خلال جولته في منطقة توشكى جنوبي مصر أول من أمس الخميس، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن "التحديات في مصر أكبر من أي رئيس وحكومة، لكنها لم تكن أكبر من الشعب المصري"، مضيفاً في لقاء مع مجموعة من الصحافيين والإعلاميين بعد الجولة: "نحتاج إلى حوار سياسي يتناسب مع فكرة بناء الجمهورية الجديدة". كما تحدث عن "مبادئ الإصلاح الاقتصادي".
وقالت رئاسة الجمهورية المصرية إنه خلال لقائه مع الصحافيين، أجرى السيسي "حواراً مفتوحاً استمع فيه إلى الاستفسارات والشواغل بشأن أهم القضايا الداخلية والخارجية التي تهم الرأي العام في إطار عدة محاور رئيسية".
وأشارت إلى أن "في مقدمة هذه القضايا التداعيات الاقتصادية للأزمة الروسية الأوكرانية على مصر، وانعكاساتها على زيادة الأسعار، واستراتيجية الدولة للتعامل مع تلك التداعيات، فضلاً عن التحديات الداخلية الأخرى مثل (جهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف والحفاظ على الهوية الوطنية وكيفية التناول الإعلامي والدرامي في هذا الإطار)".
السيسي: نحتاج إلى حوار سياسي يتناسب مع فكرة بناء الجمهورية الجديدة
وأضافت أن الحوار "تطرق كذلك إلى القضية السكانية وأبعادها المختلفة وتأثيرها السلبي على مسيرة التنمية، وكذلك استراتيجية الدولة للإصلاح الاقتصادي، فضلاً عن تناول عدد من المشروعات القومية الكبرى خاصة مبادرة حياة كريمة لتنمية قرى الريف المصري".
دوافع حديث السيسي عن حوار سياسي
وفسر سياسيون حديث السيسي ولا سيما عن الحوار السياسي، بأنه "يعبر عن أزمة كبيرة تهدد استقرار النظام، بسبب عوامل من بينها الأزمة الدولية المترتبة على الحرب الروسية على أوكرانيا، وما تبعها من تأثر سلاسل الإمداد، بعد سنوات من تأثرها بسبب جائحة كورونا، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر بسبب النقص الحاد في العملة الأجنبية، والارتفاع الحاد في فاتورة الدين".
وقال أحد القيادات الحزبية السابقة، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إن "الأوضاع التي تعيشها البلاد، بالإضافة إلى التقارير التي تعدها الجهات الأمنية عن الوضع في الشارع، والضغوط الخارجية التي تمارس على النظام في ملف حقوق الإنسان، قد تكون هي الدافع وراء إطلاق الرئيس لدعوة الحوار السياسي. لكن السؤال الآن، هو مع من يجري الرئيس الحوار؟".
وأوضح القيادي الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "الحوار السياسي المتعارف عليه في العلوم السياسية، يكون متعدد الأطراف، بمعنى أنه يجب أن يضم مختلف الأطياف السياسية والمعارضة، بينما جزء كبير من المعارضة المصرية يقبع داخل السجون، ويعيش جزء آخر في المنافي".
وتساءل المصدر "كيف سيجري النظام حواراً سياسياً في ظل تهميش كافة القوى السياسية، والتنظيمات الحزبية، والمؤسسات العمالية، والنقابات المهنية، وهي الجهات التي من المفترض أن تشارك في القرار السياسي للدولة".
وكان المصدر ذاته قد أكد في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، أنه "بات على النظام المصري أن يغيّر من سياسته القائمة على احتكار الحكم، وفتح المجال أمام القوى السياسية المختلفة للمشاركة في إدارة البلاد".
قيادي حزبي سابق: كيف سيجري النظام حواراً سياسياً في ظل تهميش كافة القوى السياسية؟
ضمانات مطلوبة لنجاح الحوار
من جهته، علّق قيادي حزبي آخر على تصريحات السيسي، بالقول إن "اقتناع الرئيس بضرورة فتح حوار سياسي، أمر جيد في حد ذاته، لكنه يتطلب الكثير من الضمانات التي تكفل نجاح هذا الحوار، وأهمها فتح المجال العام أمام التنظيمات السياسية المختلفة، ورفع القيود المفروضة على المجتمع المدني بشكل عام، والإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين".
وأكد المصدر نفسه في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مثل هذه الإجراءات ستجنّب النظام التبعات الخطيرة للانفراد بالسلطة والقرار، وتسمح للجميع بطرح وجهات نظر مختلفة تصب في النهاية في الصالح العام".
وأشار القيادي إلى أن "تعسف النظام في تطبيق قانون مكافحة الإرهاب، والتوسع الكبير في محاكم دائرة الإرهاب، إضافة إلى استخدام التعريفات الفضفاضة والغامضة للإرهاب التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وأولئك الذين يمارسون حقوقهم السياسية وحرياتهم الإنسانية الأساسية، بما في ذلك حريات التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات وإصدار الصحف، من شأنه أن يضر بأمن المجتمع ويحرم مصر من خيرة عقولها التي من المفترض أن تساهم في تقدمها".
