستحيلاً دون إصلاح النظام السياسي نفسه".

البدل النقدي

ووفق المرسوم رقم 31 الذي أصدره رئيس النظام في عام 2020، يحق للمكلف بالخدمة العسكرية المقيم خارج سورية دفع بدل نقدي عن الخدمة يبلغ 7000 دولار أميركي لمن كانت إقامته لا تقلّ عن أربع سنوات قبل أو بعد دخوله سنّ التكليف، و8000 دولار لمن كان مقیماً مدة لا تقلّ عن ثلاث سنوات بعد دخوله سنّ التكليف، و9000 دولار لمن كان مقیماً مدة لا تقلّ عن سنتين، و10 آلاف دولار لمن كان مقيماً مدة لا تقلّ عن سنة واحدة بعد دخوله سنّ التكليف. أما من ولد في دولة عربية أو أجنبية وأقام فيها أو بغيرها إقامة دائمة ومستمرة حتى دخوله سنّ التكليف، فيدفع مبلغ 3000 دولار أميركي، و6500 دولار لمن ولد وأقام في دولة عربية أو أجنبية مدة لا تقلّ عن عشر سنوات قبل دخوله سنّ التكليف.

وما يشير إلى أن الهدف من هيكلة جيش النظام السوري هو الحاجة الماسة للأموال، أصدر رئيس النظام في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي مرسوماً آخر يجيز للمكلف بالخدمة العسكرية الاحتياطية المقيم في سورية، وبلغ سنّ الأربعين، دفعَ مبلغ نقدي بدلاً من الخدمة قيمته 4800 دولار أميركي أو ما يعادله بالليرة السورية. كذلك أجاز المرسوم لمن التحق بالخدمة العسكرية الاحتياطية وبلغ سنّ الأربعين، وما زال يؤدي خدمته، دفع البدل النقدي المذكور، على أن يُقتطَع مبلغ 200 دولار أميركي أو ما يعادله بالليرة السورية عن كل شهر أداه المكلف في خدمته العسكرية الاحتياطية.

وبرأي عسكريين منشقين، فإنّ المرسوم يعكس عدم قدرة النظام على تغطية نفقات خدمة الاحتياط من رواتب وإعاشة، وقد لجأ إلى خطوة هيكلة جيش النظام السوري من أجل رفد خزينته، والتخفف من رواتب من يؤدي الخدمة الاحتياطية، ذلك أن هذه الفئة تتقاضى رواتب مماثلة لما يتقاضاه الفرد في حياته المدنية، خلافاً للمجندين الذين يؤدون الخدمة الإلزامية والذين يتقاضون رواتب زهيدة جداً.

تآكل قوات النظام

وبعد 13 سنة من الحرب، تشير التقديرات إلى تراجع قوام قوات النظام السوري إلى الربع بشكل عام، بعد أن زجّ النظام الجيش في مواجهة الاحتجاجات السلمية بعد عام 2011، ومن ثم الفصائل المسلحة، وما تخلل ذلك من انشقاقات كثيرة عنه، والخسائر الكبيرة التي تكبدها بالقوى البشرية والمعدات، ما حوّله اليوم إلى هيكل مليشياوي، أكثر منه جيشاً نظامياً.
وكشفت دراسة نشرها مركز "حرمون"، وأعدها اللواء محمد الحاج علي، والعميد خالد إبراهيم، المُنشقان عن جيش النظام، وصدرت في يونيو/ حزيران 2021، أنه على صعيد القوى البشرية لم يبقَ في الجيش السوري بحدوده القصوى أكثر من 150 ألف مقاتل، معنوياتهم منهارة، ومعظمهم موزعون على الحواجز وحراسة قادتهم. وأضافت أن لدى جيش النظام اليوم أقل من 1000 دبابة (4000 قبل الحرب) وأقل من 800 عربة مدرعة، وأقل من 1200 مدفع من مختلف العيارات. أما على صعيد الطيران، فقد خسر جيش النظام معظم طائراته الحربية، وبقي أقل من 50 طائرة ميغ مقاتلة، وأقل من 20 طائرة سوخوي قاذفة، ومثلها مروحيات، وجميع هذه الطائرات من الأنواع القديمة، وقدراتها الفنية ضعيفة، وتحتاج إلى عمليات صيانة فنية. وقبل الحرب، كان إجمالي القوات المسلحة السورية يقدر بنحو 300 ألف، وأكثر بقليل من هذا العدد في قوات الاحتياط.

وفي إطار هيكلة جيش النظام السوري أصدر النظام خلال الشهور الماضية سلسلة من القرارات تتعلق بالمؤسسة العسكرية، التي يقول إن الهدف منها الوصول إلى "جيش محترف حديث ومتطور"، منها استبدال "إدارة الكيمياء" في الجيش بإدارة "الوقاية الكيميائية" ودمج مؤسسة الأشغال العسكرية بمؤسسة الإسكان العسكري، وإدارة النقل بإدارة المركبات.

دمج القوات الرديفة

ورأى الباحث محمد الجزار، في حديث مع "العربي الجديد"، أن من بين الخيارات أمام النظام لتعويض الفاقد والنقص في كوادره البشرية، محاولة استقطاب عناصر "القوات الرديفة"، أي عناصر المليشيات التي تشكلت خلال الحرب السورية، والتي بات معظمها يدين بالولاء لجهات خارجية، مثل إيران وروسيا. وسعى النظام، وفق الجزار، لدمج هذه المليشيات في قواته تحت بند التطوع، بغية الاستفادة من خبراتها العسكرية من جهة، وحصر ولائها بقيادة الجيش، وليس لجهات خارجية.

وأوضح أن روسيا تسعى منذ سنوات لحثّ النظام على إعادة هيكلة المؤسستين العسكرية والأمنية بغية ضبطهما، وقطع الطريق على إيران للسيطرة عليهما. وأضاف أنه في الإطار نفسه، جاءت الخطط المعلنة للنظام لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية عبر العديد من التنقلات وعمليات الدمج، والاجتماع العلني لأول مرة بين رئيس النظام وقادة هذه الأجهزة، قبل أشهر، وذلك بهدف الترويج إقليمياً ودولياً لقدرة النظام على ضبط هذه الأجهزة، وتأكيد ولائها المطلق له، ومنع التضارب في عملها، بغية الإيحاء باستجابة النظام للدعوات الخارجية إلى ضرورة إصلاح نفسه وتعديل سلوكه، في شرط للانفتاح عليه، في وقت تشكل الأجهزة الأمنية وقوات الجيش العنوان الرئيسي للإصلاحات المقترحة، باعتبارهما الذراع القمعية للنظام التي تورطت بسفك الدم السوري خلال السنوات الماضية. ورأى الجزار أن خطوات هيكلة جيش النظام السوري ما زالت قاصرة، وغير جدية، وقوامها تبديل الأشخاص والتسميات، مع الحفاظ على جوهر المؤسسات، وطريقة عملها البعيدة عن الشفافية أو المراقبة، والولاء للوطن، بدل النظام.