محاصرة الأحزاب السياسية المصرية
وشدد القيادي الحزبي على أن "الحوار السياسي الذي تحدث عنه الرئيس السيسي يجب أن تشارك به الأحزاب السياسية في المقام الأول، لكن وضع الأحزاب الحالي يدعو إلى الشفقة، فعلى الرغم من أن عددها بلغ ما يقرب من 84 حزباً سياسياً قانونياً؛ إلا أن الواقع يكشف عن أن معظمها مجرد كيانات كرتونية، بسبب القيود التي يفرضها النظام عليها. أما البقية، فهي أحزاب أنشأتها الأجهزة الأمنية لدعم النظام السياسي".
وتابع المتحدث نفسه أن "أهمية دور الأحزاب ترجع إلى أن الأخيرة أحد المفاهيم السياسية الحديثة التي أفرزتها فكرة الديمقراطية وسيادة الشعب، والتي من المفترض أن تلعب دوراً مهماً وحيوياً في الحياة السياسية".
وأشار إلى أن "الأحزاب إما تستلم السلطة وتدير الحكومة وتسيطر على البرلمان بناء على فوزها في الانتخابات، أو تكون في جهة المعارضة في حال خسارتها، وفي هذه الحالة فهي تلعب دور المراقب والمحاسب للحكومة. غير أن ذلك لا يحدث في الحقيقة على أرض مصر".
وأوضح المصدر نفسه أن "من بين وسائل حصار الأحزاب السياسية التي يتبعها النظام في مصر، والتي تضعف دورها إلى حد التلاشي، هي القبضة الأمنية القوية والغاشمة، والتي تسببت في عزوف المواطنين من الانخراط في الأحزاب خوفاً من مصير الاعتقال، بالإضافة إلى إغلاق المجال العام كلياً، ووصم المعارضين وفكرة المعارضة نفسها، باتهامات الخيانة والعمالة، ونشر مناخ الكراهية والتحريض ضد كل من يختلف مع النظام".
قيادي حزبي: الحوار السياسي الذي تحدث عنه الرئيس السيسي يجب أن تشارك به الأحزاب السياسية في المقام الأول
وأضاف المصدر أن "من ضمن وسائل السيطرة على الأحزاب السياسية، وهي طريقة قديمة، زرع الأذرع الأمنية داخل هذه الأحزاب، إما لكتابة التقارير عما يحدث داخلها، أو العمل على بث الفتن داخلها لتقسيمها ومن ثم تفجيرها من الداخل".
وتابع المصدر أن "نجاح أي نظام سياسي يعتمد أساساً على العلاقة الطبيعية بين الأحزاب والحكومة، والتي من دونها يستحيل الوصول لبناء حياة ديمقراطية سليمة تعود بالنفع على الجميع".
ورأى أن "من بين المسائل الملحّة التي يجب حسمها فوراً، رفع الحصار المفروض على وسائل الإعلام المستقلة من قبل النظام، والتخلي عن احتكار الجزء الأكبر من الصحف والقنوات والمواقع، لأن الوصول لأي حلول للأزمة يمرّ من خلال إتاحة الفرصة لأصحاب الآراء المختلفة من الخبراء والمختصين لطرح وجهات نظر مختلفة عن وجهة نظر النظام".
وصُنفت مصر في المرتبة 166 من أصل 180 دولة، في نسخة عامي 2020 و2021 من تقرير حرية الصحافة الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود".
وأكدت المنظمة أنه بين النطاقات الخمسة في المؤشر الذي اعتمدته، تستمر مصر في المساحة السوداء، حيث حالة الإعلام تنتقل من سيئ إلى أسوأ وعلى مدار سنوات. وتقبع مصر منذ الانقلاب العسكري عام 2013 بين المرتبة 158 و166 في هذا التصنيف.
كذلك، احتلت مصر المرتبة الثالثة في قائمة الدول التي تحتجز أكبر عدد من الصحافيين، إذ بلغ عددهم 25 صحافياً عام 2021، وفقاً للجنة حماية الصحافيين (غير حكومية).
وقالت اللجنة في تقرير لها، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إنه "على الرغم من أن هذا العدد أقل من العام الماضي (2020)، فإنّ الاحتجاز المستمر للصحافيين يشكل نموذجاً لاستهتار حكومة عبد الفتاح السيسي بقوانين البلد، إذ تعمد السلطات المصرية بصفة مستمرة إلى الالتفاف على القوانين التي تحدد مدة الحبس الاحتياطي بسنتين، وذلك من خلال توجيه اتهامات إضافية لتمديد تلك الفترة. وفي حالات أخرى، تفرض السلطات شروطاً على الإفراج عن الأشخاص الذين يكملون مدة محكوميتهم".